جدول المحتويات
سيدنا سليمان عليه السلام هو نبي من أنبياء الله الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، وكان ملكاً عظيماً وابن ملك (سيدنا داود)، وهو أحد الأنبياء الثمانية والأربعين، وثالث ملوك مملكة إسرائيل الموحدة قبل انقسامها إلى مملكة إسرائيل الشمالية، وهي: المملكة التي بقي يحكمها قبائل إسرائيل الاثنا عشر، ومملكة يهوذا في الجنوب، والتي حكمها أبناء قبيلة يهوذا وهي القبيلة الوحيدة الباقية من القبائل الاثنا عشر حسب كتابات اليهود، ويُعتقد أنه عاش في الفترة ما بين 990 ق.م حتى 931 ق.م، وتوفى عن عُمر 250 سنة.
سيدنا سليمان
نسب سيدنا سليمان
قال الحافظ بن عساكر: “هو سليمان بن داود بن إيشا بن عُويد بن باعز بن سلمون بن نحشون بن عميناذب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهودا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم”، ولكن ما يتأكد منه كل مسلم وليس فيه شك هو أن سيدنا سليمان هو ابن سيدنا داود، ومن نسل سيدنا إبراهيم عليه السلام.
حياة سيدنا سليمان
سيدنا سليمان عليه السلام هو ابن نبي الله داوود، ويرجع نسبه إلى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وأما عن حياته عليه السلام فإن الله وهب له الكثير من النعم، وسخر له ما لم يسَخِّر لأحد من خلقه، من ذلك أنه سخر له الريح تجري بأمره، وسخر له الشياطين والجن يعملون له ما يشاء من الأمور، وكل ذلك بفضل الله وكرمه، وذلك كان طلب سيدنا سليمان عليه السلام، حيث قال: {قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْكًا لَّا يَنۢبَغِى لِأَحَدٍۢ مِّنۢ بَعْدِىٓ ۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ} [ص: 35]، فوهبه الله ما طلب.
كان سليمان عليه السلام حكيماً، وذكياً، وفطناً، من ذلك ما أخبر الله عنه من قصة “الغنم الذي نفشت في الحرث” حيث قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء 78: 79]، فحكم سيدنا سليمان في هذه القضية الحكم الصحيح والأصح، ولما مات سيدنا يعقوب عليه السلام ورثه سيدنا سليمان عليه السلام، وورثه هنا المقصود بها وراثة الملك والنبوة، وليس وراثة المال؛ لأنه كان له إخوة آخرون، وأزهر سيدنا سليمان حكمة بالغة، وفطنة فاقت كل الوصف في إدارة ملك أبيه الذي صار ملكه، وفي حياته عليه السلام الكثير من المواقف والعبر، من ذلك أنه أدخل مملكة سبأ وملكتها في الإسلام، بل وأقرها على ملكها، وأورد ابن كثير في البداية والنهاية أنه كان كثير الزوجات قرابة الألف زوجة سبعمائة بمهور وثلاثمائة سراري، وقيل بل العكس هو الصحيح.
عمل سيدنا سليمان
كان سيدنا سليمان عليه السلام ملكًا عظيمًا، ونبيًا مرسلًا من عند الله، وكان حكيمًا، صحيح الرأي، وكان أبوه سيدنا داوود حدادًا، ويمكن أن يكون سيدنا سليمان كان يعمل مع والده في مهنة الحدادة، أما بعد أن ورث ملك أبيه؛ فقد صار له من القدرات ما لم يكن لأحد من خلق الله كلهم.
قصة سيدنا سليمان
قصة سيدنا سليمان مع ملك الموت
ذُكر أن وزيراً جليل القدر كان عند سيدنا داود عليه السلام، فلما مات داود عليه السلام صار وزيراً عند سليمان بن داود، فكان سليمان عليه السلام ذات يوم جالساً في مجلسه في وقت الضحى، وعنده هذا الوزير فدخل عليه رجل فسلّم عليه، وجعل هذا الرجل يحادث سليمان ويحدّ النظر إلى هذا الوزير؛ ففزع الوزير منه، فلما خرج الرجل قام الوزير، وسأل سليمان عليه السلام وقال: يا نبي الله! من هذا الرجل الذي خرج من عندك للتو؟ قد والله أفزعني منظره؟ فقال سليمان: هذا ملك الموت يتصور بصورة رجل ويدخل عليَّ، ففزع الوزير وبكى وقال: يا نبي الله أسألك بالله أن تأمر الريح فتحملني إلى أبعد مكان إلى الهند، فأمر سليمان الريح فحملته، فلما كان من الغد دخل ملك الموت على سليمان يسلم عليه كما كان يفعل، فقال له سليمان: قد أفزعت صاحبي بالأمس فلماذا كنت تحد النظر إليه؟ فقال ملك الموت: يا نبي الله إني دخلت عليك في الضحى، وقد أمرني الله أن أقبض روحه بعد الظهر في الهند فعجبت أنه عندك، قال سليمان: فماذا فعلت؟ فقال ملك الموت: ذهبت إلى المكان الذي أمرني بقبض روحه فيه فوجدته ينتظرني، فقبضت روحه.
قصة سيدنا سليمان والهدهد
الهدهد كان أحد جنود سيدنا سليمان عليه السلام وكان النبي سليمان من عادته أنه يتفقد جنوده من الطير بين الوقت والأخر، فلاحظ تغيب الهدهد، فغضب كثيرًا وأقسم أنه يقوم بتعذيبه وذبحه إذا حضر دون عذر مقبول يبرر غيابه عن المجلس، حيث جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ، لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} [النمل: 20]، وبعد مرور بعض الوقت ليس بالكثير حضر الهدهد، وعلم بما ينويه له سيدنا سليمان عليه السلام وبما قال، ولكن الهدهد برر غيابه أنه علم أمور مهمة جدًا، وجاء ذلك في قوله تعالى: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22]، ثم أخبر الهدهد نبي الله سليمان عليه السلام عما رآه وسمعه من قوم سبأ وملكتهم، حيث كان يطير ومر على قوم يعبدون الشمس من دون الله الواحد الأحد، وجاء ذلك في قول الله -عز وجل- في القرآن الكريم: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شيء وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ، وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل: 23]، وحينما سمع سيدنا سليمان عليه السلام هذا الكلام من الهدهد أمر الهدهد بتفقد هؤلاء القوم بدقة ومراقبة أفعالهم كلها، وسرد كل ما يحدث بالتفصيل لسيدنا سليمان، ومن ثم اقترح عليه الحل بأسلوب مهذب.
بعد ذلك أرسل سيدنا سليمان رسالة مع الهدهد إلى ملكة سبأ، يدعوها هي وقومها للإيمان، وعبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد، وبعد أن قرأت ملكة سبأ رسالة سليمان، جمعت قومها للتشاور في هذا الأمر، ومن ثم قررت ملكة سبأ إرسال هدية إلى سيدنا سليمان عليه السلام لتتعرف على رد فعله حينها، وحين تلقى النبي سليمان هدية بلقيس ملكة سبأ تأكد من صدق ما جاء به الهدهد، ورفض الهدية، ودعاها للدخول في الدين الإسلامي، وبعدها جاءت إليه ملكة سبأ وهي مسلمة.
قصة النملة مع سيدنا سليمان
حاصل القصة أن سيدنا سليمان عليه السلام كان سائرًا بجيشه، وفي الطريق صادفوا مجموعة من النمل، فقالت نملة منهم: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [النمل: 18]، فتبسم سيدنا سليمان عليه السلام من قول النملة، وقال: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل: 19]، فشكر سيدنا سليمان ربه علي النعمة التي أعطاه إياها، وهي فهم لغة الطير، وغير سيدنا سليمان مسار الجيش من أجل هذه النملة، هذه هي القصة المشهورة عن النملة التي ذكرها الله -عز وجل- في القرآن الكريم، وهناك قصة أخرى ذكرها الإمام ابن كثير في البداية والنهاية، قال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري : “إن سليمان بن داود عليه السلام خرج هو وأصحابه يستسقون، فرأي نملة قائمة رافعة إحدى قوائمها تستسقي، فقال لأصحابه: ارجعوا فقد سُقيتم، إن هذه النملة استسقت فاستجيب لها”.
قصة سيدنا سليمان والحمامة
ورث سيدنا سليمان بن داود -عليهما السلام- عن ولده العلم والنبوة، ومنحه الله لغة الطير والحيوان، وسخر له الجن والريح والجبال، وفى يوم من الأيام أرسل سيدنا سليمان حمامة إلى أحد حكامه بثلاث رسائل، أرادت الحمامة معرفة ما في الرسالة فماذا فعلت؟ لقد دافعها سوء خلقها إلى أن تفتح الرسالة لتعرف ما فيها، فوجدت فى الرسالة الأولى: أنه يأمر عامله أن يلبسها تاج الكرامة، وفي الرسالة الثانية: يأمر لها بحقول وحدائق واسعة تعيش فيها، وفي الثالثة: أن يكون لها على الطير الزعامة وعندئذ أدركت أنها أساءت الظن بنبى الله، وأنها خانت الأمانة بفتحها للرسالة، وندمت على ذلك ندمًا شديدًا، ولكن الندم لا ينفع بعد فوات الأوان، وهنا وجب التنبيه إلى أن هذه القصة من الممكن أن تكون من الإسرائيليات التي لا يُوثق بها.
قصة سيدنا سليمان والخيل
سيدنا سليمان عليه السلام له قصة مع الخيول، فقد قال الله تعالى: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَاد} [ص: 31]، والعشي معناها: الوقت قبل مغيب الشمس من زوال الشمس إلى الغروب يسمى عشيًا، وقد استعرض سليمان خيله في هذا العرض العسكري الذي استمر من بعد الزوال إلى المغرب
وفاة سيدنا سليمان عليه السلام
عاش سيدنا سليمان عليه السلام اثنين وخمسين سنة، وكان ملكه أربعين سنة – نقله ابن كثير في البداية والنهاية في قصص الأنبياء عن الزهري وغيره، وقال ابن جرير كان عمره نيفًا وخمسين سنة، فلما حضر أجله أراد أن يعلم الإنس أن الجن لا تعلم الغيب، فقام يصلي متوكئًا على عصاه، فقبض ملك الموت روحه وهو على تلك الحالة، فمكث مدة على حاله يظنون أنه يصلي، قال الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ: 14].
