ما هو التنجيم؟

ما هو التنجيم؟

يمكن وصف التنجيم بأنه عدد من التقاليد والمعتقدات التي ترتبط بشكل وثيق بالنجوم وأفلاك السماء، وما ينتج عن النسب بينها وأوضاعها من معلومات عن الفرد والأحوال الإنسانية وكافة ما يرتبط بالحياة من شؤون كثيرة، فإن كل شخص يعمل بذلك المجال يسمى المنجم.

المجتمع العلمي القائم على النظريات لا يعتد بتضمين التنجيم في العلوم الإنسانية التي يؤخذ بها، ويرجعها إلى الخرافات أو المعرفة الزائفة، ذلك أن المجتمع العلمي لا يعترف بعلم لا يقوم على الاستدلال والتجريب والقياس، ولا ينهض من أساسات واقعية ملموسة تتم دراستها بغرض الوصول لنتائج وثيقة، غير أن العديد من الناس يؤمنون بالتنجيم ويتابعون باهتمام كلام المنجمين، وذلك في كافة أنحاء العالم. 

يتحدث هذا المقال عن التنجيم ويشمل:

  • تعريف التنجيم وتقاليده.
  • التنجيم بالأبراج وفروعه وتاريخه.
  • حكم التنجيم.
  • أضرار التنجيم

تعريف التنجيم

لغويًا

التنجيم تأتي من مصدر الفعل (نجَّم)، والكلمة مشتقة من النجوم، وكل ما هو كوكب في اللغة يعتبر نجم، وأن نقول أن “فلان نجَّم” أو “فلان تنجَّم” يعني أنه راقب النجوم طوال الليل وسهر يرعاها بانتباهه، والمنجِّم والمتنجِّم هو شخص يقوم بالتحديق في النجوم بغرض معرفة مواقيتها وخط سيرها. 

إعلان السوق المفتوح

اصطلاحيًا 

التنجيم هو ذلك الذي يشتمل على التعرف على ما تقوله النجوم (أحكامها) وارتباط هذه الأحكام بالعوالم السفلية، وكيف تؤثر النجوم على تلك العوالم بحركاتها وتغير مواضعها.

المعتقدات الأساسية 

هناك ثلاثة أقسام رئيسية تشكل علم التنجيم، القسم الأول هو الحسابيات، والقسم الثاني هو الطبيعيات، والقسم الثالث هو الوهميات.

الحسابيات

في ذلك القسم يتم عمل التقاويم المختلفة، وعمل حلول للزيجات، واستنباط التواريخ وما إلى ذلك مما يتعلق بالأمور الحسابية. 

الطبيعيات 

عمل الاستدلالات استنادًا إلى المعطيات الطبيعية مثل الشمس وانتقالها في الأبراج الفلكية، وفصول السنة وما بها من أحوال مثل ارتفاع الحرارة وانخفاضها واعتدال المناخ، ولقد تحدث العالم الخطابي عن هذه الجزئية وتابعه البغي في أنهما يقولان بأن التنجيم به شق يقوم على الملاحظة المباشرة والمشاهدة المحضة، وما يتضمنه هذا من شعور، ومنه يُستدل على الزوال واتجاه القبلة.

في هذا المبدأ من مبادئ التنجيم نجد أسماء الكواكب والتعرف على أشكالها ومعالمها وما تطلع فيه وما تسقط إليه ومساراتها وكيف نهتدي بهذه المسارات، والتعرف على مواقيت قدوم المياه عند العرب، ومن هذا الشق علم العرب ميقات نتاج المواشي، والتعرف على مواقيت الغيث ومقدار الغيث، ومعرفة مواعيد الصلاة والليل والصباح، يسمى هذا بعلم التسيير. 

الوهميات 

يشتمل هذا المبدأ على معرفة التأثيرات التي تحدث في العالم السفلي والعالم الدنيوي تأثرًا بمواضع النجوم، وهناك اتجاهين في هذا المبدأ:

 الاتجاه الأول

 يذهب إلى أن الكواكب هي التي تدبر شؤون الحياة، فالكواكب عند هذا الاتجاه كائنات حية تم اصطفاؤها، فعنها يأتي الشر، وعنها يأتي الخير، إذ إنّ تحركاتها هي ما يتحكم في كافة ما يدور في العالم من أحوال، وفي هذا الاتجاه أربعة مذاهب:

  • المذهب الأول: يعتقد في أن هذه الكواكب آلهة تُعبد، وأن الله هو الرب الأعلى فوق هذه الآلهة وله حق العبادة والتوسل والتقرُّب، وكلما تقرَّب الإنسان من هذه الكواكب (الهياكل) كلما كان أقرب للروحانيات، وكلما تقرَّب للوحانيات كلما كان أقرب للإله الأعلى، إن الهياكل لدى هذا الاتجاه هي من يدبر كل شئون العالم، حيث أن لها صفة الفعل وصفة النطق. 
  • المذهب الثاني: يقول أن تلك الكواكب موجودة لذاتها، وما لها من أصل أوَّلي، لأنها هي من قام بإيجاد العالم.
  •  المذهب الثالث: يرى أن تلك الكواكب تم خلقها، وخالقها هو الله الأعظم، وهو من قام بمنح كل كوكب من هذه الكواكب قوة تميزه عن الآخر، ثم منحها صلاحية تدبير أمور الكون، وهم – أتباع المذهب – يقولون بأن ذلك لا يقلل من عظمة الله وكبريائه، حيث إنه ما من مشكلة في أن يفوِّض الملك الأعظم مهام لعبيد يتبعون أوامره. 
  • المذهب الرابع: يذهب إلى الحلولية، أي أنّ الله الواحد هو فقط المعبود، لكنه أراد أن يخلق الأجرام السماوية والكواكب لكي تدبر ما يحدث في العالم السفلي، فهذه الكواكب بمثابة الآباء الحية الناطقة، أما العناصر فهي الأمهات، وعندما تحمل الأمهات من الآباء فهي تنجب المركبات، أما الله عز وعلى وجل فهو يتجلى في السبع كواكب، ويتماهى فيها، فيتشخَّص بشخوصها دون تعدد، وهو أيضًا يتمثل في الخيِّرين الأرضيين من البشر. 

الاتجاه الثاني

يعتقد أصحاب هذا الاتجاه في وجود الله تعالى، وأنه صاحب التدبير، أما الشمس والقمر وكافة الكواكب فيظهر تأثيرهم على الكون زيادةً في التنوع، وأن الله تعالى يقوم بعمل الحوادث على الأرض بدلالات نشاهدها على حركات الكواكب قبل أن تحدث. 

التقاليد

تنقسم تقاليد التاريخ إلى 3 تقاليد أساسية، وهي التقاليد الحالية، والتقاليد التاريخية، والتقاليد الخفية.

التقاليد الحالية 

التنجيم الغربي، وما يعرف بالتنجيم الصيني، تعتبر تلك التقاليد رئيسية لدى المنجمين، ويعترف التقليد الحالي بكل من التنجيم الفيدي والغربي كأنظمة فلكية ذات أصل مشترك، وهي تصب تركيزها على صب مخطط الأبراج.

إن الكيانات السماوية تتمثل في حدث ما تم ظهوره على موقع الشمس والكواكب والقمر في نفس لحظة الواقعة، ويختلف التنجيم الصيني عن التنجيم الغربي في أن الأول يستخدم الأبراج النجمية عن طريق عمل روابط ما بين تلك الأبراج الفلكية للكوكبة الأصلية، أما الغربي فيعتمد على الأبراج الاستوائية. 

لقد ظهر تقليد آخر مختلف في التنجيم الصيني فيما بعد، وهو أن تلك التقاليد طورت نظامًا تكون كل علامة فيه واحدة من 12، أي أنها ساعة مزدوجة تشتمل على اليوم بأكمله، وهذا النظام يلتقي مع نظام آخر يقوم على 5 عناصر من العلم الصيني للكونيات، لقد اشتهر هذا التقليد بأنه صيني، غير أنه منسوخ عن تقاليد أخرى سائدة في كوريا واليابان وفيتنام وتايلاند وعدد آخر من مناطق آسيا. 

اقرأ أيضاً:  تعرف على تخصص إدارة مستشفيات وأهميته

لما جاء العصر الحديث وحدثت العولمة، التقت كافة التقاليد ببعضها البعض، وذاع سيط التنجيم الهندي والتنجيم الصيني لدى الشعوب الغربية، غير أن التنجيم الغربي لم ينتشر بعد في أرجاء آسيا بصورة قوية كونها شعوب تقدس أصولها.

التقاليد التاريخية 

إنّ علم التنجيم كانت له شهرة كبيرة لدى شعوب العالم في تاريخ طويل يمتد إلى أزمنة سحيقة، فالتقاليد الفلكية التي كانت مهمة للغاية في  الماضي لم يعد أحد يستخدمها اليوم بعد التطور الذي شهده التنجيم، غير أن المنجمون يقدِّرون تلك التقاليد ويعتبرونها معطيات فكرية أساسية.

أما المنجمون العرب فكانوا من الذين وضعوا بصمات مهمة في التقاليد القديمة، إلى جانب الفرس، حيث القرون الوسطى وتاريخ الشرق الأدنى القديم، أيضًا ظهر التنجيم البابلي، ومارس المصريون التنجيم، وتنجيم العصر الهلنستي، وشعوب المايا. 

التقاليد الخفية 

ليست الطرق الصوفية القديمة أو الأساليب الخفية في منأى عن علم التنجيم، حيث إن التداخل بينهم لا تغفله عين، وهناك عدد كبير من الطقوس التي استخدمها المنجمون، منها الخيمياء (الكيمياء الحديثة الآن)، وفحص الخط، والتنجيم الطبي، وعلم الأرقام، ولقد كانت الخيمياء من أهم العلوم التي حدق المنجمين أعينهم إليها، مما حملته من طموحات خلق إكسير الخلود على مدار عقود، وعلى الرغم من أن أحدًا لم يقم بصنع هذا الإكسير، وانتهت الخيمياء إلى الفشل والخيبة، فإنها قد مثلت الركائز الأساسية التي أحيت الكيمياء بمفهومها التجريبي الحديث.

لقد عمل المنجمون القدامى على بناء لعلاقات متباينة بين الخيمياء والتنجيم بغرض الحصول على العلوم السفلية، كما أدركوا العناصر الأربعة الكلاسيكية التي قامت عليها الخيمياء، وقالوا بأن كل عنصر من تلك العناصر يرتبط بالسبعة كواكب الموجودة في النظام الشمسي التي كانت معروفة في تلك الحقبة. 

التنجيم بالأبراج

قبل التطرق لتعريف الأبراج، علينا أولًا أن نشرح السماء المرئية أو ما يسمى بالكرة السماوية، وهي سماءنا التي نراها وما بها من نجوم، وهي تنقسم وفقًا لعلم الفلك إلى تشكيلات نجمية أو ما يسمى بالتجمعات النجمية الظاهرية.

 إن كل مجموعة من النجوم المتقاربة ظاهريًا تكوِّن شكل معين، هذا الشكل تكوَّن من الأساس بداخل العقل البشري، وأَطلق عليها اسم الكويكبات النجمية أو التشكيلات النجمية، ثم أعطاها أسماءً بناءً على شكلها الذي يظهر بالملاحظة المباشرة، فبعض هذه الاسماء هي أسماء لحيوانات مثل الدب والكلب والعقرب والحوت وما إلى ذلك، والبعض الآخر يأتي بأسماء من شخصيات أسطورية، والبعض الآخر يأخذ اسماء أدوات يستخدمها الناس في حياتهم اليومية، مثل القوس والميزان، كما أن بعض المجموعات النجمية تأخذ اسماء أجزاء معينة من الكائنات مثل فاه الحوت أو فؤاد العقرب أو نهاية النهر. 

لقد تم عمل تنظيم لهذه التشكيلات النجمية لأول مرة في سنة 1928 على يد الاتحاد الفلكي الدولي، وتم تقسيمهم إلى 88 مجموعة حتى تتضمن السماء الظاهرية دون أن يتغير موقعها وإحداثياتها، ومن أجل عمل تنسيق ملائم للحدود تسهيلًا لعملية رصد الفلك، ولأن الأرض تدور حول الشمس دورة كاملة كل سنة، فإننا قد تخيلنا كما لو تكون الشمس هي من تدور حول الأرض، أي أنها المسقط الظاهري (المسار الظاهري) يدعى منطقة حزام الأبراج، وهو عبارة عن حزام وهمي تتخذ فيه الشمس والكواكب مسارات حركتها، ووفقًا للتشكيلات السابقة، فإن 12 مجموعة نجمية موجودة في السماء. 

الأبراج

إنّ الأبراج بالتالي هي تلك المجموعات النجمية التي رصدناها بالتخيل، والتي تعبر عن أشكال معينة في السماء تبعًا لحركة الأفلاك والنجوم والكواكب، وهم الإثنى عشر شكلًا أو مجموعة أو تشكيلة نجمية، فكل مجموعة منهم يُطلق عليها اسم (برج سماوي).

يأخذ المنجمون من القرآن آيات تدل على صحة  أطروحاتهم مثل الآية {تبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا مُنيرًا}(الفرقان: 61)، ومن الآية {فلا أقسم بمواقع النجوم وهو قسمٌ لو تعلمون عظيم}(الواقعة: 76).

إنّ الأبراج الـ12 المذكورة تعرف باسم دائرة البروج، وغالبية أسماء الأبراج ترجع إلى اللغة اللاتينية، لأن العلم كان يتحدث اللاتينية في الأوساط الأوروبية في السابق، كما دخلت أسماء الأبراج المصرية واليونانية والبابلية العربية والتي تمت ترجمتها إلى اللغة اللاتينية، ونجد أنّ الإغريق القدامى قد أطلقوا أسماء الأساطير والأبطال والآلهة اليونانية على العديد من أبراجهم.

لقد استخدم الإنسان الأبراج لآلاف السنين من أجل أن يحدد اتجاهه أثناء السفر، في صحراء قاحلة، كان ليضيع في امتداداتها التي لا تظهر نهايتها في مرمى البصر، لولا أنه نظر إلى السماء، فاهتدى بنجومها، وأصبحت القوافل التجارية جميعها تسير وفقًا للنجوم، وكذلك ركاب البحر وأصحاب السفن. 

فروع علم التنجيم بالأبراج 

لكل قسم من أقسام التنجيم بالأبراج موضوعاته المخصصة التي يهتم بها، في معظم الأحيان يتم استخدام عدد مميز من التطبيقات التي تتعامل مع كافة الأسس التي يقوم عليها العلم، كما يتم اشتقاق عدد كبير من المجموعات الفرعية والتطبيقات الأخرى عن علم التنجيم من أقسامه الأربعة الأساسية وهي:

التنجيم الولادي 

هو عبارة عن ملاحظة الرسم الولادي للمولود الجديد، وذلك بغرض جمع معلومات عن الشخص والتنبؤ بما سيتمتع به من خبرات حياتية.

التنجيم الاختياري 

هو التنجيم الذي يُستخدم بغرض التعرف على أكثر لحظة مناسبة للشروع في فعل معين، مثل بدء مشروع، أو زواج، أو أيًا يكن، ويتشابه هذا بعض الشيء مع صلاة الاستخارة عند المسلمين.

اقرأ أيضاً:  تخصص الإعلام والعلاقات العامة

تنجيم الحديث

الهدف من هذا النوع من أنواع التنجيم هو التعرف على كافة ما يحوم حول الحدث من أمور منذ أن تولَّد الحدث.

تنجيم العالم 

هو استخدام التنجيم من أجل إسقاطه على الأحداث التي تقع في العالم بما تتضمنه من المناخ والكوارث الطبيعية وتغير السلطات وتداولها ونهوض الدول والفرق الدينية والفرق السياسية وانهياراتها.

 يتضمن هذا القسم مجموعة العصور الفلكية مثل عصري الدلو والحوت وما إلى ذلك، والعصور الفلكية هي ما يقول عنه علماء الفلك “تغيرات أساسية في تطور الحياة الإنسانية، وخاصةً في الحياة الفكرية، السياسة والاجتماع”، وتنقسم العصور الفلكية إلى اثنتي عشر عصر.

تاريخ علم التنجيم بالأبراج

لقد كانت حياة الإنسان البدائي الخالية من التكنولويجا والمؤثرت الضوئية والسمعية حقبة زمنية ملائمة لدراسة الأبراج وخلق هذا العلم، حيث إنّ ما جلبته التكنولوجيا من مظاهر التلوث السمعي والبصري والبيئي قد أثَّر سلبًا على اتصال الإنسان مع الطبيعة، وجعله في منأى عنها وسط زحام الحياة واستخدام التكنولوجيا، كما أن التنجيم ظهرت ضرورته المهمة في تعريف المسافرين على السبل التي يبنغي عليهم أن يسلكوها ليصلوا إلى وجهات الهجرة، فيما قامت تكنولوجيا العصر الحالي بطمس تلك الأحوال. 

ما قبل العصر الحديث

من أوائل المصنفات التي وردت في علم الفلك هي كتاب المجسطي للعالم السكندري بطليموس القلوذي الذي عاش في الفترة بين 85 و165 بعد الميلاد، ولقد قام بعمل العديد من المعالجات في مجال الرياضيات والفلك، وقدَّم شروحات لحركة الشمس والقمر وسائر الكواكب، كما قدَّم شروحًا لظاهرتي الكسوف والخسوف، فهو يأتي بجداول فلكية وكتالوج يحوي 1022 نجم و48 برج.

 إن علم الفلك لم يحصل على إمدادات مهمة في الفترة ما بعد حريق مكتبة القاهرة وسقوط الإمبراطورية الرومانية، حتى جاء عام 415 وظهرت هيباتيا العالمة والفيلسوفة في مجال الرياضيات والفلك، والتي قتلها الغوغاء أثناء عملهم احتجاجات لأنهم كانوا غاضبين من تدريسها الفلسفة والرياضيات والفلك التي كانت تتعارض حينها مع تعاليم المسيحية التي بدأت تنتشر في هذه الفترة، حيث سحلوها في شوارع الإسكندرية حتى الموت، وقاموا بنزع ثيابها، وتقطيع جسدها، وإلقائه في النار. 

في عام 860 جاء العالم الفرجاني وألَّف كتابًا في الفلك وأطلق عليه اسم أصول الفلك، ولقد بناه على أفكار المجسطي، ثم تمت ترجمة هذا الكتاب إلى اللغة اللاتينية وأصبح من المراجع المهمة في الأوساط الأوروبية طيلة قرون.

 ثم جاء المؤلف عبد الرحمن الصوفي وألَّف “الكواكب الثابتة” في القرن العاشر الميلادي، وأعطى تصنيفًا للنجوم في كتاب المجسطي، غير أن مصادره بُنيت بصورة أكبر على الرصد، حيث عمد إلى تصحيح عدد من الأخطاء الواردة في المجسطي، ووضع به عدد من الرسوم التوضيحية والصور من أجل التحديد الدقيق لمواقع النجوم بالأبراج السماوية، ففيه تأتي رسومات باير ورسومات سيفيليوس كنحت او اقتباس عن الفلك الصوفي. 

لم يتوقف كتاب المجسطي عن الانتشار في الأوساط العربية والإسلامية، إذ وصل إلى بلاد الأندلس، وجاء عدد من العلماء الفلكيين في القرن الثاني عشر منهم جابر بن الأفلح ونور الدين البتروجي، وعملوا نقد لكتاب المجسطي، غير أنهما لم يتمكنا من استبداله بنظام آخر يعطي شرحًا لمواضع النجوم والكواكب، ثم جاء العالم الطوسي ليضع مرصدًا في مراغة، وقد ساعده هولاكو خان قائد التتار الذي كان أيضًا من رجال الفلك الصينيين. 

إن الظهور الأول للتفرقة بين علمي الفلك والتنجيم كان في القرن الحادي عشر، حيث ظهر في الهند وأوروبا في العصر الوسيط، ولقد اتخذ علم التنجيم اسم (علم مبتدئ) الذي تمت دراسته جنبًا إلى جنب مع دراسة الخيمياء، ومنذ أن ظهر ذلك العلم وهو مسار للنقد والجلد، ولقد شن عليه الهلنستيون وأصحاب الكنيسة والمسلمون هجومًا ضاريًا، ولا يزال هذا الهجوم مستمرًا حتى وقتنا الحالي من امتدادات تلك الكيانات، ومعهم رجال العلم الحديث القائم على القياس والتجربة.

انتُقد العلم من كل من الفارابي والحسن ابن الهيثم وأبو الريحان البيروني وابن سينا وابن رشد، ذلك أن التنجيم لا يقوم على التجربة، وإنما على التخمين، ولقد رأى العالم ابن القيم الجوزية أن يستخدم قواعد العلم التجريبي في الفلك بغرض الفتك بالمبادئ التي يعمل تحت مظلتها علم التنجيم. 

المناهج الحديثة

كون التنجيم ظهر في العديد من الثقافات الشرقية والغربية، وتأثر بمعتقدات وأفكار وثقافات هذه الشعوب المختلفة، فلقد شهد العالم تفاوت في الممارسات والطقوس التي منها يُعمل التنجيم، وتجلى هذا الاختلاف بشدة في العصر الحديث، هناك نوعان أساسيان من ممارسات التنجيم في العالم وهي التنجيم الغربي والتنجيم الفيدي. 

الغربي

ذلك الذي ظهر في وسط القرن المنصرم، ويقوم هذا التنجيم اعتمادًا على نقاط المنتصف بغرض تحليل البروج، ولقد كان كل من ألفريد ويت وراينولد إبرتن من روّاد هذا الاتجاه، وظهر اتجاه آخر في التنجيم الغربي وهو أسلوب التحليل النفسي، ذلك الذي ظهر في الثلاثينيات من القرن العشرين واستمر حتى الثمانينيات.

إن عدد من علماء النفس اتبع التنجيم المبني على التحليل النفسي، وقام دون نيرومان بعمل نموذج تنجيمي يقوم على التنجيم الموقعي، واشتهر هذا النوع في أوروبا، ثم جاء التنجيم الأمريكي في فترة السبعينيات ليطور منهاج آخر، وكل من هذين المنهجين يهدف إلى التنبؤ بشئون الحياة المختلفة وتحديدها بدقة تبعًا لاختلاف مواقع الكواكب والأفلاك. 

الفيدي

هو أسلوب التنجيم الموروث عن شعوب الهند، فلقد قام الهنود بممارسة التنجيم الفيدي للآلاف من السنين، إذ وُجدت المخطوطة الأقدم التي تتحدث في هذا الشأن في الفيدا، وهي عبارة عن نصوص عتيقة روحانية كتبها الهندوس.

اقرأ أيضاً:  دليلك الشامل عن قانون الجذب

 يرجع تاريخ أقدم مخطوطة عرفها الإنسان في هذا الموضوع إلى 8 آلاف عام، وتسمى (جيوش) بالهندية، أي علم النور، حيث إن ذلك العلم هو نفسه التنجيم، وهو مرتبط بالأجرام السماوية ومتابعتها وما تعكسه من طاقات على الأرض، ما يؤثر على حياة الناس. 

من أبرز أدوات علم التنجيم الفيدي هي الفترات الكوكبية، وهي تنبؤية بصورة مثيرة للدهشة، حيث إنّه مع النظر للكواكب في الخارطة يمكن للإنسان أن يتنبأ بما سيحدث في الفترة الكوكبية التي يمر بها من خلال برجه، وهو يعرف عن كسب كيف ازدهرت حياة شخص ما المهنية، وكيف تعثَّرت، ومتى سيحدث هذا، والتنبؤ بالأحداث التي لا تعد في حياة الناس.

حكم التنجيم 

في كتابه (التنجيم والمنجمون وحكم ذلك في الإسلام) يقول عبد المجيد بن سالم المشعبي أن الله خلق النجوم لحكمة رفيعة، وهو خلق النجوم لثلاثة أغراض: أن يجعلها زينة في السماء، وأن يرجم بها الشياطين، وأنها علامات ليهتدي بها الناس، فإذا ما ذكر لها شخص وظيفة أخرى فهو مُخطئ، ويقول الله تعالى: {ولقد جعلنا في السماءِ بروجًا وزيناها للناظرين}، أي أنها زينة لكل من اطلع عليها، وقال: {إنَّا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب}

التنجيم في الإسلام 

العديد من علماء المسلمين في الماضي والحاضر يرجئون التنجيم إلى أشكال الوثنية الأولى، ويصفونها بالدجل والشعوذة والجهل والتراهات، فكون المنجمين يتنبأون بالأحداث التي ستأتي في المستقبل فهذا يعني أنهم يودون كشف الغيبيات التي أخفاها الله عن عباده، وكونهم يمنحون الكواكب والنجوم صفة المؤثر والفاعل في الأحداث فهذا يعني أن قواعد الكون وسننه تثير عبثًا وعشوائية، وليست تسير وفقًا لتدابير حكيم وعليم.

 يقول الله تعالى: {وما خالقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون}(الدخان: الآيتين 38 و39) ويقول الله تعالى أيضًا: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين * لو أردنا أن نتخذ لهوًا لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين}(الأنبياء: 16 و17).

أخبرنا الإمام البخاري بالحكمة من خلق النجوم في صحيحه حينما نقل عن قتادة قوله وعلق عليه يقول بأن النجوم قد خُلقت لثلاثة أسباب، وهي أن تكون للسماء زينة، وأن تكون رجمًا للشياطين، وأن تكون العلامات التي يهتدي بها السائر في الطريق، وكانت النجوم بوصلة المسافر لآلاف من السنين، قال تعالى {وبالنجم هم يهتدون}(النحل: 16)، كما خلقها الله لتكون العناصر التي يحمي بها السماء من الشياطين المتمردين. 

هناك نصوص قرآنية أخرى منحت التفرد بعلم الغيب لله وحده فقط، ولأن التنجيم هو علم معرفة الغيب، فهو يتعارض بصورة صريحة مع تلك النصوص، ولقد حجب الله الغيب عن الناس إلا فئة قليلة منهم اصطفاها، يقول تعالى: {له غيب السماوات والأرض}(هود: 23)، ويقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله}(النمل: 65)، فالغيب بالتالي هو باب مقاليده في يد الله تعالى فقط.

لقد وردت العديد من الأحاديث والنصوص الشرعية التي تحرِّم التنجيم، وما يتعلق به، فهو باب من أبواب السحر والشعوذة، وبالتالي فهو كبيرة من المحرمات، وعند العرب المنجمين جاء ادعاء نسبة الأمطار، وما يتعلق بها من مواضع الأفلاك والنجوم وحركة الكون، وظهر أسلوب الاستسقاء بالأنواء، أي دعاء النجوم واستمالتها بطريقة مباشرة وغير مباشرة من أجل أن يهبط الغيث، والأحكام الشرعية تتعدد تبعًا لتعدد مظاهر الاستسقاء، لكن الذي يطلب من النجوم أن تمده بالغيث فقد اقترف مظهر من مظاهر الشرك بالله، حيث إنه قام بعبادة شيء آخر بجانب الله تعالى. 

أضرار التنجيم

في العديد من الأوساط العالمية لا يتعدى التنجيم كونه محض أسلوب للمتعة، إذ يتعرف الشخص على مواصفات من برجه، أو يلعب البخت، أو يتعرف على مستقبله على سبيل المزاح، لكن التنجيم يصبح ضارًا متى أُخذ على محمل الجد، وصار الناس يتصرفون تبعًا لما ورد في ذلك العلم.

 في اليابان والتي هي من أكثر الدول التي انتشر فيها التنجيم وأصبح ركيزة عقائدية أساسية لدى مئات الألوف من السكان، يقول معتقد نجمي أن كل فتاة ستولد في وقت حصان النار من كل عام لن ينجح زواجها، فإما ستُطَّلق وإما ستحيا حياة زوجية غير سعيدة، وبالتالي فإن العديد من السكان يجهضون الإناث اللواتي يحملن فيهن في ذلك الوقت من العام، ما أدى إلى دنو معدل الولادات في الدولة إلى 2 مليون ولادة أي ما يعادل 25% من عمليات الإجهاض السنوي منذ أن تم إعلان هذا سنة 1966.

إن الأفراد الذين يؤمنون بالتنجيم للغاية سيشعرون بالتسيير وعدم التخيير، وهذا يتعارض مع البراجماتية (العملانية)، أي السعي في الحياة والشعور بالإرادة وامتلاك الشخص مقاليد حياته بإرادته واجتهاده، فعندما يحصل الإنسان على نبوءة من منجم أو كاهن فهو سيؤمن أن هذا مصيره الحتمي، وهذا له أضرار كارثية تجعل المجتمع مريض ذهنيًا، وقد يتجه أحدهم للانتحار لأن كاهنًا أخبره بأن رغبته لن تتحقق، أو أن فتاةً يحبها ستفشل علاقتهما.

الأرقام توضح ما بلغه هذا الأمر من استفحال، ففي الفترة ما بين سنتي 2004 و2008 جاء في الاستبيانات أن نحو 29% من الأفراد يأخذون توقعات التنجيم بجدية في الولايات المتحدة، ويتعارض التنجيم مع العملية في العلم، والسعي للنهل منه ووصفه تبعًا لحجج ودلائل تعطي تأويلات وتفسيرات معقولة وموضوعية عن الكون والحياة بشتى جوانبها، فطالما أن الأمر راجع للنجوم، فإن تقرير مصير الأشياء بالتالي لا يرتبط بقوانين منطقية.

فيديو ما هو التنجيم؟

مقالات مشابهة

كيف تكتب سيره ذاتيه سريعة؟

كيف تكتب سيره ذاتيه سريعة؟

دليلك الشامل عن محيط الدائرة ومساحتها

دليلك الشامل عن محيط الدائرة ومساحتها

طرق المذاكرة الحديثة

طرق المذاكرة الحديثة

تخصصات العلمي الدليل الشامل

تخصصات العلمي الدليل الشامل

أفكار مشاريع تخرج حاسبات ومعلومات

أفكار مشاريع تخرج حاسبات ومعلومات

دليلك الشامل عن علم فلسطين

دليلك الشامل عن علم فلسطين

طريقة حساب النسبة المئوية

طريقة حساب النسبة المئوية