تفاصيل صلح الحديبية الكاملة

تفاصيل صلح الحديبية الكاملة

يعد صلح الحديبية من الدلائل الهامة على الفتح الأعظم والنصر الذي أيّد به المسلمين، فالله تعالى أعزّ الإسلام بصلح الحديبية، وحقق هدف النبي صلى الله عليه وسلم في نشر الدين الاسلامي.

يتحدث هذا المقال عن صلح الحديبية، ويشمل:

  • التعريف بصلح الحديبية، وأسبابه.
  • وقت صلح الحديبية.
  • قصة وأحداث صلح الحديبية.
  • سبب تسمية صلح الحديبية بالفتح المبين.

ما هو صلح الحديبية؟

هو الصلح أو الهدنة التي عقدت في شهر شوال من العام السادس للهجرة بين المسلمين وبين قريش؛ لعقد هدنة بين الطرفين مدتها عشر سنوات.

متى تم صلح الحديبية؟

تمّ صلح الحديبية في شهر ذي القعدة في السنة السادسة للهجرة.

إعلان السوق المفتوح

أسباب صلح الحديبية

تمثلت أسباب حدوث صلح الحديبية في خروج النبي صلى الله عليه وسلم لأداء مناسك العمرة، ومفاوضات قريش مع النبي صلى الله عليه وسلم، وبيعة الرّضوان.

خروج النبي لأداء مناسك العمرة

رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو بالمدينة المنورة، أنه دخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأخذ مفتاح الكعبة، وطافوا واعتمروا، وحلق بعضهم وقصّر بعضهم الآخر شعره، فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا، وحسبوا أنهم دخلوا مكة في عامهم ذلك، وأخبر أصحابه من المهاجرين والأنصار والأعراب أنه معتمر فتجهزوا للسفر، وبلغ عددهم ما يقارب ألف وخمسمائة، وجعل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- نميلة بن عبد الله الليثي خليفًة على المدينة المنورة في غيابه، وكان ذلك بعد التطور الي حدث في الجزيرة العربية، ونجاح الفتح الإسلامي والدعوة الإسلامية، فقد جاءت هذه العمرة من أجل إعطاء المسلمين حقهم في أداء العمرة وعبادتهم في المسجد الحرام.

مفاوضات قريش مع النبي

بعثت قريش إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكمًا يثقون به، وهو عروة بن مسعود الثقفي، فأخبره أن قريش قد استعدت لقتاله، وتعاهدوا على عدم دخوله، فرّد عليه أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- ردًا قاسيًا، فسأل عنه وتغاضى عن رده.

بعدما رأى عروة محبة الصحابة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاد إلى قريش فقال لهم:” يا معشر قريش، إني قد جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه، لقد رأيت قوما لا يسلمونه لشيء أبدا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، فإني لكم ناصح.”

إرسال عثمان بن عفان والرسل بين الطرفين

أرسل النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ليكون رسولًا ما بين المسلمين وقريش ليخبرهم بنيّة قدومهم إلى مكة المكرمة؛ حفاظًا منه على حرمة الكعبة المكرمة وإيثار السّلام على الحرب، فقد بعثت النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بدلًا من خراش بن أمية الخزاعي؛ لأنّ قريش قابلته بالرّفض وعقروا له البعير وحاولوا قتله لولا أن صدّتهم الأحابيش، وبدلًا من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي اعتذر عن الذّهاب لقريش.

ذهب عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- إلى أبي سفيان وغيره من كبار قريش، فلما خرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي، فذهب معه إليهم وأجاره حتى يوصل رسالته فقالوا عندها لعثمان: “إن شئت أن تطوف بالبيت فطف. فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم.” بعد ذلك احتبسته قريش عندها، ووصل بلاغ لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل.

بيعة الرضوان

بعد أن وصلت إشاعة مقتل عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- للرسول صلى الله عليه وسلم، عزم النبي عليه الصلاة والسلام على قتالهم، فدعا المسلمين إلى مبايعته تحت الشجرة التي تدعى (سمرة)، فاجتمع المسلمون عندها وبايع البعض منهم الرسول صلى الله عليه وسلم على الموت وبعضهم على عدم الهروب، ولم يخلّف عن هذه المبايعة سوى الجدّ بن قيس.

سميّت هذه البيعة ببيعة الرضوان؛ لأنّ الله عز وجل قال عنهم: {لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}(سورة الفتح: 18). إلا أنه بعد أن استعد المسلمين لمواجهة قريش وقتالهم وصل لهم خبر عدم مقتل عثمان بن عفّان -رضي الله عنه- ومن ثمّ تحققت رغبة النبي عليه الصلاة والإسلام بعدم سفك الدماء.

قصة وأحداث صلح الحديبية

رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام أنّه قد دخل مكة المكرمة مع المسلمين معتمرًا، فبشر الصحابة بذلك و تحمسوا للرجوع لمكة بعد أن غابوا عنها لست سنوات، فقصد النبي عليه الصلاة والسلام مكة في شهر ذي القعدة في السنة السادسة للهجرة، ثمّ أحرم النبي بالعمرة ليبيّن للناس أنه قد خرج إلى مكة المكرمة ليزور البيت سائقًا معه سبعين بدنة، مصطحبًا معه ألف أربعمائة أو أكثر من أصحابه، فلا زالت في هذه الفترة الحرب قائمة ما بين الفريقين ولم تنس غزوها للمدينة المنورة بعشرة آلاف من الأحزاب، مع أنّه كان عدد المسلمين قليل وغير متهيئين للقتال ولا يملكون السلاح.

عندما علمت قريش بذلك عزمت على الوقوف في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين، واستنفرت حلفائها من الأحابيش، وقادت خيلها من خلال خالد بن الوليد إلى كراع الغميم؛ لمنع الرسول والمسلمين من دخول مكة المكرمة بقوة السلاح. استشار النبي أصحابه في مهاجمة قريش وأخذ النبي برأي أبو بكر الصديق بمقاتلة من يقاتلونهم فقط، وليثبت النبي حسن نيته لقريش أنه يريد الأمن لا القتال فسلك طريقًا وعرًا من بين الشعاب أدى بجيش المسلمين إلى الحديبية، ورآهم خالد بن الوليد وذهب ليخبر قريش. يدلنا هذا على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعظيم حرمات الله، وترك القتال في الحرم، وحقن الدماء أن تسفك في الشهر الحرام، فأعلن استعداده للتفاوض مع قريش، والموافقة في سبيل ذلك إلى أبعد الحدود.

بينما هم كذلك، جاءهم بُدَيْل بن وَرْقاء الخزاعي رضي الله عنه وذلك قبل إسلامه، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تصميم قريش على صدهم عن البيت ومقاتلتهم، فأخبره النبي عليه الصلاة والسلام أنه لم يأتي للقتال وإنما جاء هو والمسلمين من أجل أداء العمرة وقال صلى الله عليه وسلم: “إنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أحَدٍ، ولَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وإنَّ قُرَيْشًا قدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ وأَضَرَّتْ بهِمْ، فإنْ شَاؤُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، ويُخَلُّوا بَيْنِي وبيْنَ النَّاسِ، فإنْ أظْهَرْ: فإنْ شَاؤُوا أنْ يَدْخُلُوا فِيما دَخَلَ فيه النَّاسُ فَعَلُوا، وإلَّا فقَدْ جَمُّوا، وإنْ هُمْ أبَوْا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ علَى أمْرِي هذا حتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، ولَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أمْرَهُ.”[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].

اقرأ أيضاً:  أذكار المساء مكتوبة

وفيما يلي أحداث صلح الحديبية في الحديث الشريف الذي رواه المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم كما جاء في صحيح البخاري:

  • الجزء الأول من الحديث: عن المسوّر بن مخرمة قال: “خَرَجَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ زَمَنَ الحُدَيْبِيَةِ، حتَّى إذَا كَانُوا ببَعْضِ الطَّرِيقِ قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ بالغَمِيمِ في خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةٌ، فَخُذُوا ذَاتَ اليَمِينِ.” [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].
  • الجزء الثاني من الحديث: “فَوَاللَّهِ ما شَعَرَ بهِمْ خَالِدٌ حتَّى إذَا هُمْ بقَتَرَةِ الجَيْشِ، فَانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وسَارَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى إذَا كانَ بالثَّنِيَّةِ الَّتي يُهْبَطُ عليهم منها بَرَكَتْ به رَاحِلَتُهُ، فَقالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ، فألَحَّتْ، فَقالوا: خَلَأَتِ القَصْوَاءُ، خَلَأَتِ القَصْوَاءُ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما خَلَأَتِ القَصْوَاءُ، وما ذَاكَ لَهَا بخُلُقٍ، ولَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ، ثُمَّ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إلَّا أعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا.” [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].
  • الجزء الثالث من الحديث: “ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ، قالَ: فَعَدَلَ عنْهمْ حتَّى نَزَلَ بأَقْصَى الحُدَيْبِيَةِ علَى ثَمَدٍ قَلِيلِ المَاءِ، يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يُلَبِّثْهُ النَّاسُ حتَّى نَزَحُوهُ، وشُكِيَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَطَشُ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِن كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ، فَوَاللَّهِ ما زَالَ يَجِيشُ لهمْ بالرِّيِّ حتَّى صَدَرُوا عنْه” [صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].
  • الجزء الرابع من الحديث: “فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ إذْ جَاءَ بُدَيْلُ بنُ ورْقَاءَ الخُزَاعِيُّ في نَفَرٍ مِن قَوْمِهِ مِن خُزَاعَةَ، وكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أهْلِ تِهَامَةَ، فَقالَ: إنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بنَ لُؤَيٍّ وعَامِرَ بنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أعْدَادَ مِيَاهِ الحُدَيْبِيَةِ، ومعهُمُ العُوذُ المَطَافِيلُ، وهُمْ مُقَاتِلُوكَ وصَادُّوكَ عَنِ البَيْتِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أحَدٍ، ولَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وإنَّ قُرَيْشًا قدْ نَهِكَتْهُمُ الحَرْبُ وأَضَرَّتْ بهِمْ، فإنْ شَاؤُوا مَادَدْتُهُمْ مُدَّةً، ويُخَلُّوا بَيْنِي وبيْنَ النَّاسِ، فإنْ أظْهَرْ: فإنْ شَاؤُوا أنْ يَدْخُلُوا فِيما دَخَلَ فيه النَّاسُ فَعَلُوا، وإلَّا فقَدْ جَمُّوا، وإنْ هُمْ أبَوْا، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ علَى أمْرِي هذا حتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، ولَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أمْرَهُ، فَقالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهُمْ ما تَقُولُ. قالَ: فَانْطَلَقَ حتَّى أتَى قُرَيْشًا، قالَ: إنَّا قدْ جِئْنَاكُمْ مِن هذا الرَّجُلِ وسَمِعْنَاهُ يقولُ قَوْلًا، فإنْ شِئْتُمْ أنْ نَعْرِضَهُ علَيْكُم فَعَلْنَا، فَقالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لا حَاجَةَ لَنَا أنْ تُخْبِرَنَا عنْه بشَيءٍ، وقالَ ذَوُو الرَّأْيِ منهمْ: هَاتِ ما سَمِعْتَهُ يقولُ، قالَ: سَمِعْتُهُ يقولُ كَذَا وكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بما قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَامَ عُرْوَةُ بنُ مَسْعُودٍ فَقالَ: أيْ قَوْمِ، ألَسْتُمْ بالوَالِدِ؟ قالوا: بَلَى، قالَ: أوَلَسْتُ بالوَلَدِ؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فَهلْ تَتَّهِمُونِي؟ قالوا: لَا، قالَ: ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنِّي اسْتَنْفَرْتُ أهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلَيَّ جِئْتُكُمْ بأَهْلِي ووَلَدِي ومَن أطَاعَنِي؟ قالوا: بَلَى، قالَ: فإنَّ هذا قدْ عَرَضَ لَكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ، اقْبَلُوهَا ودَعُونِي آتِيهِ، قالوا: ائْتِهِ، فأتَاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَحْوًا مِن قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ”.[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].
  • الجزء الخامس من الحديث: “فَقالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذلكَ: أيْ مُحَمَّدُ، أرَأَيْتَ إنِ اسْتَأْصَلْتَ أمْرَ قَوْمِكَ، هلْ سَمِعْتَ بأَحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتَاحَ أهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وإنْ تَكُنِ الأُخْرَى، فإنِّي واللَّهِ لَأَرَى وُجُوهًا، وإنِّي لَأَرَى أوْشَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أنْ يَفِرُّوا ويَدَعُوكَ، فَقالَ له أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: امْصُصْ ببَظْرِ اللَّاتِ، أنَحْنُ نَفِرُّ عنْه ونَدَعُهُ؟! فَقالَ: مَن ذَا؟ قالوا: أبو بَكْرٍ، قالَ: أمَا والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَوْلَا يَدٌ كَانَتْ لكَ عِندِي لَمْ أجْزِكَ بهَا لَأَجَبْتُكَ، قالَ: وجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَكُلَّما تَكَلَّمَ أخَذَ بلِحْيَتِهِ، والمُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ علَى رَأْسِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومعهُ السَّيْفُ وعليه المِغْفَرُ، فَكُلَّما أهْوَى عُرْوَةُ بيَدِهِ إلى لِحْيَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بنَعْلِ السَّيْفِ، وقالَ له: أخِّرْ يَدَكَ عن لِحْيَةِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ، فَقالَ: مَن هذا؟ قالوا: المُغِيرَةُ بنُ شُعْبَةَ، فَقالَ: أيْ غُدَرُ، ألَسْتُ أسْعَى في غَدْرَتِكَ؟! وكانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا في الجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ، وأَخَذَ أمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فأسْلَمَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا الإسْلَامَ فأقْبَلُ، وأَمَّا المَالَ فَلَسْتُ منه في شَيءٍ. ثُمَّ إنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أصْحَابَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَيْنَيْهِ، قالَ: فَوَاللَّهِ ما تَنَخَّمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نُخَامَةً إلَّا وقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ منهمْ، فَدَلَكَ بهَا وجْهَهُ وجِلْدَهُ، وإذَا أمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وإذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ علَى وَضُوئِهِ، وإذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وما يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا له، فَرَجَعَ عُرْوَةُ إلى أصْحَابِهِ، فَقالَ: أيْ قَوْمِ، واللَّهِ لقَدْ وفَدْتُ علَى المُلُوكِ، ووَفَدْتُ علَى قَيْصَرَ، وكِسْرَى، والنَّجَاشِيِّ، واللَّهِ إنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أصْحَابُهُ ما يُعَظِّمُ أصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُحَمَّدًا؛ واللَّهِ إنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إلَّا وقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ منهمْ، فَدَلَكَ بهَا وجْهَهُ وجِلْدَهُ، وإذَا أمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وإذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ علَى وَضُوئِهِ، وإذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وما يُحِدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا له، وإنَّه قدْ عَرَضَ علَيْكُم خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا. فَقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي كِنَانَةَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقالوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أشْرَفَ علَى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَصْحَابِهِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا فُلَانٌ، وهو مِن قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ البُدْنَ، فَابْعَثُوهَا له فَبُعِثَتْ له، واسْتَقْبَلَهُ النَّاسُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذلكَ قالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! ما يَنْبَغِي لِهَؤُلَاءِ أنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ، فَلَمَّا رَجَعَ إلى أصْحَابِهِ، قالَ: رَأَيْتُ البُدْنَ قدْ قُلِّدَتْ وأُشْعِرَتْ، فَما أَرَى أنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ. فَقَامَ رَجُلٌ منهمْ يُقَالُ له: مِكْرَزُ بنُ حَفْصٍ، فَقالَ: دَعُونِي آتِيهِ، فَقالوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أشْرَفَ عليهم، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: هذا مِكْرَزٌ، وهو رَجُلٌ فَاجِرٌ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبيْنَما هو يُكَلِّمُهُ إذْ جَاءَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو. قالَ مَعْمَرٌ: فأخْبَرَنِي أيُّوبُ، عن عِكْرِمَةَ: أنَّه لَمَّا جَاءَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِن أمْرِكُمْ”.[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].
  • الجزء السادس من الحديث: “قالَ مَعْمَرٌ: قالَ الزُّهْرِيُّ في حَديثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو، فَقالَ: هَاتِ اكْتُبْ بيْنَنَا وبيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَاتِبَ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالَ سُهَيْلٌ: أمَّا الرَّحْمَنُ، فَوَاللَّهِ ما أدْرِي ما هو، ولَكِنِ اكْتُبْ «باسْمِكَ اللَّهُمَّ» كما كُنْتَ تَكْتُبُ، فَقالَ المُسْلِمُونَ: واللَّهِ لا نَكْتُبُهَا إلَّا «بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبْ «باسْمِكَ اللَّهُمَّ»، ثُمَّ قالَ: هذا ما قَاضَى عليه مُحَمَّدٌ رَسولُ اللَّهِ، فَقالَ سُهَيْلٌ: واللَّهِ لو كُنَّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسولُ اللَّهِ ما صَدَدْنَاكَ عَنِ البَيْتِ، ولَا قَاتَلْنَاكَ، ولَكِنِ اكْتُبْ «مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ»، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: واللَّهِ إنِّي لَرَسولُ اللَّهِ، وإنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ «مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ» -قالَ الزُّهْرِيُّ: وذلكَ لِقَوْلِهِ: لا يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللَّهِ إلَّا أعْطَيْتُهُمْ إيَّاهَا- فَقالَ له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: علَى أنْ تُخَلُّوا بيْنَنَا وبيْنَ البَيْتِ، فَنَطُوفَ به، فَقالَ سُهَيْلٌ: واللَّهِ لا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أنَّا أُخِذْنَا ضُغْطَةً، ولَكِنْ ذلكَ مِنَ العَامِ المُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقالَ سُهَيْلٌ: وعلَى أنَّه لا يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ وإنْ كانَ علَى دِينِكَ إلَّا رَدَدْتَهُ إلَيْنَا، قالَ المُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! كيفَ يُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟! فَبيْنَما هُمْ كَذلكَ إذْ دَخَلَ أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلِ بنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ في قُيُودِهِ، وقدْ خَرَجَ مِن أسْفَلِ مَكَّةَ حتَّى رَمَى بنَفْسِهِ بيْنَ أظْهُرِ المُسْلِمِينَ، فَقالَ سُهَيْلٌ: هذا -يا مُحَمَّدُ- أوَّلُ ما أُقَاضِيكَ عليه أنْ تَرُدَّهُ إلَيَّ، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ، قالَ: فَوَاللَّهِ إذًا لَمْ أُصَالِحْكَ علَى شَيءٍ أبَدًا، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فأَجِزْهُ لِي، قالَ: ما أنَا بمُجِيزِهِ لَكَ، قالَ: بَلَى فَافْعَلْ، قالَ: ما أنَا بفَاعِلٍ، قالَ مِكْرَزٌ: بَلْ قدْ أجَزْنَاهُ لَكَ، قالَ أبو جَنْدَلٍ: أيْ مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ، أُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، ألَا تَرَوْنَ ما قدْ لَقِيتُ؟! وكانَ قدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا في اللَّهِ، قالَ: فَقالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: فأتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقُلتُ: ألَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: إنِّي رَسولُ اللَّهِ، ولَسْتُ أعْصِيهِ، وهو نَاصِرِي، قُلتُ: أوَليسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ فَنَطُوفُ بهِ؟ قالَ: بَلَى، فأخْبَرْتُكَ أنَّا نَأْتِيهِ العَامَ؟ قالَ: قُلتُ: لَا، قالَ: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به، قالَ: فأتَيْتُ أبَا بَكْرٍ فَقُلتُ: يا أبَا بَكْرٍ، أليسَ هذا نَبِيَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: ألَسْنَا علَى الحَقِّ وعَدُوُّنَا علَى البَاطِلِ؟ قالَ: بَلَى، قُلتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنَا إذًا؟ قالَ: أيُّها الرَّجُلُ، إنَّه لَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وليسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وهو نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بغَرْزِهِ؛ فَوَاللَّهِ إنَّه علَى الحَقِّ، قُلتُ: أليسَ كانَ يُحَدِّثُنَا أنَّا سَنَأْتي البَيْتَ ونَطُوفُ بهِ؟ قالَ: بَلَى، أفَأَخْبَرَكَ أنَّكَ تَأْتِيهِ العَامَ؟ قُلتُ: لَا، قالَ: فإنَّكَ آتِيهِ ومُطَّوِّفٌ به. قالَ الزُّهْرِيُّ: قالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذلكَ أعْمَالًا. قالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِن قَضِيَّةِ الكِتَابِ، قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا، قالَ: فَوَاللَّهِ ما قَامَ منهمْ رَجُلٌ حتَّى قالَ ذلكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ منهمْ أحَدٌ دَخَلَ علَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا ما لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، أتُحِبُّ ذلكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ كَلِمَةً، حتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا منهمْ حتَّى فَعَلَ ذلكَ؛ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذلكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا، وجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا، ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} حتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: 10]، فَطَلَّقَ عُمَرُ يَومَئذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا له في الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ إحْدَاهُما مُعَاوِيَةُ بنُ أبِي سُفْيَانَ، والأُخْرَى صَفْوَانُ بنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أبو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ وهو مُسْلِمٌ، فأرْسَلُوا في طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَقالوا: العَهْدَ الذي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إلى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجَا به حتَّى بَلَغَا ذَا الحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِن تَمْرٍ لهمْ، فَقالَ أبو بَصِيرٍ لأحَدِ الرَّجُلَيْنِ: واللَّهِ إنِّي لَأَرَى سَيْفَكَ هذا يا فُلَانُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقالَ: أجَلْ، واللَّهِ إنَّه لَجَيِّدٌ، لقَدْ جَرَّبْتُ به، ثُمَّ جَرَّبْتُ، فَقالَ أبو بَصِيرٍ: أَرِنِي أنْظُرْ إلَيْهِ، فأمْكَنَهُ منه، فَضَرَبَهُ حتَّى بَرَدَ، وفَرَّ الآخَرُ حتَّى أتَى المَدِينَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ يَعْدُو، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ رَآهُ: لقَدْ رَأَى هذا ذُعْرًا، فَلَمَّا انْتَهَى إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: قُتِلَ واللَّهِ صَاحِبِي وإنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أبو بَصِيرٍ فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، قدْ -واللَّهِ- أوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ؛ قدْ رَدَدْتَنِي إليهِم، ثُمَّ أنْجَانِي اللَّهُ منهمْ، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ويْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ! لو كانَ له أحَدٌ. فَلَمَّا سَمِعَ ذلكَ عَرَفَ أنَّه سَيَرُدُّهُ إليهِم، فَخَرَجَ حتَّى أتَى سِيفَ البَحْرِ، قالَ: ويَنْفَلِتُ منهمْ أبو جَنْدَلِ بنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بأَبِي بَصِيرٍ، فَجَعَلَ لا يَخْرُجُ مِن قُرَيْشٍ رَجُلٌ قدْ أسْلَمَ إلَّا لَحِقَ بأَبِي بَصِيرٍ، حتَّى اجْتَمعتْ منهمْ عِصَابَةٌ، فَوَاللَّهِ ما يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إلى الشَّأْمِ إلَّا اعْتَرَضُوا لَهَا، فَقَتَلُوهُمْ وأَخَذُوا أمْوَالَهُمْ، فأرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلى النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تُنَاشِدُهُ باللَّهِ والرَّحِمِ، لَمَّا أرْسَلَ، فمَن أتَاهُ فَهو آمِنٌ، فأرْسَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} حتَّى بَلَغَ {الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 24 – 26]، وكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أنَّه نَبِيُّ اللَّهِ، ولَمْ يُقِرُّوا بـ«بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»، وحَالُوا بيْنَهُمْ وبيْنَ البَيْتِ”[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].
اقرأ أيضاً:  كيف مات النمرود

شروط و بنود صلح الحديبية

وردت شروط و بنود صلح الحديبية في كتب السيرة النبوية على النحو التالي:

  • أن تخرج قريش عن النبي صلى الله عليه وسلم في العام القابل عن الحرم فيعتمر ويدخل مكة بأصحابه.
  • أن لا يخرج من مكة بأحد من أهلها إن أراد أن يتبعه .
  • أن لا يكون معه في دخوله مكة غير سلاح الراكب وتكون السيوف في القرب.
  • أن لا يمنع أحدا من أصحابه إن أراد البقاء بمكة والإقامة فيها .
  • أن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه .
  • أن من آمن وأتى النبي صلى الله عليه وسلم دون إذن وليه رده ، ومن أتى قريشاً ممن كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يردوه عليه .
  • أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة عامه ذاك فلا يدخلها. 
  • أنه لا إسلال (لا سرقة) ولا إغلال ولا خيانة.
  • وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض .

عن أنس بن مالك – رضي الله عنه- قال: “أنَّ قُرَيْشًا صَالَحُوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فيهم سُهَيْلُ بنُ عَمْرٍو، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ لِعَلِيٍّ: اكْتُبْ، بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا باسْمِ اللهِ، فَما نَدْرِي ما بسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَكِنِ اكْتُبْ ما نَعْرِفُ باسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَقالَ: اكْتُبْ مِن مُحَمَّدٍ رَسولِ اللهِ، قالوا: لو عَلِمْنَا أنَّكَ رَسولُ اللهِ لَاتَّبَعْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبِ اسْمَكَ وَاسْمَ أَبِيكَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اكْتُبْ مِن مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ، فَاشْتَرَطُوا علَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أَنْ مَن جَاءَ مِنكُم لَمْ نَرُدَّهُ علَيْكُم، وَمَن جَاءَكُمْ مِنَّا رَدَدْتُمُوهُ عَلَيْنَا، فَقالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَنَكْتُبُ هذا؟ قالَ: نَعَمْ، إنَّه مَن ذَهَبَ مِنَّا إليهِم فأبْعَدَهُ اللَّهُ، وَمَن جَاءَنَا منهمْ سَيَجْعَلُ اللَّهُ له فَرَجًا وَمَخْرَجًا.”[صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدّث: صحيح].

اقرأ أيضاً:  ما حكم إزالة شعر الوجه

كتابة صلح الحديبية

بعد أن اتفق الرسول -صلى الله عليه وسلم- على بنود الصلح مع قريش، طلب من علي بن أبي طالب بتسجيل وتوثيق هذا الصلح في صحيفة تكون بين الدولتين يوقع عليها الطرفان، ويعترف بها في الجزيرة العربية بكاملها، وبدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- الجلوس مع سهيل بن عمرو لكتابة الصحيفة، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أمّي لا يكتب ولا يقرأ، فالذي كان يكتب المعاهدة هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، والذي يملي عليه الكلمات هو رسول صلى الله عليه وسلم.

النص الكامل لصلح الحديبية   

استدعى النبي -صلى الله عليه وسلم- عليّاً بن أبي طالب ليكتبَ، فقال: “(كتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ)، فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو:لا نعرِفُ الرَّحمنَ الرَّحيمَ، اكتُبْ باسمِك اللَّهمَّ، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعليٍّ: (اكتُبْ هذا ما صالَح عليه محمَّدٌ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، فقال سُهيلُ بنُ عمرٍو: لو نعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ لاتَّبَعْناك ولم نُكذِّبْك اكتُبْ بنَسَبِك مِن أبيك، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِعليٍّ: (اكتُبْ محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ) فكتَب: مَن أتى منكم ردَدْناه عليكم ومَن أتى منَّا ترَكْناه عليكم، فقالوا: يا رسولَ اللهِ نُعطيهم هذا؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (مَن أتاهم منَّا فأبعَده اللهُ، ومَن أتانا منهم فردَدْناه جعَل اللهُ له فرَجًا ومخرَجًا).”

 مدة صلح الحديبية

كانت مدة صلح الحديبية ما بين المسلمين وقريش 10 سنوات، إلا أنّ قريش نقضت الصلح لما اتفقت مع بني بكر على قتال بني خزاعة وغدرهم؛ إذ كان بين قبيلة بني بكر وبني خزاعة ثأر قديم، وعداوة ممتدة من أيام الجاهلية، فانتهز بنو بكر انشغال المسلمين بالدعوة، وهاجموا بني خزاعة ليلًا عند بئر لهم وقتلوا منهم ثلاثًا وعشرين نفسًا، وعندما طلب أبو سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم تجديد الصلح رفض طلبهم.

نتائج صلح الحديبية

أشارت أم سلمة -رضي الله عنها- بأن يبدأ أولًا بالنّحر، وبحلق شعره، ففعل ثمّ أشار على القوم أن يفعلوا مثلما فعل فنفّذوا أمره، وعندما عادوا إلى المدينة، جاءت نسوة مهاجرات بدينهنّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرددهنّ امتثالًا لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِۖ}(سورة الممتحنة: 10).

وترتب على صلح الحديبية إلى النتائج التالية:

  • توقيع قريش على المعاهدة.
  • الاعتراف بوجود الدولة الإسلامية مع تأثر القبائل الموالية لقريش بذلك.
  • كسر أشواك المشركين والمنافقين وغرورهم.
  • وعي المشركين ومعرفتهم بشرف الإسلام.
  • انتشار الدعوة وتوسعها مما أدى إلى دخول الكثيرين في الإسلام.
  • انشغل المسلمون باليهود بعد أن أمّنوا جانب قريش مما أدى إلى غزوة خيبر بعد معاهدة السلام.
  • وعي حلفاء قريش بما يريده المسلمون أثناء المفاوضات، بأنهم أرادوا أداء مناسك العمرة لا القتال.
  • هذه المصالحة مهدت الطريق للدعوة خارج الجزيرة العربية، حيث استعد صلى الله عليه وسلم بعدها لمعركة مؤتة.
  • استغلال الرسول صلى الله عليه وسلم فترة السلام بإرسال الرسائل إلى ملوك الفرس والرومان والأقباط ؛ لدعوتهم إلى الإسلام.

سبب تسمية صلح الحديبية بالفتح المبين

سمي صلح الحديبية بالفتح المبين بعدما استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لمشورة أم سلمة في تحليق رأسه والذبح وأمر  المسلمين بذلك ، فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة الفتح على النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا *هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا * وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} – إلى آخر الآيات (سورة الفتح: 1-6).ثمّ انقلب حزنهم إلى فرح، وأدركوا أنّ الخير كلّه في التسليم لأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم، وفرّج الله عنهم في هذه السورة كلّ همومهم بما احتوت من البشارة لهم بالفتح والنصر والرضا، فعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– قال: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَسِيرُ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَسِيرُ معهُ لَيْلًا، فَسَأَلَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عن شَيءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، وقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يا عُمَرُ! نَزَرْتَ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذلكَ لا يُجِيبُكَ، قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أمَامَ المُسْلِمِينَ، وخَشِيتُ أنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ، فَما نَشِبْتُ أنْ سَمِعْتُ صَارِخًا يَصْرُخُ بي، قَالَ: فَقُلتُ: لقَدْ خَشِيتُ أنْ يَكونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ، وجِئْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَسَلَّمْتُ عليه، فَقَالَ: لقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ، لَهي أحَبُّ إلَيَّ ممَّا طَلَعَتْ عليه الشَّمْسُ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}”[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].

مقالات مشابهة

كيف مات سيدنا زكريا

كيف مات سيدنا زكريا

ما حكم الوشم المؤقت

ما حكم الوشم المؤقت

هل يجوز الصيام مع نزول إفرازات بنية بعد الدورة؟

هل يجوز الصيام مع نزول إفرازات بنية بعد الدورة؟

طريقة تثبيت الحفظ للقرآن

طريقة تثبيت الحفظ للقرآن

كيف كان الصحابة يستقبلون رمضان؟

كيف كان الصحابة يستقبلون رمضان؟

فضل صيام أول رجب وحكمه

فضل صيام أول رجب وحكمه

سورة التين وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة التين وسبب نزولها وفضلها مع التفسير