جدول المحتويات
أسماء الله الحسنى
نادى الله سبحانه وتعالى نفسه بأسماء وصفاتٍ كاملةٍ ليس لأحد أن يجعلها لنفسه بمعناها المُطْلَق الذي لا يحقُّ إلا له جّلَّ جلاله، حيث إن هذه الأسماء والصفات أثبتها الله لنفسه في كتابه الكريم، أو على لسان نبيِّنا محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، فبها يدعو المسلم ربه، ويذكره، ويناجيه، ويجعلها في كُلِّ شؤونه العقدية، كما في صلاته، من أذكارٍ، وتسابيح لله سبحانه وتعالى.
المعنى اللغوي لكلمة الصَّمد
نادت العرب في أشعارها وأقوالها بعض رجالهم من العظماء، والرؤساء، والأشراف بالصمد، لأنهم كانوا يعتقدون بأن هؤلاء هم الذين يُصمد إليهم، وذكر ذلك أبو جعفر وضرب عليه مثالاً من أشعار العرب:
ألا بكر الناعي بخير بني أسد
بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
كذلك ذكر الشنقيطيُّ بأن العرب أطلق اسم الصمد على السيد العظيم، أو على من لا جوف له، فهو المُصْمّت، وضرب على ذلك مثالاً من أشعار العرب، كقول الزبرقان وغيره، فقالوا:
سيروا جميعاً بنصف الليل واعتمروا
ولا رهي نة إلا س يد ص م د
أما الآخر فيقول:
شهاب حروب لا تزال جياده
عوابس يعلكن الشكيم المصمدا
المعنى الاصطلاحي الشرعي للصمد
ذُكِرَ اسم الله الصَّمد في سورة واحدةٍ فقط في القرآن الكريم، وهي سور الإخلاص، أو سورة الصَّمد، كما سمَّاها بعض السلاف والعُلماء، وهذا في قوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، اللهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُوْلَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}، وذُكِر اسم الله الصمد في السُّنَّة النبوية المُطهَّرة في عِدَّةِ أحاديث، منها ما رواه بُرّيْدةُ بن الحُصَيْب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: “لَقَدْ سَأَلْتَ اللَّهَ بِالِاسْمِ الَّذِي إِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى وَإِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ” [رواه أبو داوود: 1493 وغيره، وصححه الألباني في صحيح أبي داوود]، كما أن أبو هريرة رضي الله عنه روى الحديث القدسي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “قالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، وشَتَمَنِي ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، فأمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي، كما بَدَأَنِي، وليسَ أوَّلُ الخَلْقِ بأَهْوَنَ عَلَيَّ مِن إعادَتِهِ، وأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا وأنا الأحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ ألِدْ ولَمْ أُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لي كُفْئًا أحَدٌ” [صحيح البخاري:4974]. تعددت أقوال أهل التأويل في معنى الصَّمد على عدَّة أقوال، والتي سنذكرها باختصار:
- قال مجاهدٌ، وعكرمة، والحسن البصري رحمهم الله، أن الصمد هو المُصمَت الذي لا جوف له.
- قال عكرمة في قول آخر، وابن جرير الطبري، وآخرون، أن الصمد هو الذي لا يخرج منه شيء، وهو الذي لم يلد، ولم يُولَد.
- قال أبو وائلٍ وآخرون، أن الصمد هو الذي السيد الذي انتهى سؤدده، أي اكتمل وتم.
- قال قتادة، بأن الصمد هو الدائم، وقال غيره، بأنه هو الباقي الذي لا يفنى.
- قال آخرون كالخطابي، وأبو عبيدة، أن الصمد هو الذي يصمد إليه في كل الأحوال والأمور، وهو الوحيد الذي يُقصد في الحوائج.
- قال ابن عثيمين، وابن باز رحمهما الله، أن جميع ما ذكر يجوز سرده لمعنى الصمد، فالله هو الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، فلا يحتاج لما تحتاج إليه الخلائق، وهو الذي يُقصد في الحوائج والنوازل، فلا يُسأل أحد سواه في الرزق، أو العافية، أو النجاة من النار، أو الأجر والثواب في الأعمال الصالحة، كما أنه هو الباقي الذي لا يفنى، فالخلائق كلها، إنسها وجنها، وملائكتها، وكل شيء، من جماد أو أحياء، ستفنى، ويبقى الله العزيز الفرد الصمد.
سورة الاخلاص