جدول المحتويات
سيبويه هو عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء من بلاد فارس، عالمٌ من علماء النحو، كنيته أبو بشر ولقبه سيبويه، وقد لقب أيضاً بإمام النحاة؛ حيث كان أول من نشط في علم النحو وذلك بعد أن تتلمذ في النحو والأدب على يد كل من: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأبي الخطاب الأخفش، ويونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وورد بغداد، وقد أبدى اهتمامه بتعلم الفقه والحديث قبل أن ينصرف لتعلم اللغة العربية التي أتقنها وأبدع فيها، ليصبح بذلك علماً من أعلامها، وقد خلف وراءه ميراثاً لغوياً عريقاً يعتمد عليه من يدرسون علم النحو والصرف في كل مكان وزمان.
يتحدث هذا المقال عن سيبويه، ويتضمن:
- معلومات عن سيبويه.
- حياة سيبويه، وعائلته، وعمره، وديانته.
- جنسية سيبويه، ولغاته، وتعليمه.
- ألقاب سيبويه.
- كتاب سيبويه.
- شيوخ وتلامذة سيبويه.
- الأعمال البارزة لسيبويه.
- وفاة سيبويه.
معلومات عن سيبويه
يعود انتماء عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه إلى بني الحارث بن كعب بن عمر بن وعلة بن خالد بن مالك، أما عن لقبه “سيبويه” فهي كلمة فارسية مكونة من مقطعين هما: “سيب” ومعناها التفاح، و “ويه” ومعناها رائحة، وبذلك فإن معناها هو رائحة التفاح، كما ذكرت المصادر أنّ هناك معنى آخر لهذه الكلمة وهو: “سي” وتعني ثلاثين، و “بوي” وتعني رائحة، وبذلك فإن معناها هو ذو الثلاثين رائحة، أو ذو الرائحة الفواحة، وقد عرف بهذا اللقب أكثر من اسمه الذي ذكر فقط في كتب التاريخ والتراجم، من ناحية أخرى فقد تعددت الأقاويل وراء أسباب تسميته بهذا اللقب؛ حيث قال البعض بأن أمه كانت تناديه بهذا الاسم، وقال آخرون أنه كان شاباً أبيضاً جميلاً ذو رائحة طيبة ووجنتين مشربتين بالحمرة لونهما كلون التفاح، ويقال أيضاً أنه لقب بهذا اللقب للطفه ودماثته.
حياة سيبويه
عائلة سيبويه
لم ترد في كتب التراجم أية معلومات تشير إلى مكان أسرة سيبويه، أو مستواها الاجتماعي والثقافي؛ فكل ما ذكر هو أنه ينتمي إلى أسرة فارسية، وأن له أخاً وحيداً كان مقرباً منه جداً، وقد استدل على ذلك من عدة روايات تحدثت عن مرضه، وأشارت إلى أنّ عبرات الشفقة كانت تسيل على وجهه عندما كان يضع رأسه على حجر أخيه، وحينما شعر بها نظر إلى أخيه قائلاً: “أخيّيْنِ كُنّا، فرّقَ الدّهرُ بينَنا، إلى الأمَدِ الأقْصى، وَمَنٌ يأمَن الدّهْرا”.
أما عن حياته الشخصية فلم ترد في كتب التاريخ أية معلومات تفيد بأن سيبويه قد كان له زوجة وأولاد، ولذلك يعتقد بأنه لم يتزوج وقرر بدلاً من ذلك أن يهب نفسه وحياته للعلم والتعليم، ولكن في الوقت ذاته توجد رواية نقلت عن صاعد البغدادي عن أبي علي في كتاب “الفصوص” تفيد بأن سيبويه كان متزوجاً من جارية في البصرة، وقد كانت تحبه حباً جماً بينما كان هو منشغلاً عنها بطلب العلم، ما دفعها لجمع كتبه وإحراقها ليقع مغشياً عليه من الحزن عندما علم بذلك، وعلى إثر هذه الحادثة التي أدت إلى ضياع الكثير من العلم فقد طلق سيبويه زوجته على الفور وتزوج بامرأة أخرى عقب ذلك، لكن لا يمكن الجزم بهذه الرواية كونها نقلت عن أبي العلاء البغدادي الذي عرف بجرأته وكذبه؛ حيث أجمع الكثير من أدباء ذلك العصر على أن كل ما جاء في كتابه “الفصوص” ما هو إلا محض أكاذيب.
عمره
لم تذكر في المراجع التاريخية أية معلومات حول تاريخ مولد سيبويه، ولكن على الرغم من ذلك فقد تمكن المؤرخون من حساب عمره بشكل تقريبي؛ حيث أشار ياقوت في كتابه “معجم البلدان” إلى أنّ عيسى بن عمر الثقفي كان أول أساتذة سيبويه، وقد توفي الأخير سنة 149م، ونظراً إلى أن سيبويه قد أخذ عنه فلا بد من أن يكون قد بلغ سن الرشد أي 14 عاماً ولله أعلم، ومن وفاة عيسى إلى وفاة سيبويه 31 سنة، ولذلك فقد قيل بأن سيبويه قد ولد في العام 135م.
الديانة
وفقاً لما ذكر في المصادر التاريخية، فقد كان سيبويه مسلماً.
الجنسية
تعود أصول سيبويه إلى مدينة من مدن فارس وهي البيضاء، وقد سميت بهذا الاسم لوجود قلعة بيضاء فيها يمكن رؤيتها عن بعد، إلا أنّ نشأته كانت في مدينة البصرة التي تعد واحدة من حواضر المدن الإسلامية، وذلك بعد أن هاجر أهله إليها نظراً لكونها أقرب إلى بلاد فارس، والجدير بالذكر هنا أن مدينة البصرة قد بنيت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام 14 هجري.
اللغات
تشير المصادر التاريخية إلى أن سيبويه كان يتقن لغتين هما: اللغة العربية، واللغة الفارسية.
التعليم
تنقل سيبويه في أرجاء البصرة طلباً للعلم وبنى لنفسه مجداً خالداً، وكان أول ما تعلمه الحديث وذلك بعد أن صحب الفقهاء وأهل الحديث، وقد ذكرت المصادر بأنه كان يستملي الحديث على حماد بن سلمة، ويروي حماد بأن سيبويه قد جاء إليه ذات مرة مع قوم يكتبون شيئاً من الحديث، ويقول: فكان فيما أمليت ذكر الصفا، فقلت صعد رسول الله عليه الصلاة والسلام الصفا، وكان هو الذي يستمل فقال صعد النبي عليه الصلاة والسلام الصفاء، فقلت يا فارسي لا تقل الصفاء لأن الصفا مقصور، فلما فرغ من مجلسه كسر القلم وقال: لا أكتب شيئاً حتى أتقن العربية، وقد ذكرت المصادر بأنه لزم الخليل، وفي رواية أخرى قيل أنه لزم مجلس الأخفش مع الخليل ويعقوب وسائر النحويين.
ألقاب سيبويه
لقب سيبويه بعدة ألقاب منها: إمام العربية، وحجة العرب، وشيخ النحاة.
كتاب سيبويه
كان كتاب سيبويه هو الكتاب الأول الذي يجمع كلاً من قواعد النحو والصرف، وامتاز بكثرة المصطلحات النحوية والصرفية التي لا زالت مستخدمة حتى وقتنا الحاضر، وبالصعوبة في طريقة تناول مسائل النحو والصرف؛ الأمر الذي دفع العديد من النحاة لشرحه وتبسيطه وتفسيره وتعليله، ومنهم الأخفش تلميذ سيبويه، ولكن في الوقت ذاته فقد عمل سيبويه على تقسيم كتابه إلى قسمين رئيسيين هما: القسم الأول الذي يضم مباحث النحو كلها، والقسم الثاني الذي يضم مباحث الصرف، وتناول مباحث اللغة العربية عامة كالشعر والإنشاد، ومعاني الكلمات، والمجاز، ومباحث الأصوات العربية وذلك ضمن أبواب عديدة؛ ولكنه لم يضع عناوين واضحة لهذه الأبواب واعتمد بدلاً من ذلك على الأمثلة لتوضيح مقصده.
على الرغم من المجهود الكبير الذي بذله سيبويه في إنجاز هذا الكتاب إلا أنه مات قبل أن ينتهي منه ويسميه ويخرجه بشكله النهائي، ما دفع تلميذه الأخفش سعيد بن مسعدة إلى حمله ونشره بين الناس تحت مسمى “الكتاب”، من دون تنقيح أو إضافة مقدمة وخاتمة، ليصبح بذلك واحداً من أعظم كتب النحو والصرف في الماضي والحاضر، ومن أثمن الهدايا التي يتبادلها الناس فيما بينهم ومنهم الجاحظ الذي أهداه إلى محمد بن عبد الملك؛ فقال له: “أردت أن أهدي لك شيئاً فلم أجد أشرف من هذا الكتاب”، فرد عليه الأخير قائلاً: “ولله ما أهديت شيئاً أحب إلي منه”، وامتدحه أبو عثمان المازني قائلاً: “من أراد أن يعمل كتاباً كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي”.
شيوخ سيبويه
- الأخفش الأكبر عبد الحميد أبي الخطاب: هو مولى بن قيس بن ثعلبة، تعلم منه سيبويه اللغة والقليل من النحو وجاء على ذكره في كتابه 47 مرة، وهو رجل دين تقي وإمام في اللغة، ونقل عن أبي عمرو بن العلاء ولقي الأعراب ونقل عنهم، وقد عرف بتفرده بألفاظ لغوية كان ينقلها عن العرب.
- عيسى بن عمر الثقفي البصري: هو مولى خالد بن الوليد، وقد نسب إلى بني ثقيف وذلك لسكنه عندهم، وعرف بألفاظه الغريبة العميقة، أما عن علمه فقد حصل عليه من عبد الله بن أبي إسحاق مولى آل الحضرمي؛ والذي قيل عنه أنه أول من شرح وفسر علم القياس وعلم العلل، وأول من حلل علم النحو، وقد كان لكليهما الفضل في الحفاظ على لغة القرآن الكريم، أما عن مؤلفاته فقد ذكرت المصادر بأن له كتابين في النحو هما: الإكمال، والجامع، بالإضافة إلى ما يقارب 70 مصنفاً ضاعت كلها، وقد روى عنه سيبويه 22 مرة.
- الخليل بن أحمد الفراهيدي البصري: هو من تلاميذ أبي عمرو بن العلاء، ويقال بأن والده هو أول من سمي باسم أحمد بعد وفاة النبي عليه السلام، وهو الأستاذ الأكبر لسيبويه، وقد عرف بكونه معلماً في استخراج مسائل النحو وتصحيح القياس فيه، وبكونه عفيف النفس؛ إذ لم يتخذ من علمه سبباً لكسب المال، وإلى جانب سيبويه فقد تتلمذ على يده ثلاثة آخرون هم: علي بن نصر الجهضمي، والنضر بن شميل، ومؤرج السدوسي، وقد كان سيبويه أكثرهم براعة في النحو، والشعر، واللغة، والحديث.
- هارون بن موسى النحوي: هو يهودي من البصرة، وأول من شرح علوم القرآن، وكان معلماً في القراءة.
- عبد الله بن زيد أبي إسحق بن الحارث: هو مولى آل الحضرمي، وقد عرف بكونه أول من علل النحو وبكونه واحداً من أعلامه.
- محمد بن الحسن بن أبي سارة: هو أول شخص من أهل الكوفة يؤلف كتاباً في النحو، وكان معلماً لكل من الفراء والكسائي، ومن أشهر مؤلفاته: كتاب التصغير، وكتاب الفيصل.
- حماد بن سلم بن دينار البصري: هو مفتي البصرة، ومولى من موالي قبيلة تميم، وقد عرف بفضله وتدينه وكونه حجة في علم النحو، روى له الأئمة الأربعة وكان معلماً ليونس بن حبيب، وهو الذي دفع سيبويه لتعلم النحو وذلك بعد أن خطّأه في بعض المسائل اللغوية والنحوية.
- يعقوب بن إسحق بن زيد البصري: كان هذا الرجل أعلم الناس في زمانه في القراءة؛ ولذلك فقد لقب بالقارئ، كما كان أيضاً ذا نفوذ في البصرة في ذلك الحين، وله قراءة مشهورة هي واحدة من القراءات العشر.
- أبو عبد الله بن يونس بن الضبي: هو مولى بني ضبة من بلدة جبل، وقد كانت له حلقة علم في البصرة يقصدها كل من طلبة اللغة العربية والفصحاء في الأعراب والبادية، كما تتلمذ على يد كل من: حماد بن سلمة، وأبي عمرو بن علاء، والفراء، والكسائي، وأبي عبيدة، ونقل عنه سيبويه 200 مرة ليكون بذلك ثاني أكثر العلماء الذين نقل عنهم في كتابه، وله مؤلفات عديدة من أهمها: كتاب النوادر الكبير، وكتاب النوادر الصغير، وكتاب معاني القرآن، وكتاب الأمثال.
- أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري: هو ابن أوس بن ثابت أحد رجال الحديث وممن جمعوا القرآن الكريم في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وهو واحد من رواة الحديث الموثوقين، وقد أخذ عنه سيبويه اللغة وروى عنه في كتابه تسع مرات دون أن يذكر اسمه، وتوفي في البصرة عن عمر يناهز قرابة 100 عام.
- أبو عمرو بن العلاء: هو شيخ الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب، وقارئ أهل البصرة، وقد تعلم النحو من نصر بن عاصم تلميذ أبو الأسود الدؤلي، كما روى عنه سيبويه في كتابه على الرغم من أنه لم يلتقي به.
تلامذة سيبويه
- قطرب أبو علي محمد بن المستنير: هو واحد من علماء اللغة والنحو، وقد أطلق عليه سيبويه لقب قطرب الذي يعني الدابة الصغيرة كثيرة الحركة، وذلك لشدة إبكاره في الأسحار، وله مؤلفات عدة منها: النوادر، ومعاني القرآن، والعلل في النحو.
- الأخفش أبو الحسن سعيد بن سعدة: هو مولى بني مجاشع بن دارم، واحد من أكثر تلامذة سيبويه حفظاً لعلمه وكتابه، ونظراً لكونه أكبر عمراً من سيبويه فقد كان الأخير يستشيره عندما يضع أي شيء في كتابه، ومن أبرز مؤلفاته: تفسير معاني القرآن، والأوسط في النحو، والمقاييس في النحو، والاشتقاق، والقوافي، والأصوات، والمسائل الكبير، ولكن أغلبها اندثر مع مرور الزمن.
الأعمال البارزة لسيبويه
كان لسيبويه كتاب واحد فقط عرف باسم “الكتاب”، حيث تم تحريره ونشره كما ذكرنا سابقاً من قبل الأخفش تلميذ سيبويه وذلك بعد وفاته.
وفاة سيبويه
توفي سيبويه في قرية البيضاء بشيراز، وقيل في البصرة، وقيل في ساوة، وتعددت الأقاويل حول السنة التي توفي فيها، ولكن أرجحها هو أنه توفي عام 180 هجري.
سبب الوفاة
ثمة خلاف حول السبب الحقيقي لوفاة سيبويه؛ حيث قيل أنه مات بعد إصابته بداء الذرب، وهو الداء الذي يصيب المعدة فيمنعها من هضم الطعام حتى يفسد فيها ولا تمسكه، كما قيل أيضاً أنه مات حزناً وقهراً أثناء عودته من بغداد، وذلك بعد أن خسر في مناظرته الشهيرة مع الكسائي، حيث طلب تلميذه أبو الحسن الأخفش وبث إليه حزنه وهمه، وعند وصوله لبلدته اشتد عليه المرض وفارق الحياة.