جدول المحتويات
العديد من الأسئلة التفصيلية التي قد تواجه المرء خلال حياته، ومنها مسائل النَذر وأحكامه وقوانينه، هذا ما سنتطرق إليه في المقال الآتي، مستعينين بما تيسّر من مصادر موثوقة بإذن الله تعالى، هادفين إلى توفير أدق وأفضل المعلومات التي سيحتاجها من يبحث عن مسألة جواز التصدق بدل صيام النذر.
ما هو النذر؟
يتم تعريف النذر في معاجم اللغة العربية بأنه مصدر ثلاثي الأحرف من الفعل نَذَرَ، بمعنى أوجب وألزم، وأما في الاصطلاح الشرعي فهو إلزام المُكلف نفسه شيئاً لم يوجبه ويلزمه الله تعالى به.
والنذر عبادة مكروهة في الإسلام، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول عنها عبادة البخلاء، لأن النذر عبادة مشروطة على الله تعالى، كأن يقول الإنسان لئن شفاني الله تعالى لأفعل كذا، فهو يشترط على الله عز وجل.
يُكره التلفظ بالنذر والابتداء به، لأن المُسلم لا ينبغي له الاشتراط على الله حتى يتقرب إليه، وإنما يفعل ذلك البخلاء، فإن نذر وجب عليه الوفاء بما نذر، فإن عجز عن الوفاء لعارضٍ انتظر زواله ولا تلزمه الكفّارة، وإن كان العارض مما لا يُرجى زواله فعليه كفّارة يمين.
حُكم النذر
على حسب حال وقوع النُذر من الناذر يكون حُكم النُذر، فبعد وقوع النذر من الناذر: يجب الوفاء بالنذر إن كان النذر صحيحاً مستكملاً لشروطه، لأن الناذر قد ألزم نفسه به، ودليل ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من نذر أن يُطيع الله قليُطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يَعصهِ”(تخريج صحيح ابن حبان).
أما قبل وقوع النذر من الناذر فقد اختلف الفقهاء في جواز الإقدام على النُذر، وبيان اختلافهم على النحو الآتي:
الحنفية
ذهب الحنفية إلى أن النذر قربة مشروعة إن كان صحيحاً مستوفياً لشروطه، فقولهم إنهُ قربةٌ: لأنه نوع من القرب والعبادات التي يتقرّب بها العبد إلى الله عز وجل، وقولهم إنه مشروعٌ: لورود النصوص الآمرة بوجوب الإيفاء به.
المالكية
ذهب المالكية إلى أن حكم النذر يختلف باختلاف نوع النذر، كالآتي:
- النذر المطلق: وهو أن يلزم المكلّف نفسه قربةً، شكراً وثناءً لله لحصول نعمة أو دفع نقمة وشر، كمن نجّاه الله من كربة أو رزقه الله مالاً، فهذا النوع حكمه الندب.
- النذر المعلق: وهو أن يلزم المكلّف نفسه قربةً يعلقها على حصول شيء ما في المستقبل، ويتفرع إلى:
- تعليق الناذر نذره على شيء لا علاقة له فيه، كأن يقول: “إن شفى الله مريضي فعليَّ كذا…”، وهذا النوع من النُذر اختلف في حكمه إلى قسمين كالآتي:
- إن لم يعتقد الناذر أن في نذره نفع في تحقيق الغرض منه، فبعضهم قال بالكراهة، وبعضهم قال بالجواز.
- إن اعتقد الناذر أن في نذره نفع في نيله غرضه، فحكمه حرامٌ، لأنه بذلك خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تَندِروا، فإن النُذرَ لا يغني من القدر شيئاً، وإنما يُستخرج به من البخيل”، أو تعليق الناذر نذره على أمر أو شيء من فعله، كأن يقول: “إن فعلت كذا فعليَّ كذا”، فحكمه الكراهية ويجب عليه الوفاء به بعد وقوعه.
- النذر المكروه: وهو أن يلزم المُكلّف نفسه فعل شيء مكروه، كأن يقول: “لله عليّ أن أصوم كل يوم”، فحكمه الكراهة، لثقل فعله على النفس، إلا أنه يجب الوفاء به بعد وقوعه.
- نذر شيء لا يستطيعه الناذر، فحكمه حرام.
- إن كان النذر نذر طاعة، فهو قربةٌ، وذلك لأنه مناجاة لله تعالى.
- إن كان النذر نذر لجاج للمخاصمة، فهو مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه بقوله: “لا تَنذِروا، فإن النَذر لا يغني من القَدَرِ شيئاً، وإنما يُستخرج من البخيل”.
الحنابلة
ذهب الحنابلة إلى أن النذر مكروه وإن كان طاعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه حين قال: “إنّ النَّذْرَ لا يأتي بخير، وإنما يُسْتَخْرَجُ به من البخيل”(صحيح – متفق عليه)، فالناذر بنذره لا يمكنه تغيير ما يقع، ولا إحداث شيء جديد، ويجب عليه الوفاء بنذره بعد وقوعه.
ما هي شروط الناذر؟
- أن يكون مسلماً، فالنذر من غير المسلم لا يصح، فإن أسلم صحَّ نذره.
- أن يكون مكلفاً، فالنذر من الصبي أو المجنون لا يصح.
- أن يكون مختاراً، فالنذر من المكره لا يصح.
- أن يكون ناطقاً، فالنذر بالإشارة لا يصح، إلا إن كانت الإشارة مفهومة.
- أن يكون ناذراً للتصرف، أي صلاحية المسلم لصدور الفعل منه بصورة يُعتد بها شرعاً، فالنذر من الصبي أو المجنون لا يصح، لأن الصبي والمجنون ليسا أهلاً للالتزام.
ما هي شروط المنذور؟
لا يصح النذر من الناذر حتى تتوفر في المنذور الشروط الآتية:
- أن يكون قربة وطاعة، بشرط ألا تكون هذه القربة من الفرائض والواجبات، فلا يصح النذر بشيء منها.
- أن تكون هذه القربة مقصودة، فإن كانت القربة غير مقصودة كالإغتسال، ومس المصحف، والوضوء، فلا يصح النذر بها، فهذه وسائل غير مقصودة لذاتها وإنما ما يترتب عليها هو المقصود.
- أن تكون هذه القربة متصورة وممكنة الوجود شرعاً، فلا يصح القول “لله علي أن أصوم ليلاً”، وذلك لأن الليل ليس محلاً للصيام.
هل يجوز التصدق بدل صيام النذر؟
أوضح الشيخ أحمد شريف النعسان بخصوص هذا السؤال أنّ من نذر نذراً وجب عليه الوفاء به في حال كان قادراً على الوفاء، وقد مدح الله تعالى الأبرار بقوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}(الإنسان: 7)، ومن نذر صيام أيام أو أشهر ولم يقيد ذلك بالتتابع وجب عليه الوفاء بنذره، ولا يشترط في حقه التتابع، أما إذا نذر الصيام تتابعاً فيجب عليه الصوم تتابعاً.
نستنتج من ذلك أنه يجب عليك الصيام ما دمت قادراً على الصيام، أما إذا عجزت عن الصيام لشيخوخة أو لمرض مزمن فيجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم نذرته، وإذا كان نذرك للصوم تتابعاً وجب عليك التتابع..
كفّارة النذر
كفّارة النذر ككفّارة اليمين، فإما أن تكون بعتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فمن لم يجد شيئاً من ذلك فعليه صيام ثلاثة أيام، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كفّارة النذرِ كفّارة اليمين”(رواه مسلم).
ينتقل الناذر من الإيفاء بنذره إلى التكفير عنه بكفّارة اليمين في الحالات الآتية:
- إن كان النذر نذر طاعة، وعجز عن الإيفاء بنذره، فعليه كفّارة اليمين، ويكون النذر في حقه مكروه.
- إن كان النذر شاقاً لا يقدر عليه الناذر، كأن يقول: “لله عليّ أن أصوم الدهر كله”، لا يجب عليه الوفاء بنذره، ويُكره النذر في حقه، وعليه كفارة اليمين.
- إن كان النذر صيام يومي العيد، لا يجب عليه الوفاء بنذره، إذ لا يجوز صيام يومي العيد، وعليه كفّارة اليمين، ودليل ذلك قول زياد بن جبير: “كنتُ مع ابنِ عُمَرَ، فسألهُ رجلٌ فقالَ: نذرتُ أن أصومَ كل يومٍ ثلاثاءَ أو أربعاءَ ما عِشتُ، فوافقتُ هذا اليومَ يومَ النَّحرِ، فقالَ: أمَرَ اللهُ بوفاءِ النذرِ، ونُهينا أن نصومَ يومَ النحرِ فأعاد عليه، فقالَ مثلَهُ، لا يَزيدُ عليهِ”.
- وإن اشتمل النذر على طاعة ومعصيةٍ معاً فيجب على الناذر فعل الطاعة وترك المعصية، وليس عليه كفّارة اليمين، ودليل ذلك ما رواه ابن عبّاس، رضي الله عنهما: “بينما النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يخطُبُ إذا هو برجُلٍ قائمٍ في الشَّمْسِ، فسأَل عنه، قالوا: هذا أبو إسرائيلَ نذَر أن يقومَ ولا يقعُدَ ولا يستظِلَّ ولا يتكلَّمَ ويصومَ، قال: مُرُوهُ فليتكلَّمْ وليستظِلَّ وليقعُدْ وليُتِمَّ صومَهُ”(سنن أبي داود).