مقدار كفارة الصيام بالمال

يعد الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، وقد أضافه الله إلى نفسه لعظم شأنه وعلو قدره، فقال سبحانه في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلاّ الصوم فإنه لي وأنا أجزي به” [متفق عليه]، حيث يصوم المسلمون شهر واحد من كل سنة وهو شهر رمضان المبارك، هو أقدس شهر في السنة بالنسبة للمسلمين، وفيه تُقيد الشياطين وتُفتح أبواب الجنة، وفيه ليلة خير من ألف شهر، وفيه يصوم المسلمون من الفجر إلى المغرب، وخلال هذه الأوقات يجب على المُسلم الامتناع عن مبطلات الصيام من طعام وشراب وغيرها، فإذا امتنع عن الصيام وجبت عليه دفع الكفارة أو الفدية سواء مع وجود عذر أو الإفطار عمدًا.

أنواع كفارة الصيام 

هناك ثلاثة أنواع لكفارة الصيام، وهي: العتق، والصيام، وإطعام المساكين؛ إذ يتمثل العِتق بأن يعتق رقبة عبد، أما الصيام وذلك بصيام شهرَين على التتابُع دون انقطاع إن لم يجد رقبة يُعتِقها؛ فإذا لم يستطع المسلم أن يصوم شهرَين، فإنّه يُطعم ستّين مسكيناً، حيث تجب هذه الكفارة عند الجمهور على الترتيب، إلّا أنّ المالكية خالفوهم في ذلك؛ فجعلوا إطعام المساكين الأولى من حيث الأفضليّة، ثمّ قالوا إنّ المسلم مُخيَّر في هذه الكفّارات وليس مُجبراً على ترتيبها، إلّا أنّ الأولى أن يبدأ المسلم بالإطعام. 

مقدار كفارة الصيام نقدًا 

هناك خلاف بين العلماء حول دفع كفارة الصيام نقدًا، الأولى على المسلم أنه يُطعم إطعاماً، لذلك لا يوجد شي مُقدر بقيمة مالية، إلا أن العلماء اتفقوا أنه بقدر ما يُطعم المسكين يخرج ذلك المال نقدًا، لكن الأفضل أن يُخرج طعاماً، فلذلك فإن كفارة الصيام نقدًا لا تسمى كفارة بل فدية، والفدية هي لمن أدركه رمضان ولم يستطع الصيام لعذر ما دون تعمد، على سبيل المثال، بسبب المرض أو الحمل، فيجب عليه دفع فدية إطعام مسكين، أما الكفارة فهي واجبة على من أكل وشرب متعمدًا في نهار رمضان أو من تعمد الجماع في نهار رمضان، وذلك استنادًا لحديث رسول الله، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال:” بيْنَما نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النبيِّ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ، إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ. قَالَ: ما لَكَ؟ قَالَ: وقَعْتُ علَى امْرَأَتي وأَنَا صَائِمٌ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ: هلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهلْ تَسْتَطِيعُ أنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَ: لَا، فَقَالَ: فَهلْ تَجِدُ إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا”(صحيح البخاري)، وبناءً على الحديث الشريف فإن مقدار الكفارة هنا لا يحسب بالمال بل بإطعام 60 مسكينًا بمقدار 750 جرام لكل فرد من القمح أو الأرز أو مد البيت وغيرها من الحبوب، كما يمكن أن يكفر بصيام 60 يوم أو عتق رقبة مسلم أيضاً.  

أما بالنسبة لمقدار الفدية لمن لم يستطع صيام شهر رمضان لعذر ما دون تعمد، كما جاء في قوله تعالى “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ”(البقرة: 184)، فيُعطى صاع من الدقيق أو التمر أو الزبيب بقدر مقدار فطيرة واحدة لكل يوم، على سبيل المثال ، يكفي إعطاء 53 كجم من الدقيق أو 105 كجم من التمر أو الزبيب لمدة 30 يومًا ، أو ما يعادل الكثير من الطحين في الذهب  أو الفضة يتم دفعه لفقير واحد أو أكثر في وقت واحد، وذلك في بداية أو نهاية شهر رمضان مثل فدية 30 يوماً، كما يمكن للفقير الذي يتلقى الفدية استخدامه أو إعطاؤه لشخص آخر، وعلى المريض الذي يتم شفائه بعد دفع الفدية إلى درجة تمكنه من الصيام عليه أن يصوم.

على من تجب فدية الصيام؟

تجب فدية الصيام على كل مسلم أدركه رمضان وهو لا يستطيع الصيام لكونه شيخاً كبيراً، أو مريضاً لا يُرجى له الشفاء فإنه لا يجب عليه الصيام لعدم استطاعته، فيفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” (البقرة: 183-184)، كما روى البخاري (4505) عن ابْن عَبَّاسٍ قال: “لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا”، لكن إذا كان المرء فقيراً ولا يستطيع إخراج الفدية أو الإطعام فلا شيء عليه، والكفارة يمكن دفعها لأكثر من شخص، وخلال أي يوم خلال الشهر، المريض بعد شفائه والمسافر وكذلك المرضع والحامل، وكذلك كل ماكان لديه عذر مؤقت لا يجب عليه إلا القضاء فقط. 

أحكام مُتعلّقة بكفّارة الصيام 

يرى عامة أهل العلم أن الكفارة لا تسقط عمّن عجز عن أدائها، وتبقى ذمّته مشغولة بها، سواء كانت إعتاقاً أو صياماً أو إطعاماً، فإذا تهيأ له أداء واحدة منها يجب أن يؤديها، وإنْ تهيأ له أداء أكثر من واحدة، فعليه أن يتبع الترتيب في أدائها، إلا أن الحنابلة خالفوهم في ذلك، فقالوا إذا كان المرء لا يقدر على أداء الكفّارة في وقتها، فإنّها تسقط عنه ولا تلزمه، حتى لو تهيأ له أدائها فيما بعد، وإن فعل ما يُوجب الكفّارة ثمّ كرّر فِعله، فعليه كفّارة بعدد ما كرّر، وهذا ما قاله الشافعية والمالكية بخِلاف الحنفية الذين قالوا بعدم تكرار الكفّارة حتى لو تكرّر ما يُوجبها، ولا فرق إن كان تكرار الفعل في يوم واحد أم في أيّام مُتعدّدة، وإن فعل، ثمّ كفّر، ثمّ فعل في اليوم نفسه، اعتُبِرت الكفّارة عن التكرار، وإن فعلها في أيّام مختلفة؛ إذ تتعدد الكفارة إذا كان سببها الجماع وغير ذلك فلا، أمّا الحنابلة فقالوا إنّه إن فعل ما يُوجب الكفّارة، ثمّ كفّر، ثمّ فعل مرّة أخرى، فإنّه ينبغي أن يُكرّر الكفارة، وإن كرّر الفِعل قبل أن يُكفّر، فإنّه يُكفّر مرّة واحدة

متى تدفع كفارة الصيام؟ 

يتساءل الكثير من المسلمين عن موعد إخراج فدية صيام شهر رمضان لمن لم يستطيع صيام الشهر أو بعض أيام شهر رمضان، إذا يجوز للمسلم الذي أفطر بسبب عذر دائم أن يدفع الكفارة يوماً بيوم، كما يجوز دفعها دفعة واحدة في آخر شهر رمضان، كما كان رأي الحنفية جواز دفعها في أول شهر رمضان. كما أنه لا يجوز دفع الكفارة قبل دخول شهر رمضان، لأنه لا يجب تعجيل الحكم عن سبب الوجوب، وذلك لأن الفدية يتم دفعها بسبب عدم القدرة على الصيام؛ فلا يجوز تقديمها قبل أن يأتي شهر رمضان، ومن الممكن أن يتم دفعها جملة واحدة أما آخر الشهر أو في بداية الشهر.

مبطلات الصيام 

هناك الكثير من الأحكام التي يجب على المسلم الالتزام بها أثناء الصيام، كما أن هناك العديد من الأفعال التي تؤدي إلى إفساد الصيام، ومن هنا وجبت الكفارة أو القضاء أو الجمع بين الكفارة والقضاء، ومن أهم مبطلات الصيام التي يجب القضاء فيها، بمعنى الصوم لاحقاً عن كل تم إفطاره، ومنها:

•  الشرب أو الأكل عمدًا. 
• الحيض أو النفاس. 
•  القيء المتعمد. 
• الاستمناء.

فيديو مقدار كفارة الصيام بالمال