جدول المحتويات
تعريف الحيض
كتب الله على بنات آدم الحيض والنفاس، وبين سبحانه وتعالى ونبيُّه صلى الله عليه وسلم أحكامه وصفاته وكيفية التطهُّر منه.
فالحيض لغة: هو السَّيَلان، كقول العرب، حاض السيل، أي فاض [لسان العرب لابن منظور (7/143)]، أما اصطلاحاً: هو دمٌ طبيعي يخرج من فرج المرأة البالغة، ويحدث هذا معها في أوقاتٍ محدَّدةٍ ومعيَّنة [مغني المحتاج للشربيني (1\108)]، أما شكله وصفته، فهو دمٌ ليس بالرقيق وإنما يكون ثخيناً، له رائحةٌ منتنة كريهة، ولا يتجمَّد [المبسوط للسرخسي (3\273)].
أحكام الحيض
زمن الحيض ومدته
الحديث هنا عن السِّن الذي يبدأ فيه الحيض عند المرأة والسن الذي ينتهي فيه، والمدة التي يكون الحيض واقعاً فيها على المرأة، حيث إن الفقهاء والعلماء قالوا بأن بداية سن الحيض غير محددة بعُمرٍ معيَّن وكذلك نهايته، فقالوا أنه من الممكن أن يبدأ الحيض عند البنت التي هي أقل من تسع سنين، ويمكن أن يستمر عند المرأة ذات الستين أو السبعين، وذلك لأنه لا يوجد دليل من الكتاب أو السُّنَّة يخبر بفترةٍ معينةٍ لزمن الحيض عندة النساء [المجموع للنووي 2\373، مجموع فتاوى ابن تيمية 19\240، رسالة في الدماء الطبيعية للنساء لابن عثيمين ص7]، واستدلُّوا بقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى} [البقرة: 222]، وقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]، ففي الآيتين السابقتين علَّق الله تعالى بداية الحيض بشيء محسوس وهو صفة الحيض، ولم يقيده بسنٍّ معين للبداية، كذلك بالنسبة لنهايته، فهو نفس بدايته، أيضاً معلق بالمحسوس، وهو اليأس من الحيض وانقطاعه [مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11\299، المحلى لابن حزم 1\404].
أما أقصر مدةٍ وأطول مدةٍ يستمر الحيض فيها عند النساء لم يُحدَّد بفترةٍ معينة، فبعض العلماء قال حتى لو يوم واحد، ومنهم من قال دفقةً واحدة تكفي بأن يُعتبر هذا الدم حيضاً، وأما أطول مدة فأيضاً لم تُحدَّد لا بسبعة أيام ولا بخمسة عشر يوماً، وقد استدلو بقول الله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222]، فكما قلنا سابقاً أن الله علق العلَّة بشيء محسوس وهو الحيض، فإن توقف طهرت المرأة، وإن استمر فإنها ما زالت في حيضها، وهذا قول المالكية، وغيرهم [التمهيد لابن عبدالبر 16\71-72، الإشراف لابن المنذر 1\360، الإقناع لابن المنذر 1\74، الاختيارات الفقهية لابن تيمية ص400، الدراري المضية للشوكاني 1\67، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11\300]، لكن يجب التنبيه لشيءٍ هذا في حال عدم حدوث الاستحاضة، حيث سيتم تبيان ذلك فيما بعد إن شاء الله.
حيض الحامل
تباينت أقوال العلماء بين قولين، القول الأول يقول بأنها تحيض، وهذا رأي ومذهب المالكية، والشافعية، وقولٌ لأحمد، وطائفةٌ من السلف، وابن تيمية، وابن القيِّم، وابن عثيمين [القوانين الفقهية لابن جزي ص31، المجموع للنووي 2\347، الاختيارات الفقهية لابن تيمية ص30، المجموع للنووي 2\386، زاد المعاد لابن القيم 5\736، مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 11\270-271]، أما القول الثاني فهو قولهم أنها تحيض، وهذا قول الحنفية، والحنابلة، وقول طائفة أُخرى من السلف، وابن المنذر، وابن حزم، وفتوى اللجنة الدائمة [البحر الرائق لابن نجيم 1\201، المُغني لابن قدامة 1\261، الإشراف لابن المنذر 1\365، المحلى لابن حزم 1\404، فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى 5\392].
الاستحاضة معناها وأحكامها
معنى الاستحاضة
الاستحاضة لغةً: هي أن يستمر خروج الدم من المرأة بشكل لم تعتاد عهي عليه بعد انتهاء أيام حيضها، والسبب هو عرقٌ في الرحم يُسمُّونه العاذِل، حيث أنه يختلف عن عرق الحيض الذي يسبب دم الحيض المعروف، فتقول العرب اسْتُحيضَت، فهي مستحاضة، من استفعال [المصباح المنير للفيومي 1\159]، أما الاستحاضة اصطلاحاً: هو سيلان وخروج الدم من أدنى الرحم دون قعره، وذلك في غير وقته المعتاد، كما إنه يتَّصف برائحته الغير كريهة وغير المنتنة، ويكون رقيقاً ليس بثخين، ويتخثر ويتجمد إذا ظهر [روضة الطالبين للنووي 1\137، شرح العمدة لابن تيمية 1\499].
أحكام الاستحاضة
- الاختلاف بين حكم الاستحاضة وحكم الحيض: أجمع العلماء قاطبةً أنَّ حكم دم الاستحاضة لا يأخذ نفس حكم دم الحيض، فدم الاستحاضة لا يمنع الأمور التي يمنعها دم الحيض، الصلاة والصيام وغيرهما، وقد نقل هذا الإجماع مجموعة من العلماء، كابن جريرٍ، وابن المنذر، وابن عبد البر، وغيرهم [المجموع للنووي 2\542، الأوسط لابن المنذر 2\345، التمهيد لابن عبد البر 16\68].
- الاستنجاء: لا توجب الاستحاضة على المرأة أن تستنجي عند كل صلاة، وذلك لعدَّة أسباب، أولها أنه مهما أزالت الحدث فإنه لن يزول بسبب استمرار نزول الدم، فلا معنى لإزالته، وثانيا للتيسير على المسلمين في عباداتهم وإزالة المشقَّة عنهم، لأنه من غير الممكن التحرُّز من هذا الحدث -وهو الدم- [مواهب الجليل للحطاب (1\205)، مغني المحتاج للشربيني (1\112)، فتح الباري لابن رجب (1\446)، لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين (اللقاء رقم 214)].
- الوضوء للمستحاضة: لا يشترط الشرع على المرأة المستحاضة أن تتوضأ عند كل صلاة، وهذا قول المالكية، والظاهرية، وبعض أقوال السلف، وأخذ بهذا الرأي الشيخ ابن عثيمين [حاشية الدسوقي 1\117، شرح النووي على مسلم 4\18، فتح الباري 1\450، السيل الجرار للشوكاني ص63، لقاء الباب المفتوح لابن عثيمين اللقاء رقم 214].
- حكم تحفُّظ المستحاضة من الدم: أوجب جمهور العلماء -الحنفية، والشافعية، والحنابلة- على المرأة التحفظ من الدم حتى لا ينزل على الثياب، أو على الأرض، وقد استدلوا بالحديث الذي صححه الإمام أحمد، وحسَّنه البخاري، عن حمنة بنت جحشٍ رضي الله عنها، أنها قالت: “يا رسولَ الله، إنِّي أُستحاضُ حيضةً كبيرةً شديدةً؛ فما ترى فيها، قدْ منعَتْني الصَّلاةَ والصِّيام؟ فقال: أنعَتُ لك الكُرْسفَ”، والكُرْسُف هو القطن، أي أن تضع القطن على مكان نزول الدم حتى يمنعه، وهذا أقل ما يمكن فعله للتحرُّز من النجاسة، فهو واجب [البحر الرائق لابن نجيم 1\227، المجموع للنووي 2\533، الشرح الكبير لابن قدامة 1\354].
- حكم الاغتسال للمستحاضة: المرأة المستحاضة لا يجب عليها الغُسل لأجل الصلاة، وإنما يجب عليها الغسل عند انتهاء وقت الحيض الذي بيَّناه سابقاً، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة على هذا الحُكم، وقد استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش من حديث عائشة رضي الله عنها: “أنَّ فاطمةَ بنتَ أبي حُبيشٍ كانت تُستحاضُ، فسألتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ذلكِ عِرقٌ، وليستْ بالحيضةِ؛ فإذا أقبلتِ الحيضةُ، فدَعي الصَّلاةَ، وإذا أدبَرَتْ فاغتَسلي وصلِّي” [البخاري 320] [الذخيرة للقرافي 1\389].
- حكم وطء المستحاضة: قال جمهور العلماء بأن الزوج يجوز له وطء زوجته إذا كان مستحاضة، واختار هذا القول أيضاً ابن حزمٍ الظاهريُّ [نقل قول الجمهور ابن قدامة في كتابه المغني 1\246، المحلى لابن حزم 1\422].
أحكام الطُّهر من الحيض
أكثر الطُّهر
المقصود بأكثر الطُّهر هو أن تبقى المرأة طاهرة ولا تأتيها عادتها الشهرية -الحيض- لفترات متبعادة، مثلاً لعدَّة شهورٍ أو سنين، في هذه الحالة قال العلماء إجماعاً على أن الطُّهر عند المرأة لا حد له، أي أنها تبقى طاهرةً مهمى استمرَّ انقطاع الحيض عنها، وحكمها كحكم المرأة الطاهرة، وقد نقل هذا الإجماع عدد من العلماء [بدائع الصَّنائع للكاساني 1\40، المجموع للنووي 2\380، مجموع الفتاوى لابن تيمية 19\238، أضواء البيان للشيخ الشنقيطي 2\229].
أقلُّ الطُّهر
المقصود به هو أقل فترة من الممكن أن تبقى بها المرأة طاهرة، وقد جاءت أقوال العلماء على عدة آراء، منهم من قال أن أقل الطهور عشرة أيام، وهو قول مالك، وأما أبو حنيفة فقد قال أن أقله خمسة عشر يوماً، ومنهم من قال أن أقل الطهور لا حد له، أي أنه من الممكن أن تبقى المرأة في حيضها لفترات طويلة [المحلى بالآثار لابن حزم 1\410-411، الإنصاف للمرداوي 1\257، الأوسط لابن المنذر2\383، مجموع الفتاوى لابن تيمية 19\237].
علامات طُهْر المرأة
هناك علامتان تدلان على أن المرأة قد طهُرت واستكملت أيام حيضها.
- القَصَّةُ البيضاء، وهي شيءٌ كالخيط الأبيض يخرج من الرحم عند انتهاء الحيض وانقطاع كل الدم [النهاية لابن الأثير 4\71، الشرح الممتع لابن عثيمين 1\498]، فقد اتفقت المذاهب الفقهية الأربعة على أن المرأة إذا رأت هذه القَصَّة البيضاء فهذا يعني أنها قد طَهُرت من حيضها وجاز لها الاغتسال لتبدأ الصلاة والصيام كأي امرأةٍ طاهرة، وقد استدل العلماء بالحديث الذي رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (320)، عن عَلقمةَ بن أبي علقمةَ، عن أمِّه، مولاةِ عائشةَ أمِّ المؤمنين، أنَّها قالت: “كان النِّساءُ يَبعثنَ إلى عائشةَ أمِّ المؤمنينَ بالدِّرَجةِ فيها الكُرْسُف، فيه الصُّفرةُ من دمِ الحيضة، يسألْنَها عن الصَّلاةِ، فتقول لهنَّ: لا تعجلْنَ حتَّى ترينَ القَصَّة البيضاءَ” [فتح القدير للكمال ابن الهمام 1\163، الذخيرة للقرافي 1\381، كتاب الأم للشافعي 1\84، المبدع لابن مفلح الحفيد 1\253].
- الجفوف، أو الجفاف، ومكن تحديد هذه العلامة عندما تُدخل المرأة الحائض الخرقة من القماش في فرجها وتخرجها جافة، فهذا يعني أنها طهرت، وهذا باتفاق المذاهب الأربعة [حاشية ابن عابدين 1\289، الاستذكار لابن عبد البر 1\325، المجموع للنووي 2\543، الإقناع للحجاوي 1\68].
حكم الغُسل بعد انتهاء الحيض
أجمع العلماء قاطبةً على أن الغُسل بعد انتهاء الحيض واجب على كل امرأة، ولا تصح الصلاة إلا به، وقد نقل الإجماع هذا عدد من العلماء [تفسير الطبري 3\735، الأوسط لابن المنذر 1\225، المحلى لابن حزم 1\400، المجموع للنووي 2\148].