ليلة القَدر

ليلة القَدر

أهمية ليلة القدر 

يتضرع المسلمون في مختلف أنحاء الأرض خلال هذه الأيام الفضيلة من أواخر الشهر الكريم إلى التقرب من الله؛ بالدعاء، وقيام الليل، وقراءة القرآن، وزيادة الجهد البدني المبذول في الأعمال والعبادات، خاصةً في فرادى الليالي ابتداءً من ليلة 21 رمضان وحتى ليلة 29 رمضان، وذلك احتساباً للأجر المُضاعف والخير الكثير المكتوب في ليلة القدر، التي هي ليلة عظيمة لا يعلمها سوى الله؛ حيث شهدت هذه الليلة على بدء نزول القرآن على سيدنا محمد ﷺ، بعدما حمله سيدنا جبريل، عليه السلام من اللوح المحفوظ وأنزله دفعة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم أنزله متفرقاً على رسولنا الكريم بحسب الحوادث والأسباب، التي تطلبت منه تقديم دليل رباني قطعي، حيث يقول الله تعالى: {إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، وقال تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 4-5].

سبب تسميتها بليلة القدر

اختلف العلماء في السبب الراجع لتسيمة ليلة القدر بهذا الاسم، فمنهم من قال سمّيت كذلك للشّرف والقدر القديم الذي تحظى به هذه الليلة، وآخرين ذهبوا إلى أنّ رب العزّة جلّ وعلا يقدّر فيها الآجال، وما سيكون في العام المقبل فيكتب فيها السعيد من الشقي، والحي من الميت، والجدب والقحط، العزيز من الذليل، واستند هؤلاء في رأيهم على الآية الكريمة: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [سورة الدخان:3-5]، وهناك رأي ثالث بأن سبب تسميتها يرجع لأن العبادة فيها شرفٌ وقدرٌ عظيم، لقوله صلى الله عليه وسلم: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” [صحيح البخاري] والعبادة فيها تعدل عبادة ألف شهر، لقوله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [سورة القدر:3].

اقرأ أيضاً:  سورة الجن وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

الصلاة والعبادات في ليلة القدر

الصلاة في ليلة القدر ليس لها عدد محدّد، ففي الأمر سعة حسب استطاعة وقدرة المسلم، أما الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما روته أم المؤمنين عائشة عنه فقالت: “ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يَزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعةً” [صحيح البخاري]، ويجوز للمسلم الزيادة على الإحدى عشرة ركعة ما شاء، ولكن الأفضل الاقتداء بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما هيئة الصلاة فتكون ركعتين يسلم تسليمة واحدة بعدهما، ودليل ذلك حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما على سؤال رجل للنبي عليه السلام عن صفة قيام الليل أنه قال: “مَثْنَى مَثْنَى، فإذا خَشيَ الصُّبحَ صلَّى واحِدَةً، فأوْتَرَتْ له ما صلَّى” [صحيح البخاري].

إعلان السوق المفتوح

ولا يقتصر قيام ليلة القدر بالصلاة فقط، فللمسلم أن يزيد بتلاوة القرآن، وذكر الله، والصلاة على النبي، وأي عمل يندرج تحت بند الأعمال الصالحة والطاعات، والدعاء وأفضله في هذه الليلة ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها عندما سألت الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالت:“يا رسول الله: إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها، قال: قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني” [الترمذي | خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح].

علامات ليلة القدر

هناك الكثير من الأمور المغلوطة الدارجة بين العوام فيما يخص العلامات التي يستدل بها المسلم على ليلة القدر، ولكن الثابت أنها محصورة في العشر الأواخر من رمضان، أخبر العلماء أنّ العلامات المميزة لها بعضها يمكن تحريه أثناءها للتشجيع على قيامها واستغلالها بالخير والتزود للآخرة، وبعضها الآخر يمكن تحريه بعد انقضائها وخروج النهار لتبشير من أقامها بالفلاح والقبول بإذن الله، أمّا عن علاماتها الصحيحة فهي كما يلي:

  • العلامات السابقة: تكون السماء صافية، وضوء القمر وما حوله من النجوم شديد السطوع عن غيره من الليالي، ويسودها سكون وسلام وطمأنينة، لا حر فيها ولا برد، ولا شهب، ودليل ذلك، قال أبو هريرة رضي الله عنه: “تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ القَدْرِ عِنْدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ القَمَرُ، وَهو مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟” [صحيح البخاري].
  • العلامة اللاحقة: برودة أشعة الشمس، وكأنها بيضاء لا يطغى نور أشعتها على العين، ودليل ذلك ما رواه أُبي بن كعب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَومِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا” [صحيح البخاري]، وجاء في تفسير ذلك ما أفاده النووي في شرح مسلم أن سطوع القمر في ليلة القدر يطغى على نور الشمس وضوءها فتخرج لا شعاع لها في صباح اليوم التالي لليلة القدر.
اقرأ أيضاً:  كيف عالج الإسلام الفقر

الدعاء ليلة القدر

لا تقتصر ليلة القدر على الصلاة، بل يقوم المسلم بالعديد من الأعمال الصالحة، وأهمها الدعاء بخشية وقلب صادق إلى الله؛ فهو من أهم الأعمال العظيمة التي يقوم بها، وحث نبي الله محمد ﷺ، على الإكثار منها في العشرة الأواخر من شهر رمضان المبارك، وطلب من المسلمين ذلك؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ ما أدعو؟ قالَ: تقولينَ: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي” [الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح]، حيث إن هذا هو الدعاء الوحيد الذي ورد تخصيصه لليلة القدر، ولكن لا حرج أن يُكثر المسلم من الدعاء بشكلٍ عام، وخاصةً الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما يلي مجموعة من أهم الأدعية المأثورة الجامعة عن النبي صلى الله عليه وسلم:

  • “اللهمَّ اغفِرْ لنا وارحمنا، وآتِنَا في الدنيا حسنةً وفي الآخرةِ حسنةً وقنا عذابَ النارِ” [الألباني | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
  • “اللَّهُمَّ اهْدِنِي وَسَدِّدْنِي، وَاذْكُرْ، بالهُدَى هِدَايَتَكَ الطَّرِيقَ، وَالسَّدَادِ، سَدَادَ السَّهْمِ” [صحيح مسلم].
  • “حفِظْتُ مِنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلماتٍ علمنيهنَّ أقولُهُنَّ عندَ القنوتِ. علَّمَني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلِماتٍ أقولُهُنَّ في قنوتِ الوِتْرِ: اللهم اهدني فيمَنْ هَدَيْتَ، وعافِني فيمَنْ عافَيْتَ، وتولَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وبارِكْ لي فيما أَعْطَيْتَ، وقِنِي شرَّ ما قضَيْتَ فإِنَّكَ تَقْضِي ولَا يُقْضَى علَيْكَ، وإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ واليْتَ، تباركْتَ ربنا وتعالَيْتَ” [الألباني | خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح].
  • “اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي خَطِيئَتي وَجَهْلِي، وإسْرَافِي في أَمْرِي، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي جِدِّي وَهَزْلِي، وَخَطَئِي وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذلكَ عِندِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وَما أَخَّرْتُ، وَما أَسْرَرْتُ وَما أَعْلَنْتُ، وَما أَنْتَ أَعْلَمُ به مِنِّي، أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ” [صحيح مسلم].
  • “أتحبُّونَ أن تجتَهِدوا في الدُّعاءِ قولوا: اللَّهمَّ أعنَّا علَى شُكْرِكَ وذِكْرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ” [مسند أحمد | خلاصة حكم المحدث: ثابت صحيح].
  • “اللهم اغفرْ لي خطيئَتي وجهلي، وإسرافي في أمري كلِّه وما أنت أعلمُ به مني، اللهم اغفرْ لي خطايَ كلَّه وعمدي وجهلي وهزلي، وكلُّ ذلك عندي اللهمَّ اغفرْ لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ، أنت المقدِّمُ وأنت المؤخِّرُ، وأنت على كلِّ شيءٍ قديرٌ” [أبو موسى الأشعريّ | خلاصة حكم المحدث: صحيح].
اقرأ أيضاً:  مقام النبي موسى في جبل نيبو

فضل ليلة القدر

فضّل الله عزل وجل ليلة القدر عن مختلف الليالي بعدة فضائل ميزتها؛ فهي الليلة التي أُنزل فيها كلامه سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، كما أنها ليلة مباركة بكل سماتها، وعلامتها، وسكونها، وخلّوها من كل شر وكثر الطاعات والعبادات والخير فيها؛ إذ تُكتب فيها الأعمار، والأرزاق المقدرة لكل عبد لعامه القادم، ولا تسمع الأذن فيها إلا كلام الله والكلام الطيب، كما يُنزل الله ملائكته لتحف المسلمين بالرحمة والمغفرة، وفيها يغفر جلّ جلاله ذنب القائمين المحتسبين أجرهم عند الله.

يعد الاعتكاف من العبادات المشرّعة في ليلة القدر؛ إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في هذه الليالي للالتماس ليلة القدر.

مقالات مشابهة

سورة الأنفال وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة الأنفال وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

دليل صلاة الفجر الشامل

دليل صلاة الفجر الشامل

أذكار حصن المسلم

أذكار حصن المسلم

هل يجوز الجمع بين نية القضاء ونية صيام العشر من ذي الحجة؟

هل يجوز الجمع بين نية القضاء ونية صيام العشر من ذي الحجة؟

على من يجب الصوم؟

على من يجب الصوم؟

كيف يُنحر الجمل

كيف يُنحر الجمل

كيف تحسب أيام العقيقة

كيف تحسب أيام العقيقة