جدول المحتويات
ما حكم الاحتفال بعيد الميلاد في الإسلام
أصبح الكثير من المسلمين يهتمون بأمور لم تكن موجودة لدى الأسرة المسلمة قبل عدة عقودٍ إلا في نوادر الحالات، لأن هذه الأمور المستجدَّة دخلت على المجتمع المسلم من ثقافات أُخرى، وخاصةً الثقافات الغربية، ومن ضمن هذه المستجدَّات الداخلة على المجتمع المسلم؛ ما يُسَميه الناس بعيد الميلاد، فأصبحوا ينتظرونه في كل عامٍ، ليحتفلوا به، ويجتمعون مع أقاربهم وأصدقائهم لإهداء الهدايا، وتناول الحلوى (الكيك) الذي يضعون عليه الشموع ليطفؤوها مع القول لصاحب العيد: “سنة حلوة، أو كل عام وأنت بخير، أو عيد ميلاد سعيد..”، وغيرها من العبارات التي تُقال في مثل هذه المناسبات، فأصبح هذا المجتمع مقلِّداً ومتَّبعاً، بدلاً من أن يكون قدوةً يُحتذى بها، أصبح ينسلخ شيئاً فشيئاً من عاداته ودينه، بل إن البعض ما عاد يُرى منه الفرح والاحتفال في الأعياد التي حثَّ الدين على الفرح والسرور فيها -عيد الفطر، وعيد الأضحى- لكنه من أول المحتفلين والمشاركين في الأعياد الدخيلة، كعيد الميلاد، وعيد الحب، وعيد الأم، وغيرها من الأعياد الدخيلة، ولهذا وجب تبيين حكم هذه الأعمال، وحكم فاعلها بالاستناد على المصادر الأساسية، القرآن، والسُّنَّة، وأقوال العلماء الربانيين.
تعريف العيد وما هي أعياد المسلمين
- العيد: هو كل يوم يجتمع فيه الناس، قليليون كانوا أو كثر، بشكل معتاد، لأن هذا اليوم يُعاد كل سنةٍ، أو شهرٍ، أو أسبوع، فهو يُعاد ويتكرَّر في كل موسم، وقال الخطيب الشربيني: “العيد مشتقٌّ من العود، لأنه يتكرر كل عام” [مغني المحتاج 1\310]، [المصباح المنير للفيومي 2\462].
- أعياد المسلمين: حدَّدت الشريعة لهذه الأمة الإسلامية أعياداً يُتقرَّبون فيها إلى الله سبحانه وتعالى، وهي، عيد الفطر الذي يأتي بعد شهر رمضان ، وعيد الأضحى الذي يأتي بعد الحج، وشُرِع في هذين العيدين إظهار مظاهر الإحتفال، والفرح، والسرور، وهذين العيدين يتكرران في كل سنةٍ مرة واحدة، إلا أنه لدى المسلمين عيد ثالث، هو يوم الجمعة الذي يتكرر كل أسبوع [الشَّرح الممتع لابن عثيمين 5\111].
حكم الاحتفال بعيد الميلاد
بيَّن العلماء الصادقين حكم الاحتفال بأيِّ أعيادٍ أُخرى، إن كان ذلك عيد الميلاد، أو عيد الوطن، أو عيد الأم، أوغيرها من الأعياد التي تُقام لها الحفلات والمناسبات في كلِّ عامٍ بشكلٍ واسع في المجتمع، كاحتفال الدولة باليوم الوطني، أو إن كان ذلك بشكلٍ ضيِّقٍ؛ كاحتفال الأسرة بعيد ميلاد أحد أفرادهم، وكان في هذه المسألة قولين مختلفين.
القول الأول
أخذ الرأي الأول بجواز الاحتفال بعيد الميلاد، وذلك لأنه ليس فيه نصٌّ شرعيٌّ محدد، أو مخصَّص، كما أن عيد الميلاد ليس له أي بُعدٍ عقائدي، كالأعياد الدينية عند اليهود، والنصارى، وغيرهم، وقالوا بأن هذا العيد وخاصةً للأطفال يولِّد عندهم عادةً جيدة في مسائل التواصل، وهذا قول الشيخ سلمان العودة [1]، كما أن دار الإفتاء المصرية أيضاً ترى جواز الاحتفال بعيد الميلاد [الفتوى رقم 3619].
القول الثاني
اختلف العلماء أصحاب القول الثاني مع من يجيزون الاحتفال بعيد الميلاد، وقالوا بحرمته، لأنه تدخل فيه عدة أسباب جعلت الاحتفال وإقامة عيد الميلاد من الأمور غير الجائزة، حيث إن الشريعة الإسلامية أتت شاملة وكاملة من غير أي نقصان، بيَّنت الحلال والحرام، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣]، كما أن الشريعة قَعَّدَت القواعد التي تجري الأحكام وفقها، كالعبادات التوقيفية، فلا يُمكن عبادة الله تعالى على هوانا، بل تكون العبادة في جميع أنواعها على حسب هذه الشريعة، وأيضاً من هذه القواعد مضاهاة الشريعة -المشروع- اعتبره العلماء نوعٌ من أنواع التشريع، وهذا شيء غير جائز، لأن التشريع لله تعالى وحده، كما أن أي عملٍ فيه تشبهٌ بالكافرين يُعتبر من الأعمال المُحرَّمة، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: “من تشبَّه بقومٍ فهو منهم” [صحيح أبي داوود للألباني: 4031]، القاعدة الأخيرة، هي أن كل ما يؤدي إلى محرَّمٍ فهو محرم، حتى وإن كان هذا العمل من الأمور المباحة، فإن دخل فيه ما هو فاسدٌ أو محرم فإنه يصبح حراماً، فمن هذه القواعد يتبَّن أن أي فعلٍ أو عملٍ دُنيويّاً كان أو دينيًّا، وُجدت فيه أيُّ واحدةٍ من العلل السابقة، فإنه يُصبح غير جائزٍ شرعاً.
قالوا أن الأعياد التي شُرِعَت في الإسلام إثنان، هما عيد الفطر، وعيد الأضحى، يلحقهما عيدٌ ثالثٌ وهو يوم الجمعة، لما فيه من خصائص العيدين الأولين، وهي تخصيص بعض الأعمال فيه، دينيةً كانت أو دنيوية، الصلاة، والاجتماع، والتنظف، والتطيب، التأنُّق، وجعل هذا اليوم، يوماً مميزاً عن باقي الأيام، فإن خرج القائم بعيد الميلاد من المنع بسبب أن هذا العيد ليس فيه عبادة، فإنه لن يستطيع الخروج من المنع بسبب المُضاهاة للأعياد الشرعية، فإنه يضاهيها في مراسم الاحتفال، واللعب، واللهو، كما أنه يضاهيها بجعله يوماً مميزاً بالقدر نفسه، فإذاً هو بدعةٌ ابتدعها الناس لم يفعلها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ولا أيُّ أحدٍ من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، ولا حتى التابعين أو من كان بعدهم.
روت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ عَمِلَ عملاً لَيس عليه أمْرُنا، فَهو رِدٌّ” [مسلم: 1718]، كما تدخل فيه مسألة التشبه بالكفار، كما في حديث أبو داوود الذي أوردناه سابقاً، وهذا التشبه من شأنه أن يؤدي إلى الحرام، حيث إن التشبُّه بالقوم يؤدي إلى المودة، وإلى الاتباع، وهذ شيء منهيٌّ عنه بشِدَّةٍ، لما فيه من الخطورة البالغة على عقيدة المسلم، ولو نظر المسلم بتَمَعُّنٍ في حال أصل الاحتفال بعيد الميلاد، فإنه سيجد أن أصل هذا العيد قادمٌ من الأقوام الكافرة، فلا نجد في التاريخ الإسلامي منذ ولادته إلى يومنا هذا أن أحدا من الصحابة، أو التابعين، أو العلماء السابقين من يحتفل بعيد ميلاد أيِّ أحد من البشر، لأنهم يعرفون أن التشبُّه بالكفار من الأمور الخطرة، حتى أن أنس بن مالكٍ رضي عنه عنه روى حديثاً يُبيِّن أن إقامة أي نوع من أنواع الاحتفال بأي عيدٍ من الأعياد، كان ذلك العيد دينيًّا أو دنيويًّا، غير جائز.
قال رضي الله عنه وأرضاه: “قَدِمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولَهُم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذانِ اليومان؟ قالوا: كُنَّا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قد أبْدَلَكُم بِهِما خيراً منهما، يوم الأضحى، ويوم الفطر” [صحيح أبي داوود للألباني: ١١٣٤]، فعندما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما، وحدَّد ما هما العيدان، عيد الأضحى وعيد الفطر، كأنه ينهى عن الاحتفال بالأعياد الجاهلية، أو الأعياد المستوردة من عند الكافرين، حتى وإن كانت هذه الأعياد تخلو من أي مظهرٍ من المظاهر الشرعية الدينية [2]، وقال عليه الصلاة والسلام: “لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وذِراعًا بذِراعٍ، حتَّى لو دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنا: يا رَسولَ اللَّهِ، اليَهُودُ والنَّصارَى؟ قالَ: فَمَنْ” [البخاري: 3456]، وهنا يُبيِّن النبيُّ عليه الصلاة والسلام أن المسلمين سيتبعون ويُقلِّدون اليهود والنصارى في الكثير من شؤونهم، إن لم تكن كلها، ومن سياق كلام النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الاتباع والتقليد سيؤدي بالأمة إلى الهلاك، والاحتفال بعيد الميلاد هو واحد من هذه (السَّنَن) أي الطريقة والأفعال [3]، هذا وقد كان رأي الغالبية العظمى من علماء الأمة الإسلامية بتحريم الاحتفال وإقامة أعياد الميلاد أو أي نوعٍ من الأعياد المبتدعة، أو التي فيها تشبهٌ للكفار، أو التي فيها مضاهاةٌ للأعياد الشرعية الدينية [فتاوى اللجنة الدائمة 2\260-261، وأيضاً 2\257-258، وأيضاً 16\176]، [مجموع فتاوى ابن عثيمين 2\301] [4] [5] [6] [7].