دليل شامل عن اللغة السريانية

دليل شامل عن اللغة السريانية

يتفق أغلب الأكاديميين أن كلمة سرياني هي نفسها (سوري)، وقد أطلقها الإغريق القدماء (اليونانيين) على الآشوريين، حيث أسقطوا حرف الألف في كلمة آشور (Ασσυρία، أسّوريا)؛ لتصير سوريا (Συρίâ، سوريا)، واستعمل المؤلف هيرودوتس لفظة سوريا أو (سيريا) في كتاباته؛ للإشارة إلى الأجزاء الغربية من الإمبراطورية الآشورية، ثم امتدت التسمية لاحقًا لتشمل جميع مناطق العليا من بلاد ما بين النهرين (نهري دجلة والفرات).

يتحدث هذا المقال عن اللغة السريانية، ويشتمل على:

  • أصل التسمية.
  • تصنيفها، واللغات القريبة.
  • تاريخها، ومراحل تطورها.
  • تطور اللغة السريانية، وعصرها الذهبي، وأفول اللغة.
  • الأهمية الدينية.
  • النطق. 
  • اللهجات السريانية الغربية، والسريانية الشرقية. 
  • قواعد اللغة: الأسماء، والأفعال. 

أصل التسمية 

اللغة السريانية تعد من ضمن اللغات السامية (نسبة إلى سام بن نوح) المشتقة من اللغة الآرامية، وقد نشأت اللغة الآرامية – التي تعد أصل اللغة السريانية – في الألفية الأولى قبل ميلاد المسيح عيسى -عليه السلام- لتصبح بذلك العائلة الثالثة ضمن عائلة اللغات السامية، وأصبحت اللغة السامية بداية من القرن السادس قبل الميلاد لغة التخاطب الوحيدة فى الهلال الخصيب (بلاد ما بين النهرين) إلى ما بعد الميلاد، حيث انحرفت وتطورت تدريجيًا واكتسبت اسمها الجديد (اللغة السريانية) في القرن الرابع، وذلك تزامنًا مع انتشار الديانة المسيحية فى بلاد الشام.

وفقًا لما ذكر كتاب (السريانية  العربية) المسمى “الجذور والامتداد” لا ينكر أن الشعب السوري عامة كان عبارة عن شعب واحد وهو الشعب السريانى، وقد اختلط به من الشعوب المختلفة على مدى الفتوحات والأجيال ما لا يحصى عدده، وقد أدت الفتوحات إلى انقسام اللغة إلى لهجات سريانية متباينة ومختلفة، ويمكن القول أن معظم لغات هذه المنطقة هي من أصل سامٍ (نسبة إلى سام بن نوح)، كما يصنفها علماء الفيلولوجيا: العبرية، الآرامية، السامرية، والمؤابية، الفينيقية، السريانية، البابلية، الكنعانية، العربية، الحبشية، كان عالم الساميات (اللغات السامية) الألماني “ثيودور نولدكه” أول من أشار إلى رجوع السريان إلى الآشوريين، وذلك عام 1881 من الميلاد، حيث استشهد أيضًا بأعمال جون سلدون سنة 1617 من الميلاد، وتم إثبات هذه النظرية بشكل قاطع بعد اكتشاف نقوش (جينكوي) الثنائية اللغة بجنوب جمهورية تركيا الحالية، والتي تظهر فيها ترجمة لفظة “آشور” باللغة الفينيقية إلى “سوريا”، في كل الأحوال فإن الباحثين من كلا الرأيين اتفقا أنّ اسم “سريان” و”لغة سريانية” حلا مكان “آرام” و”لغة آرامية” بعد ميلاد المسيح وليس قبله، وتحديدًا عقب اعتناقهم الديانة المسيحية: وهكذا عندما تنصّروا اتخذوا الاسم السرياني، وذلك لأنهم اختلفوا في العادات والعبادات عن الوثنيين، بل صاروا لاحقًا يشمأزون من اسم “آرام” و”آرامي”، حتى أهمل بالكليَّة لدى الآراميين المسيحيين ليحل مكانه اسم “السريان”، أما لفظة “آرام” فقد استخدمت في الكتابات الأدبية اللاحقة؛ لتشير إلى الطائفة الوثنية التي بقيت في سوريا والعراق، وخصوصًا مجموعة الصابئة الذين استوطنوا حران. 

إعلان السوق المفتوح

تصنيفها واللغات القريبة 

تنتسب اللغة السريانية إلى عائلة اللغات السامية (نسبة إلى سام بن نوح) والتي بدورها تتفرع وتتشعب إلى مجموعة اللغات الإفريقية والآسيوية، يقدر علماء اللهجات أنّ تاريخ ظهور هذه العائلة يعود للألف السابع قبل ميلاد المسيح عيسى -عليه السلام-. 

تضم مجموعة اللغة السامية جميع اللغات التي استعملت في الهلال الخصيب (بلاد ما بين النهرين) أي: اللغة الأكادية، والكنعانية، والأوغاريتية، والعبرية، واللغة العربية، وبعض لغات القرن الأفريقي، مثل الأمهرية، وتعد اللغة السريانية، مثلها مثل اللغة العربية في طريقة الكتابة، وليس المعاملات اليومية بين متحدثيها، حيث تطورت اللغة السريانية منذ القرن الثاني عشر إلى لهجتين (شرقية، وغربية)، وتفرعت بعد ذلك إلى لهجات أخرى صنفها علماء اللغة على أنها لهجات آرامية حديثة، أو مستحدثة، ومنها انقسمت إلى أربع مجموعات: اثنتان منها (المجموعة الوسطى، والمجموعة الشمالية الشرقية) تطورت مباشرة من اللغة السريانية، ومن الملاحظ أنه بالرغم من كون اللهجات اليهودية الآرامية أقرب كثيرًا إلى اللهجات الآرامية الشمالية الغربية: السريانية الشرقية من اللهجات الآرامية الوسطى: السريانية الغربية، إلا أنها لا تصنف ضمن اللهجات السريانية، ولا تستعمل بها الأبجدية السريانية في الكتابة؛ ولهذا فإن العديد من الباحثين يعدون السريانية إرثًا تاريخيًّا ودينيًا عريقاً تركته لنا مدينة الرها منشأ اللغة السريانية، وأصبحت لهجتها الآرامية بفعل اعتناق السريان الآشوريين الساكنين في تلك المنطقة الديانة المسيحية عاملًا يميزهم عن غيرهم من الشعوب المتحدثة بالآرامية في ذلك الوقت.

حسب الإمام ابن حزم الأندلسي، فإن العربية المعروفة والعبرية والسريانية هم لغات من أصل واحد، والفروق بينهم ناجمة عن التطور الطبيعي للمجتمعات بحسب مناطق انتشارها، ومن اليهود أيضًا أمثال موسى بن ميمون قام بنسب اللغة السريانية إلى مصدر واحد وهو: سيدنا إبراهيم -عليه السلام- ضمن التصنيفات الوسيطة والفرعية، وتصنف اللغة السريانية ضمن عائلة اللغات السامية الشمالية الغربية التي انتشرت من شبه جزيرة سيناء حتى حدود إيران وظهرت بها، تحديدًا في أوغاريت، ومن غير المعروف في يومنا هذا ما هي علاقة اللغة السريانية باللغة السامية الأم، وفي المقابل من المعروف أن اللغة السريانية قد تطورت بشكل كبير عن تلك اللغة، ولكن في جميع الأحوال فإنه باعتبار اللغة السريانية لغة منفصلة؛ فبذلك تكون اللغة الآرامية هي أقرب اللغات إليها، علمًا بأن اللغة الآرامية القديمة لم تعد موجودة في عصرنا هذا، وكل ما هو ما باق منها هي تلك اللهجات المختلفة المتشعبة منها. 

تاريخها ومراحل تطورها 

تاريخها ومراحل تطورها 

التاريخ القديم

من غير المعروف على وجه التحديد الدقيق تاريخ نشأة اللغة الآرامية، ويرجح بعض الباحثين أن اللغة الآرامية بدأت في الألف السادس قبل الميلاد في العراق، وطبقًا لهذا الكلام فإن جميع الشعوب التي سكنت العراق كانت آرامية، وكانت تتحدث اللغة الآرامية، وإن كان بلهجات مختلفة وأبجديات متباينة، وأشهر هذه الشعوب: البابليون، والآشوريون، الفينيقيون، والكنعانيون، ويتم الاعتماد بشكل أساسي على الرابط القومي والحضاري لإثبات صحة هذه النظرية؛ التي تفترض أيضًا أبجديات عديدة، التي تعد الكتابة الآرامية القديمة التي نشأت في الألف الأول قبل الميلاد ليست إلا أحدثها، في حين تشكل اللغة الأكادية أقدمها.

قبل نشوء الأبجدية التي عرفت باسم الأبجدية الآرامية، تفترض النظرية أن الآراميون (الشعب الآرامي) باختلاف طوائفهم  استعملوا أبجديات مختلفة، ومتباينة مشتقة من الأبجدية السامية الأم، أو الكتابة المسمارية، والتي اشتقت عنها الأوغاريتية في الألف الثاني قبل الميلاد، وهناك عدد من الشهادات القديمة التي تدعم وترجح هذا الرأي، في حين أنّ هذه النظرية تتعرض لانتقادات كثيرة من قبل أغلب العلماء، فعلى الرغم من إقرار الجميع بالروابط القومية والثقافية بين الشعوب، والإمبراطوريات المتواترة في الهلال الخصيب (بلاد ما بين النهرين)، غير أن هذا لا يبرر على الإطلاق أن جميعهم قد استخدم اللغة الآرامية، أو إحدى اللهجات المشتقة منها في تعاملاتهم؛ فالنظرية المرجحة والمنتشرة تحدد أن نشأة اللغة الآرامية كانت في الفترة الممتدة بين القرن الرابع عشر قبل الميلاد إلى القرن العاشر قبل الميلاد، متطورة بذلك عن اللغات السامية التي كانت منتشرة قبلها في بلاد ما بين النهرين، تعتمد هذه النظرية على كون الأبجدية التي تم تسميتها باسم (الأبجدية الآرامية) قد ظهرت خلال الألفية الأولى قبل الميلاد، وأخذت تنتشر انتشارًا كبيرًا في بلاد ما بين النهرين، وذلك بحكم الإمبراطوريات المتواترة، والتي سيطرت على المنطقة كلها مستعملة هذه اللغة، وهكذا فإنه بسقوط الإمبراطورية الآشورية خلال القرن السادس قبل الميلاد، كانت اللغة الآرامية قد أصبحت اللغة السائدة في بلاد ما بين النهرين، ولا يمكن إرجاع سبب انتشار اللغة الآرامية في بلاد ما بين النهرين الهلال الخصيب لأسباب سياسية أوعسكرية فقط، بل أيضًا كان للقوافل التجارية البرية والبحرية التي سيرها الآراميون، والتي وصلت إلى بلاد الهند، وتونس الفضل في انتشار اللغة.

إن هذه النظرية هي الأخرى، تجعل من الشعوب والأقوام التي عاشت قبل الألف الأول قبل الميلاد غير آرامية، ومتكلمين بلغات خاصة بهم غير الآرامية، رغم أنها اعترفت بالرابط القومي والحضاري لتلك الشعوب التي تواترت في بلاد ما بين النهرين عمومًا، أقدم نقش سرياني يعود لسنة 6 ميلادية، وقد تم اكتشافه في الرقيم في بيرثا بتركيا، لكن كلًا من الفريقين، يشير إلى أهمية اللغة الآرامية في نشأة اللغة العبرية، خصوصًا في أعقاب السبي البابلي لليهود، بل إن أجزاءً من العهد القديم اليهودي قد كتبت بهذه اللغة (السريانية)، خصوصًا سفري عزرا ودانيال، كما أنها اللغة الغالبة في التلمود، أما فيما يخص اللغة العربية فإن الباحثين يتفقون حول استمرارية الاتصال بين اللغتين، وذلك بحكم العلاقات التجارية بين بلاد ما بين النهرين، وشبه الجزيرة العربية، على الرغم من أنهم يختلفون في تحديد الأقدم في اللغتين.

المطران إقليمس داوود يرى من اللغة العربية أقدم من اللغة الآرامية، غير أن عدد آخر من الباحثين يجعلون اللغة العربية أحدث من اللغة الآرامية، وما يدعم هذا الرأي ويؤكده هي: الاكتشافات الحديثة، والتي تثبت أن الخط المعروف باسم (خط المسند) قد ظهر في القرن السادس قبل ميلاد المسيح عيسى -عليه السلام- ومن المشهور والمؤكد أن (الخط المسند) هو أقدم أشكال الأبجديات العربية، وإن كان هناك اختلاف بشكل كبير بينه وبين الأبجدية العربية اليوم، في حين نشأت الأبجدية الآرامية قبل الخط المسند بحوالي الأربع قرون ٤٠٠ سنة، وهناك من يشير أنّ العرب في شبه الجزيرة العربية قد استعملوا الأبجدية المعروفة باسم (النبطية)، وهي منحدرة من الآرامية بشكل مباشر.

اقرأ أيضاً:  أهمية التعاون بين أفراد فريق العمل

اشتقاق السريانية

خلال القرن الرابع قبل الميلاد كانت اللغة الآرامية قد أصبحت اللغة الرسمية الوحيدة في المنطقة الممتدة من أرمينيا وتركيا شمالاً، إلى الأردن وسيناء جنوبًا، ومن البحر الأبيض المتوسط، إلى بعض مناطق إيران الغربية الآن، وقد تواترت عدة حضارات من المؤكد أنها استعملت اللغة الآرامية ذات يوم وقامت بتطويرها، أمثال تدمر، والأنباط، بل واليهود أيضًا؛ فقد تميزت اللغة الآرامية بالتطور الدائم المستمر، وفي القرنين التاليين أصبح من الممكن التمييز بين لهجتين من اللغة الآرامية، هما؛ الآرامية الشرقية، وقد انتشرت في العراق، والآرامية الغربية، وقد انتشرت في بلاد الشام، فكان ذلك التباين في الخطوة الأولى هو السبب في ظهور اللغة السريانية، كما ساهم احتلال الإسكندر المقدوني لسوريا في تطور اللغة وانفتاحها على اللغة اليونانية، لكنه فشل في إحلال اللغة اليونانية مكان الآرامية، وعقب سقوط إمبراطورية الإسكندر المقدوني (الاسكندر الأكبر) تقسمت سوريا إلى عدد كبير من الدويلات، والممالك الصغيرة كان أحدها مملكة الرها والتي صارت بحكم ازدهار التجارة فيها مركزًا ثقافيًا ودينيًا مهمًا.

اللغة السريانية نشأت وتطورت في مملكة الرها العظيمة، وبداية من اللهجة الشرقية التي كانت سائدة في بلاد العراق إذ أن اللهجة الغربية وهما لهجتي: تدمر، والأنباط، وسواهما قد انقرضتا عقب سقوط الممالك، وسميت عقب ذلك لهجة الرها باللهجة الغربية، كانت اللغة السريانية، لغة قوم استوطنوا وعاشوا في بلاد ما بين النهرين وسوريا الداخلية، وكانت لهم حضارتهم الخاصة في الزمن القديم، فنمت وازدهرت لغتهم، وصارت مرنة، سلسة، سهلة، غنية بالألفاظ والتعابير، وظلّت لأزمان عديدة هي اللغة الرسمية للدولة التي حكمت بلاد الشرق الأدنى، وامتدّ سلطان هذه اللغة إلى مصر وآسيا الصغرى (تركيا حاليًا)، وشمال بلاد العرب، وبلاد الهند، والصين، ولكن اللغة السريانية بقيت خالدة وثابتة بتراثها الأدبي الغالي على الرغم من الصعوبات التي واجهتها. 

أقدم الوثائق المعروفة اليوم والتي تشير بشكل واضح وصريح إلى مصطلح (سريانية) تعود لعام 132م، وأغلب الوثائق القديمة تتعلق بالديانة المسيحية، ولكن هناك عدة وثائق تتعلق بالديانات الوثنية التي كانت سائدة في مملكة الرها، فعلى الرغم من أن تسمية “سريانية” لم تنتشر إلا عندما اقترنت وتعلقت بالدين المسيحي، إلا أنها تعود لفترة ما قبل أنتشار المسيحية  في معظم سوريا؛ وبالتالي يمكن تصنيفها ضمن الحقبة الوثنية.

هناك من المؤرخين من يفسر سبب قلة، ونقص الوثائق السريانية المتعلقة بالوثنية حتى يومنا هذا، بأن السريان (الشعب الذي يتحدث السريانية) عند اعتناقهم المسيحية قد أتلفوا جميع المؤلفات التي تمجد، وتعظم الأوثان، أو تتغنى بها، وعكف أدبائها ومفكريها على إنشاء تراث مسيحي جديد للغة، ويوجد اليوم العديد من الوثائق التي تعود للفترة ما بين القرن الثاني والقرن الخامس الميلادي، والتي استخدمت السريانية، مثل بضعة ترانيم مسيحية، ومؤلفات لاهوتية أحدها تم تحديده في القرن الثالث، وهو رسالة موجهة من الفيلسوف اللاهوتي بولس السميساطي إلى ابنه.

يمكننا القول بناءً على ذلك، أن اللغة السريانية، اشتقت من اللغة الآرامية، خلال القرن الأول أو القرن الثاني من الميلاد، وأنها رغم اعتمادها في مملكة الرها كلغة رسمية غير أنّ أصولها تعود إلى العراق، ولم تتطور اللغة السريانية وتنتشر إلا في القرن الرابع الميلادي، حيث ظهرت العديد من المدارس والمؤلفات الشعرية لشرحها وإظهارها وتعريف مفرداتها، فكانت نتيجة لذلك اللغة السريانية هي التجديد المناسب للغة الآرامية، ويعدها عدد لا بأس به من الباحثين والمؤرخين لكثرة المؤلفات الكنسية التي كتبت باللغة السريانية هي: اللغة الثالثة في الديانة المسيحية بعد اللغتين اليونانية واللاتينية، غير أنه أثناء تلك الفترة، وفي بعض مناطق الساحل الشامي (بلاد الشام)، مثل: أنطاكية، واللاذقية، وبيروت، وفي المدن المهمة أيضًا أمثال: مدينة دمشق، والقدس أخذت اللغة اليونانية تحل محل اللغة السريانية، وذلك بحكم وقوع تلك المناطق تحت سيطرة الإمبراطورية البيزنطية، والتي حاولت فرض ثقافتها ولغتها على بلاد ما بين النهرين، أو ما يعرف بالهلال الخصيب، غير أن تلك المحاولات كانت في الغالب محدودة.

تطور اللغة وعصرها الذهبي 

تطور اللغة وعصرها الذهبي 

تعد الفترة ما بين القرن الرابع والقرن السادس هي الفترة الذهبية للغة السريانية، إذ تميزت تلك المدة بكثرة الإنتاج الأدبي والعلمي، وبروز عدد كبير من الأعلام، خاصة في مجالي: الأدب، والشعر.

أحد رواد تطور اللغة السريانية القديس أفرام السرياني الذي توفى عام 373م، والذي أسس مدرسة نصيبين لتعليم اللغة السريانية، وألف ستة مجلدات كاملة باللغة السريانية تحتوي وتشتمل على أشعار من تأليفه، كما قام بتأليف مقطوعات موسيقية، مطورًا بذلك الموسيقى المشرقية، فاستحق لقب تاج الأمة السريانية، ولا تزال مؤلفاته ترتل في ترانيم حتى اليوم في مختلف الكنائس التي تتبع الطقس السرياني، هناك العديد ممن يشير إلى أن مؤلفات أفرام السرياني، وقبله الشاعر برديصان هما: خير الأدلة على النضج الأدبي الذي تميزت به اللغة السريانية خلال القرن الرابع.

لم تكن مدرسة مملكة الرها التي أسسها القديس أفرام السرياني إلا فاتحة تأسيس عدد كبير من المدارس السريانية في القرن الرابع والخامس، وقد بلغ عددها في العراق وحده حوالي خمسين مدرسة، وقد اشتهر من تلك المدارس التي كانت تعلم اللغة السريانية كل من الرها، ونصيبين، وجنديسابور، وقنسرين، كما أن المدارس السريانية التي درست بشكل أساسي اللاهوت والفلسفة اهتمت أيضًا بعلوم الطب، والفلك، والرياضيات، والطبيعيات، والتاريخ، والآداب، وغيرها.

عددٌ من الباحثين يشيرون بنوع خاص إلى تطور الفيزياء في اللغة السريانية، وخلال تلك الفترة اشتهرت مدرسة أنطاكية اللاهوتية، والتي اتصفت هي ومدرسة الإسكندرية اللاهوتية بكونهما أشهر المدارس اللاهوتية في العهد القديم، شهدت تلك الفترة العديد من المؤلفات ذات المسحة الدينية السريانية التي طبعت تاريخ الدين المسيحي حتى يومنا هذا، منها إنجيل البشيطتا الذي يعود إلى القرن الثاني والدياطسرون الذي حاول من خلاله تاتيانوس السوري الجمع بين جميع الأناجيل الأربعة في إنجيل واحد شامل؛ ليكون أول ترجمة سريانية للعهد الجديد، وقد تمت ترجمته إلى أربع لغات، غير أن هذه الصيغة من الأناجيل لم تنل رضى

الكنيسة الرسمية؛ لذلك سعى آباء الكنيسة السريان إلى وضع ترجمة أخرى وفق صيغة الأناجيل الأربعة المتعارف عليها في عصرنا هذا، فظهرت الترجمة المعروفة باسم “بشيطتا” والتي تعني في اللغة العربية “البسيطة”، ذلك بسبب استخدام مصطلحات شائعة بدلاً من نحو اللغة الصعب والمعقد.

هناك العديد من الترجمات الأخرى للكتاب المقدس باللغة السريانية، غير أنها لم تصل أبدًا إلى مرتبة الترجمة البسيطة من حيث الانتشار في بلاد الشام والعراق، بعضها مباشرة من اللغة العبرية، خصوصًا أسفار (جمع سفر) العهد القديم، والبعض الآخر من اللغة اليونانية، يشير الباحثون والمؤرخون أن بعض حاخامات اليهود (رجال الدين اليهودي) قاموا بإجراء ترجمات للعهد القديم بالسريانية، وهناك العديد والكثير من المؤلفات الأخرى باللغة السريانية في مجالات كثيرة، لم يصل إلينا منها سوى القليل بسبب الحروب، والكوارث الطبيعية التي  شهدتها المنطقة عبر التاريخ.

إن اللغة السريانية أيضًا، خلال عصرها الذهبي، ونتيجة انطلاق الشعب السرياني نحو الشرق مبشرين بالدين المسيحي، وبنتيجة العلاقات التجارية المهمة مع الصين ومنغوليا؛ فقد انتشرت سريعًا في مناطق مختلفة من قارة آسيا، وتأسس عدد كبير من الأبرشيات السريانية في هضبة التبت، وبكين (عاصمة الصين)، ومنشوريا، غير ذلك فهناك عدد من المكتشفات السريانية في اليابان؛ ما يدل على نشاط واسع للسريان في نقل ديانتهم، وثقافتهم، ولغتهم إلى الشعوب الأخرى، ولا تزال مجموعات صغيرة، من الشعب السرياني والناطقين بالسريانية في كوريا الجنوبية واليابان حتى هذا اليوم. 

على الرغم من الازدهار الذي حققته اللغة السريانية في الفترة الممتدة بين القرنين الرابع والسابع، إلا أنها في الوقت نفسه، قد عانت من الحروب المتواصلة بين الإمبراطورية البيزنطية المسيحية، والإمبراطورية الفارسية المجوسية، إضافة إلى تدهور  الوضع الاقتصادي بسبب الحكم البيزنطي الإقطاعي، وإرهاق السكان بالضرائب الكثيرة، إثر مجمعي أفسس، وخلقيدونية.

في عام 431م قام مجمع أفسس بإدانة نسطور بطريرك القسطنطينية، لقوله بالشخصان المتحدان في المسيح، غير أن أتباعه وأنصاره ظلوا يشكلون قاعدة شعبية واسعة في مناطق الجزيرة السورية والعراق؛ وفي عام 451م قام مجمع خلقيدونية بإدانة صيغة “طبيعتي المسيح بعد اتحادهما باتا طبيعة” مما أفضى بنتيجة اعتناق عدد كبير من السريان لهذه الصيغة، إلى انقسام الكرسي الإنطاكي على نفسه للمرة الثالثة عام 518م عقب نفي البطريرك اللاخلقيدوني ساويرس الكبير.

اقرأ أيضاً:  كيف أعرف تاريخ ولادتي بالميلادي

الانقسامات والمماحكات اللاهوتية

أثرت الانقسامات بشكل عكسي على اللغة السريانية نفسها، فظهرت أوائل القرن السادس اللهجة والأبجدية الشرقية المنسوبة لشرق نهر الفرات، والتي سميت أيضًا باللهجة النسطورية؛ لانتشارها واعتمادها في كنيسة المشرق الآشورية، وحاول عدد من الأباطرة القضاء على الصيغة اللاخليقدونية، وقاموا  باضطهادات عنيفة على أتباعها، وقام عدد آخر منهم بمحاولة عنيفة للقضاء على الصيغة الخليقدونية، وشنوا اضطهادات على أنصارها، وفشل عدد آخر من الأباطرة في التوحيد بين الصيغتين في صيغة واحدة، أبرزهم: هرقل الذي اقترح صيغة “المونوثيلية” أي  “الطبيعتين المتحدتين في مشيئة” عام 628م، وإثر رفض اللاخلقدونيين لهذه الصيغة، أثار الإمبراطور حملة اضطهادات جديدة ضدهم، تزامنًا مع هذا الوضع، ظهر الدين الإسلامي في شبه الجزيرة العربية، واتجهت جيوشه لفتح بلاد الشام، فسانده وناصره المسيحيون العرب (المسيحيون العرب عمومًا اتبعوا الطقس السرياني واليوناني) والشعب السرياني، كما حدث في معركة اليرموك، ومعركة القادسية، حيث قاموا وفتحوا أبواب المدن بذاتها مهللين للفاتحين؛ لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من التفاعل بين الحضارتين العربية والسريانية، ثم بعد ذلك بين اللغتين، ففي عهد الخلافة الأموية استمرت اللغة السريانية لغة الدواوين والوزارات حتى عهد الخليفة عبد الملك بن مروان -رضي الله عنه- وسيطر الشعب السرياني على كثير من القطاعات الحيوية للدولة كبناء الأساطيل، وجمع الضرائب، وحصلوا على  امتيازات عديدة أخرى، استمر الوضع على هذا المنوال، طوال عهد الخلافة الأموية، ومع قيام الخلافة العباسية بدأت مرحلة أخرى تمثلت في مرحلة الترجمة، إذ كان العرب لا يعرفون اللغة اليونانية التي كتبت بها أغلب المؤلفات العلمية القديمة أمثال: مؤلفات أرسطو، وأفلاطون، وغيرهما الكثير، ولم يكن الخلفاء وحدهم من يهتمّون بالترجمة والنقل إلى العربيّة، بل نافسهم في ذلك الوزراء، والأمراء، والأغنياء، وصاروا ينفقون الأموال الكثيرة عليها، فيقول ابن الطقطقي: إن البرامكة شجعوا تعريب صحف الأعاجم، حتى قيل أن البرامكة كانت تعطي المعرّب (الذي يقوم بالترجمة) زنة الكتاب المعرّب (المترجم) ذهباً، وبالغ الفتح بن خاقان في إنفاق الأموال على الترجمة والتأليف، وكان عبد الملك بن الزيات لا يقل عنه كرمًا في هذا المجال.

بسبب هذا النشاط، يقول عدد من الباحثين، والمؤرخين أن اللغة السريانية، وما رافقها من حركات تطور وترجمات، عنصر أساسي من عناصر خلق الحضارة العربية، عمومًا فإنه خلال عصرهم الذهبي أكرم العباسيون الشعب السرياني بحفاوة كبيرة، وقد ذكر المؤرخون العرب القدامى أن الخليفة المنصور بنى بطريركية كنيسة المشرق الآشورية أثناء بنائه مدينة بغداد، وأشرف بنفسه على تشييد مدرستين سريانيتين في المدينة، كانا هما أساس حركات الترجمة قبل تأسيس بيت الحكمة، ويقال أيضًا أن أطباء الخلفاء كانوا من السريان، وأشهرهم أسرة: بختيشوع؛

نتيجة لهذا الانفتاح قام السريان بتعلم اللغة العربية، وقاموا بنقل المؤلفات اللاهوتية، والشعرية الكنسية إليها، فأخذت تنتشر بين الرهبان وسائر الإكليروس؛ ما أدى إلى بداية فقدان أصل اللغة، وانتشارها كلغة تخاطب في العراق على وجه الخصوص.

أفول اللغة

أفول اللغة

أصيبت الدولة العباسية بالضعف، والوهن بداية من القرن الثامن، وظلت على هذه الحالة حتى سقوطها بيد المغول في القرن الثالث عشر، وهذا أثر بالسلب وبشكل مباشر على اللغة السريانية، وإضافة إلى ضعف الاقتصاد، والأوبئة الطبيعية، والفوضى السياسية، فضلاً عن انقسام الدولة إلى عدد كبير من الدول الشبه مستقلة عن المركز، إضافة للحملات الصليبية؛ أدوا إلى انهيار الوضع الاقتصادي تمامًا، وهذا بالطبع أدى إلى تدهور اهتمام الخلفاء بالعلوم، والآداب، والتراجم، فكان هذا هو العامل الثاني في تراجع اللغة السريانية وأفولها، يمكننا القول أنه مع بداية القرن الحادي عشر بدأ الناس في سوريا، ولبنان باستخدام اللغة العربية بدلًا من اللغة السريانية في تعاملاتهم، وكلامهم، وهناك دليل ثابت ممثلاً في كتابي الهدى والفصول العشرة لمترجمهما “توما” وهو أسقف كفر طاب الماروني  بالقرب من معرة النعمان، فالكتابان قد كتبا باللغة السريانية في القرن العاشر، ثم نقلهما الأسقف توما إلى اللغة العربية، على شكل رسالة موجهة إلى أهل جبيل بناءً على طلب من مطرانها، وفسر ذلك ذلك بأن السكان حديثًا أصبحوا يستعملون اللغة العربية في تعاملاتهم اليومية بدلاً من السريانية.

إحدى المظاهر الأخرى التي كانت السبب في انتشار اللغة العربية بدلاً من اللغة السريانية هو: ظهور “الخط الكرشوني” أو ما يعرف ب”الكتابة الكرشونية” والذي ظل سائدًا حتى القرن الثامن عشر في بعض مناطق لبنان، واستعمله البطريرك الماروني أسطفان الدويهي في مؤلفاته، يتمثل الخط الكرشوني في كتابة اللغة العربية بحروف سريانية، وذلك لأن السريان، وإن أتقنوا اللغة العربية غير أنهم لم يتقنوا الأبجدية الخاصة بها (حروفها)، عمومًا يمكننا القول أنه بحلول القرن الحادي عشر أصبح معظم السريان على علم كافٍ باللغة العربية.

يمكن القول أنه على الرغم من كل ما سبق، فقد بقيت اللغة السريانية حية، وباقية بفعل عاملان خلال العهد المملوكي (دولة المماليك) والعهد العثماني (الدولة العثمانية)، أولهما: الكنائس المسيحية السريانية التي ظلت محافظة على اللغة بين رهبانها وكهنتها، إلى جانب الإبقاء عليها كلغة للطقوس الدينية، والثاني بانقطاع الصلة بين بعض مناطق الريف والمدن؛ ما ساهم في نشوء مجتمعات قروية منغلقة على نفسها، ومحافظة على لغتها وتقاليدها، حتى في المناطق التي انتشرت في العربية بشكل نهائي بين السكان، لم يقتصر التأثير على نشأة “الخط الكرشوني” كمرحلة وسيطة، وإنما طبعت اللغة العربية بألفاظ ومصطلحات سريانية؛ لتتشكل بذلك اللهجات الشامية، خصوصًا في سوريا ولبنان، عمومًا فإن البعض، يعيد تأثير السريانية على العربية إلى مرحلة الخلافة العباسية، حين دخل عدد كبير من المصطلحات، وقواعد الصرف، والنحو إلى اللغة العربية الفصحى.

شهدت المرحلة المبكرة من القرون الوسطى أيضًا تكريس الانفصال بين اللهجتين السريانية الغربية، والسريانية الشرقية؛ وشكل القرن التاسع عشر مرحلة انعطاف جديدة بالنسبة للغة السريانية، يقول المستشرق الفرنسي الأب هنري لامنس أنه خلال زيارته إلى بشرى في أواخر القرن التاسع عشر، وجد أنها وثلاثة قرى مجاورة لها لا تزال تستخدم السريانية كلغة تخاطب يومية، ويمكن القول أن المناطق الريفية حيث انتشر السريانيون في تركيا، وسوريا، ودولة العراق كانت تتخاطب بهذه اللغة أيضًا، لكن الطوائف المسيحية في بلاد الشام التي استعملت اللغة السريانية في جزء من طقوسها، قامت بتعريب أجزاء كبيرة من القداس الإلهي وسائر العبادات الخاصة بها، وغير ذلك فقد لعب أبناء الطوائف السريانية، خاصة في لبنان دورًا رائدًا ومهمًا في النهضة القومية، والأدبية العربية، يجدر بنا القول أنه قد ظهر عدد من الباحثين الذين دعوا وقاموا بمحاولات؛ لإحياء، وإعادة استخدام اللغة السريانية، وإعادة نشرها، غير أن الوضع العام في كلٍ من: سوريا، ولبنان كان يميل إلى الانخراط في النهضة العربية، وهذا ما حدث بالفعل، وساهمت موجات الهجرة الجماعية بسبب الفقر، وانهيار اقتصاد الدولة العثمانية نحو مصر التي كانت في ظل حكم الخديوي إسماعيل المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العثمانية، وقارتي أمريكا الشمالية والجنوبية في انفتاح متزايد على اللغة العربية؛ مما قام بشكل فعلي بالتخلي الكامل عن اللغة السريانية، غير أن النصف من القرن التاسع عشر شهد تطورًا ملموسًا باللغة السريانية؛ فانتشرت دور الطباعة بالسريانية، ونشطت في ترجمة، ونشر كتب، ومعاجم كثيرة باللغة السريانية، خاصة في مدينة أورميا بإيران الحالية، وقد جلبت هذه الحركة والفكرة أسلوباً في الكتابة يعرف  (ܟܬܒܢܝܐ، بمعنى المكتوبة) اتسمت بأسلوبها البسيط وقدرتها على “سرْيَنة” الألفاظ الأجنبية، بمعنى تحويلها إلى السريانية، ولكن للأسف تشتتت المجتمعات الناطقة باللغة السريانية، كما شهد النصف الثاني من القرن العشرين تسارع الهجرة؛ ما أثر بشكل كبير على تداول اللغة السريانية.

لا تزال سريانية (الكثبونويو) تستعمل حتى الوقت الحاضر في الكتابات الأدبية غير الدينية، وفي عدد البرامج الثقافية بالقنوات الناطقة بالسريانية، كما تستعمل السريانية القديمة غالباً في النواحي الدينية والليتورجية، بينما تحوي اللهجات المحكية (الدارجة) على عدد كبير من الألفاظ الدخيلة علي السريانية،  وخاصة من اللغتين العربية والفارسية.

الأهمية الدينية

يعد عدد من الباحثين أن اللغة السريانية هي ثالث أهم لغة في الديانة المسيحية بعد اللغتين: اللاتينية، واليونانية من حيث وفرة المؤلفات الكنسية المنتمية إلى الكنيسة، والطقسية القديمة التي كتبت بها، وشكلت أساس الديانة المسيحية؛ كذلك فإنه من المعروف، والمشهور، والمؤكد أن السيد المسيح عيسى -عليه السلام- قد تكلم اللغة الآرامية، ويميل عدد من الباحثين إلى اعتبار اللغة السريانية والآرامية لغة واحدة، فالذي زاد من أهمية اللغة السريانية في الدين المسيحي هو أن السيد المسيح قد تكلم بها أيضًا، ومن غير المؤكد على وجه التحديد متى بدأت الكنائس في الهلال الخصيب (بلاد ما بين النهرين) باستخدام السريانية كلغة خاصة بالطقوس لديهم، غير أنه من المعروف أن ذلك يعود لأواخر القرن الثاني، ومطلع القرن الثالث، انطلاقًا من مملكة الرها، وهناك أدلة على أن اعتماد السريانية كلغة كان له تأثيرًا مهمًا في انتشار الديانة المسيحية بسرعة بين الناطقين بها حتى باتت اللغة المسيحية الرسمية، وأغلب المؤلفات التي كتبت بالسريانية خلال عصرها الذهبي، كانت تكتب في مواضيع دينية، وشكلت هذه الكتابات مراجع أساسية لجميع الباحثين والمؤرخين في التاريخ المسيحي، والعقائد المسيحية، وقد يكون أحد الدلائل على ذلك، كثرة رجال الدين الأدباء الذين عملوا في هذا المجال، أبرزهم أفرام السرياني، ويعقوب السروجي، ويعقوب المقطع، وغيرهم.

اقرأ أيضاً:  دورات التسويق العقاري الإلكتروني

بدأت اللغة السريانية بالتدهور تدريجياً بداية من القرن السابع، حيث حلت محلها اللغة العربية مع قدوم الإسلام إلى المنطقة، ولم يتفوق انتشار اللغة العربية على اللغة السريانية إلا في نهاية القرن الرابع عشر، وكان العامل الأكبر الذي ساهم في اندثار، واختفاء السريانية في العديد من المناطق هو غارات المغول في القرن الثالث عشر، وفتوحات السلاجقة المسلمون من بعدهم ، حيث تغير التركيب السكاني بشكل كبير في شمال بلاد الرافدين بعد احتلالها من قبل تيمورلنك، وقتل معظم سكانها من المسيحيين، بينما أخذت اللغة العربية تأخذ محل اللغة السريانية تدريجياً، حتى تم استبدال اللغة العربية محل اللغة السريانية كلغة للقداس في بعض الكنائس السريانية الغربية.

النطق 

تحتوي اللغة السريانية على 22 حرف: 19 صامتة، وثلاثة متحركة قد تتخذ عدة أصوات طبقًا للحركة، وهناك اختلافات صغيرة من بلد إلى آخر (أو بالدقة: من لهجة إلى أخرى)، إضافة إلى ذلك، هذه اللهجات يُمكن أن تختلف من منطقة إلى أخرى ضمن بلد ما، حروف العلة في السريانية ثلاث وهي: ܐ أولاف (الألف)، وܘ واو (الواو)، وܝ يوث (الياء) أما الحركات فسبع حركات بالسريانية الشرقية، وخمس حركات بالغربية.

تحتوي السريانية على 19 حرفًا صامتًا، وبالإمكان الحصول على أصوات إضافية غير ممثلة أصلًا بالأبجدية السريانية، مثل: الجيم، والثاء، والذال، بإضافة علامات تنقيط خاصة.

  • ^1 يُنطق صوت ب على هيئة و ([w]) في اللهجات السريانية الشرقية، كما قد يتحول هذا الصوت إلى ڤ ([v]) في بعض اللهجات الشرقية، وخصوصًا في إيران.
  • ^2 يُنطق صوتا ث ([θ]) وذ ([ð]) على هيئة ت ([t]) ود ([d]) في بعض اللهجات السريانية الشرقية. وخاصة في إيران والعراق.
  • ^3 صوت العين ع ([ʕ]) يلفظ كالألف ([ʔ]) أو يهمل في معظم اللهجات الشرقية.
  • ^4 يلفظ صوت ح ([ħ]) كالخاء ([x]) في معظم اللهجات الشرقية.

اللهجات 

اللهجات 

السريانية الغربية 

تنقسم السريانية حالياً إلى لهجتين رئيسيتين: شرقية (مدنخايا؛ ܡܕܢܚܝܐ أو سوادايا؛ ܣܘܕܝܐ) وغربية (معرويو؛ ܡܥܪܘܝܐ أو معربويو؛ ܡܥܪܒܝܐ) ويعد نهر دجلة في العراق فاصلاً طبيعيًا بين اللهجتين، ويعود أصل التقسيم إلى مجمع أفسس الأول عندما تمت إدانة تعاليم نسطور، واضطهاد أتباعه من قبل الإمبراطورية البيزنطية، بدورهم استغل الساسانيون هذا، وقاموا باضطهاد المسيحيين الذين لم يتبعوا نسطور الأمر؛ الذي أدى إلى انقسام الكنيسة السريانية إلى شرقية فارسية، وغربية بيزنطية، حيث طورت كل كنيسة طقوسها، ولهجتها الخاصة بها.

إن السريانية الغربية هي الأقرب إلى السريانية الكلاسيكية (القديمة /الأم)، حيث تميز باستعمال الواو في رفع الأسماء، والاحتفاظ بأصوات ال”عين” وال”ح” كما تأثرت بغيرها من اللغات كاللغة العربية، والتركية، والكردية، وتمتاز عن جميع اللغات الآرامية باستعمال ضمائر الإشارة، مثل:

  • المفرد المذكر: ܐܘ ܡܠܟܐ؛ أو مالكو (هذا الملك).
  • المفرد المؤنث: ܐܝ ܡܠܟܬܐ؛ أي ملكثو (هذه الملكة).
  • الجمع: ܐܡ ܡܠܟܝ؛ أم ملكي (هؤلاء الملوك). ܐܡ ܡܠܟܬܝ أم ملكثي (هؤلاء الملكات).

تنقسم اللهجة الغربية إلى عدة أقسام لعل أهمها (الطورويو والملحسو) اللتان انتشرتا سابقًا في طور عابدين، والمديويو في مديات، وينتمي جميع المتحدثون باللغة السريانية الغربية الآن إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، غير أنه تواجد من تحدث بهذه اللهجة من أتباع الكنيسة الكلدانية، وكنيسة المشرق، وخاصة في مديات قبل مجازر سيفو، وتنتشر هذه اللهجة حالياً في محافظة الحسكة، وفي قرى معدودة في طور عابدين كما يتواجد عدد من  القرى تتكلم بهذه اللهجة بالقرب من دير مار متي  في سهل نينوى، بالإضافة لذلك تنتشر هذه اللهجة في دول المهجر (الهجرة)، وخاصة في ألمانيا، والسويد، حيث يتم الآن تدريس هذه اللهجة في المدارس الحكومية باستخدام الأبجدية اللاتينية.

السريانية الشرقية 

السريانية الشرقية هي الأكثر انتشاراً من الغربية، وتتمركز في شمال العراق، وكذلك في محافظة الحسكة بسوريا، وقرى في محيط مدينة أورميا بإيران، وقرى متباعدة بجنوب شرق تركيا، كما أدت الهجرة المستمرة من تلك المناطق إلى تواجد ملحوظ لهذه اللهجات في دول المهجر، وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، والسويد، ولعل أهم ما يميز هذه اللهجات هو إبدال الألف السريانية (ܐ) واوا (ܘ) في رفع الأسماء، وتنقسم هذه اللهجة إلى أربع مجموعات رئيسة

مجموعة أورميا

تنتشر في سهول أورميا، وسهل سلدوز، ويظهر تأثير الفارسية في هذه اللهجة في قلب صوتي الباء، والواو صوت فاء مثلثة (ڤ)، كما يقلب الصوت الكاف صوت جيم (معطشة) مثلثة (چ) أحيانًا، ينتمي معظم الناطقين بها إلى كنيسة المشرق.

المجموعة الشمالية

تشمل مناطق شمال شرق بحيرة أورميا، وحول بحيرة وان جنوباً، إلى برواري العليا بشمال العراق، وتشمل مناطق باز، وجيلو، وقدشانيس، ومعظم ناطقيها ينتمون إلى كنيسة المشرق.

مجموعة أشيرت

أشيرت تعني “العشائر” بالسريانية، حيث إن خطورة المنطقة لم تسمح للعثمانيين بالسيطرة عليها؛ فتميزت المنطقة بطابع عشائري، وتشمل هذه المنطقة كل من: نوشيا، وتياري العليا والسفلى، وبرواري السفلى، وتمتاز باحتفاظها بصوتي الثاء والذال بعكس اللهجتين السابقتين، إلا أنها تشترك معهما في إسقاط صوت العين، وقلب الحاء خاءً، وينقسم الناطقون بهذه اللهجة بين كنيسة المشرق، والكنيسة الكلدانية.

المجموعة الجنوبية

تعد حاليًا أكبر تجمع لمتحدثين بالسريانية، وتشمل مناطق سهل نينوى، ومعظم الناطقين بها من أبناء الكنيسة الكلدانية، والكنيسة السريانية الكاثوليكية، وتعد بلدة القوش مركزاً أساسيًا لهذه المجموعة بسبب تاريخها الديني، وتمتاز هذه اللهجة بإسقاط، واستبعاد صوتي العين والحاء مرة، وإثباتهما أخرى، كما تتشابه مع السريانية الكلاسيكية الأم في الاحتفاظ بصوتي الثاء والذال.

قواعد اللغة 

تبنى الكلمات السريانية، كما هي الحال في غيرها من اللغات السامية من جذور ثلاثية تسمى “ܫܸܪܫܵܐ” شرشا تتكون غالبًا من حروف صامتة، حيث تضاف إليها حروف العلة الثلاث، إضافة إلى عدد من الحركات لتكوين كلمة، فمثلًا حروف ܫ و-ܩ و-ܠ تكون جذر “ش-ق-ل” بمعنى أخذ، ومنه تشتق، وتتفرع كلمات أخرى بإضافة الحركات، وحروف العلة:

ܫܩܲܠ شقَل، بمعنى أخَذَ

  • ܢܲܫܩܿܘܠ نشقُل، بمعنى سيأخذ.
  • ܫܵܩܠ شاقل، وتعني يأخذ.
  • ܫܲܩܠ شقّل، ومعناها  رَفَعَ.
  • ܐܫܩܠ أشقل، ترجمتها قَرَّرَ.
  • ܫܩܵܠܐ شقالا، تترجم إلى مأخَذ، عبء.
  • ܫܸܩܠܸܐ شِقلِ، معناها مَربح، ضريبة.
  • ܫܲܩܠܼܘܬܐ شَقلوثا، هو حيوان يستخدم للنقل.
  • ܫܿܘܩܵܠܐ شُقالا، معناها غطرسة.

الأسماء 

تركب معظم الأسماء السريانية من جذور ثلاثية، ويضاف للاسم ما يدل على جنسه مذكر أو مؤنث، وكونه مفرد، أو جمع، ومن المدهش أن حالات التثنية نادرة جدًا، وتتواجد الأسماء بثلاث حالات، وهي:

  • الحالة المطلقة: وهي تشير لأصل الاسم. مثل: ܫܩܠܝ̈ܢ (شِقلِن) بمعنى “ضرائب”.
  • حالة التوكيد: وتشير عادة إلى تعريف الاسم، مثل ܫܩ̈ܠܐ (شِقلِ) بمعنى “الضرائب”.
  • حالة الإضافة: وتعني عادة  كون الاسم تابعًا لما يليه. مثل ܫܩܠܲܝ (شِقلَي) بمعنى “ضرائب…” (يليها اسم آخر يدل على عودة ملكية “الضرائب”).

غير أن التطور المبكر للغة السريانية أدى إلى ارتفاع أهمية حالة التوكيد للاسم؛ فأصبحت هي المرجع الأساسي، بينما اختفى استعمال الحالات الأخرى إلا في مصطلحات محددة، مثل عبارة ܒܲܪ ܐ݇ܢܵܫܵܐ/ܒܲܪܢܵܫܵܐ (بَر ناشا) أي “بني آدم”.

الأفعال

معظم الأفعال السريانية ثلاثية الجذور كذلك، يأخذ الفعل المطلق كلا من الفاعل، والجنس بخلاف صيغة المتحدث، والعدد، بالإضافة إلى الزمن، والتصريف، بينما تتبع الأفعال غير المطلقة كلًا من صيغ المصدر، واسم الفاعل، واسم المفعول.

تحتوي السريانية على صيغتي: مورفولوجيا: الكامل والناقص، ويلاحظ أن هاتين الصيغتين لا تعبران عن الزمن بالآرامية، غير أن السريانية طورتهما، بحيث أصبحا يعبران عن الماضي والمستقبل على التوالي. ويتبع الصرف صيغة المضارع متبوعًا بالضمير الخاص بالمفعول به، وغالبًا ما تحذف الضمائر في حالة رجوعها لصيغة الغائب، ويعد استخدام التصريف للإشارة إلى الفعل المضارع أكثر استخدامًا في عدد من الصيغ المركبة التي تستخدم في التعبير عن جوانب الفعل المختلفة. 

كما تستعمل السريانية طرق لتصريف الافعال تتشابه مع تلك المستخدمة في غيرها من اللغات السامية، وتتمثل بتحوير جذور الفعل، بحيث يتغير المعنى، ولتصريف الجذر السامي:

  •  ܦܥܠܐ: الصيغة        
  • ܦܥܠ: فعل، الجذر.
  • ܦܰܥ̊ܠ: فَعّل، صيغة مشددة.
  • ܐܦܥܠ: أفعل، فعل سببي.
  • ܐܶܬܦܥܠ: إتفعل، جذر يعود للغائب.
  • ܐܶܬܦܰܥܰ̊ܠ: إتفَعَّل، صيغة مشددة تعود للغائب.
  • ܐܶܬܰ̊ܦܥܰܠ: إتَّفعَل، فعل سببي يعود للغائب.
  • هناك بالإضافة لهذه الصيغ الست صيغ شاذة، مثل: ܫܰܦܥܠ (شَفعل) و- ܐܶܫܬܰܦܥܰܠ (إشتَفمشد).

فيديو عن اللغة السريانية

مقالات مشابهة

ما الأمور التي يجب مراعاتها عند الإجابة في الاختبار؟

ما الأمور التي يجب مراعاتها عند الإجابة في الاختبار؟

الدليل الشامل عن عناصر المناخ

الدليل الشامل عن عناصر المناخ

إثبات قانون أوم

إثبات قانون أوم

أنواع الاقتصاد

أنواع الاقتصاد

علم مصر الدليل الشامل

علم مصر الدليل الشامل

أمثلة على الخواص الفيزيائية

أمثلة على الخواص الفيزيائية

مجالات التدريب والتطوير

مجالات التدريب والتطوير