جدول المحتويات
تزخر اللغة العربية بالتراكيب والأساليب اللغوية والنحوية والإنشائية والخبرية، والعديد من القواعد اللغوية والنحوية التي تهدف لإيصال المعنى المراد بكلام بليغ، وتحسين أوجه الكلام اللفظية والمعنوية، وهي لغة القرآن الكريم الذي جاء ليتوجها من حيث الفصاحة والإعجاز العلمي، ومن أبرز الأمثلة على الأساليب اللغوية في اللغة العربية أسلوب القسم الذي سنتناوله بالتفصيل في هذا المقال.
تعريف أسلوب القسم
يعرف أسلوب القسم بأنه واحد من أساليب التوكيد في اللغة العربية، وهو عبارة عن جملة إسمية أو فعلية تستخدم من أجل تأكيد جملة خبرية موجبة أو منفية، وذلك بالاستعانة ببعض الألفاظ التي تدل على القسم أو اليمين مثل: أقسمت، آليت، لعمرك، حلفت بالله، أمانة الله وغيرها من الألفاظ، والجدير بالذكر هنا أنه في اللغة نقسم عادة بالله، ولكن ثمة من يقسم بأسماء أخرى لها مكانتها وعظمتها على النحو التالي: بربي، بالأنبياء، بالكعبة، بالحياة، بالحق، وغير ذلك.
أركان أسلوب القسم
يتألف أسلوب القسم من ثلاثة أركان أساسية هي:
أداة القسم
قد تكون أداة القسم فعلاً مثل: أقسم، وأحلف، وقد تكون اسماً مثل: يمين الله، وأيم الله، ولكن الأكثر شيوعاً هو أن تكون أداة القسم حرفاً مثل: الباء، والواو، واللام، والتاء، ومن، ولكن الأكثر استخداماً هي: الباء، والواو، والتاء؛ حيث تدخل على كل مقسم به، فيما يلي بيان لهذه الحروف:
- الباء: هي عبارة عن حرف جر يأتي لأربعة عشر معنى، وتعد الأصل في أدوات القسم، وتدخل على كل مقسم به ظاهراً كان مثل: بالله لأقومن، أو باطناً مثل: به لأنطقن.
- الواو: لهذا الحرف معان عدة منها القسم كما جاء في قوله تعالى: (والتّينِ والزّيتُون)، وتدخل على المقسم به الظاهر مثل: ولله لأذهبن، و وأبيك لأنطلقن.
- التاء: هو حرف جر معناه القسم، ويختص بلفظ الجلالة كما جاء في قوله تعالى: {وَتَاللهِ لأكِيدَنّ أصنَامَكُم}(الأنبياء: 57).
المقسم به
كما ذكر سابقاً عادة ما يكون المقسم به هو لفظ الجلالة “الله”، أو بعض الألفاظ الأخرى التي جرت العادة على استخدامها كمقسم به، والجدير بالذكر هنا أن المقسم به يجب أن يكون اسماً معظماً في ذاته أو لمنفعة فيه، أو للتنبيه على بعض كوامن العبرة الموجودة فيه.
المقسم عليه
يطلق على هذا الركن اسم جواب القسم، وهو إما: جملة إسمية مثبتة أو منفية، أو جملة فعلية مثبتة أو منفية، حيث إنّ جواب الجملة الاسمية المثبتة يؤكد مع أداة القسم بأن وحدها، أو بأن ولام الجواب، أما جواب الجملة الاسمية المنفية فلا يؤكد إلا بأداة القسم، والجملة الفعلية المثبتة، وفي حال كان الفعل في هذه الجملة ماضياً أكد جوابها مع أداة القسم بقد وحدها، أو بقد ولام الجواب.
أما في حال كان الفعل في هذه الجملة مضارعاً متصلاً بلام جواب القسم، أكد باللون الثقيلة أو الخفيفة، وفي حال كانت الجملة الفعلية منفية فهي لا تؤكد مطلقاً بأي حرف من حروف التأكيد بعد أي أداة من أدوات القسم.
أدوات القسم
كما ذكرنا سابقاً يمكن أن تكون أدوات القسم حروفاً، أو أسماءً، أو أفعالاً، ولكن الأكثر شيوعاً واستخداماً في أسلوب القسم هي الحروف، والجدير بالذكر هنا أن اختيار أداة القسم يعتمد على طريقة تناول الجمل، وطبيعة الكلمات المستخدمة في الحوار، وعلى ذلك نشير فيما يأتي إلى أدوات القسم المختلفة وأمثلة على كل منها:
حروف
الباء
هو الأصل في حروف القسم وذلك لكونه يلصق فعل القسم بالمقسم به، ومن أبرز خصائصه التي تميزه عن باقي حروف القسم ما يأتي:
- يدخل على الضمير كما في المثال: أقسم به لأنجحن في الاختبار.
- يجوز ظهور فعل القسم معه كما في المثال: أقسم بالله لأطعمن المسكين، كما يجوز أيضاً حذف الفعل كما في المثال: بالله لأقولن خيراً.
- يجوز استخدامها للحلف في سبيل الاستعطاف كما في المثال: بحياتك ساعدني.
الواو
هذا الحرف يستخدم أكثر من حرف الباء، وذلك ضمن الشروط الآتية:
- ألا يدخل على الضمير؛ فعلى سبيل المثال لا يجوز أن نقول “وه” بينما يجوز أن نقول “به”.
- يحذف فعل القسم معه بسبب كثرة الاستعمال؛ حيث لا يجوز أن نقول: أقسم ولله لأطعمن المسكين.
- لا يجوز استعماله في القسم على سبيل الاستعطاف؛ فعلى سبيل المثال لا يجوز أن نقول: وحياتك ساعدني، بينما يجوز أن نقول: بحياتك ساعدني.
- إذا تكرر هذا الحرف في أسلوب القسم فإن الأول فقط هو للقسم، وكل حرف واو يأتي بعد ذلك فهو للعطف.
التاء
هو الحرف البديل لحرف الواو، ولا يدخل في القسم إلا على لفظ الجلالة، وقد يأتي مع لفظ الجلالة بمعاني أخرى غير القسم كالتعجب مثلاً كأن نقول: تالله أصبح الجو ماطراً!، أضف إلى ذلك أن هذا الحرف قد يدخل على لفظي: الرب، والرحمن، ولكن المعنى حينها لا يفيد القسم بشكل صريح.
أسماء
توجد بعض الأسماء التي تفيد التوكيد وتعطي معنى القسم، ومن أبرز الأمثلة عليها:
- الاسم “عمر” ومشتقاته، ومن أبرز الأمثلة عليه ما جاء في البيت الشعري: “إني لعمرُك ما بي بذي غلق عن الصديق ولا خيري بممنونِ”.
- الاسم “أيمن” كما في المثال: وأيمن الله لأحفظ درسي.
- كلمة “يمين” كما في المثال: ويمين الله لأتقن عملي.
أفعال
من هذه الأفعال الفعل أحلف، ويحلف، وحلف، وأقسم، ويقسم، وكل مشتقات هذه الأفعال، ومن الأمثلة عليها قول: أقسمت بالله ألا أترك الفقير محتاجاً.
توكيد جملة جواب القسم
توكيد جملة جواب القسم يعني أن تدخل عليها أداة من أدوات التوكيد وهي: نون التوكيد الخفيفة، ونون التوكيد الثقيلة، ولام الابتداء، ولام القسم، وإن، وأن، وذلك بالاعتماد على نوع الجملة سواءاً كانت إسمية أو فعلية كما هو موضح فيما يلي:
الجملة الإسمية
تؤكد الجملة الاسمية المثبتة عندما يدخل عليها: إن، أو اللام وحدها، أو إن واللام، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: ولله إن الحياة كفاح، وقولنا: ولله إن الحياة لكفاح، أما الجملة الإسمية المنفية فهي لا تؤكد، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: ولله لا تفوق بلا جهد.
الجملة الفعلية
توجد ثلاث حالات لتوكيد الجملة الفعلية وهي:
- إن كانت الجملة الفعلية مثبتة، وفعلها ماضي، فهي تؤكد ب “قد” وحدها، أو ب “اللام” و “قد” معاً، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: ولله قد أكلت، ووالله لقد أكلت.
- إن كانت الجملة الفعلية مثبتة، وفعلها مضارع دال على الاستقبال متصل بلام القسم، فهي تؤكد بنون التوكيد، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: يمين الله لتعودن بلادنا.
- إن كانت الجملة الفعلية منفية فهي لا تؤكد، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: أقسم لن أذهب للعمل.
حذف جملة القسم
تحذف جملة جواب القسم في ثلاث حالات وهي:
- أن يتأخر القسم في الكلام، وتتقدم عليه جملة تسد مسد الجواب وتغني عنه، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: يكافأ المجتهد ولله، وهنا فإن القسم “ولله” لا جملة جواب له وذلك لأنه قد سبقه ما يغني عن الجواب وهو “يكافأ المجتهد”.
- أن يتوسط القسم جملة تغني عن الجواب، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: فرح الطلاب ولله بالنجاح في الاختبارات، حيث أن القسم “ولله” هنا لا جواب له لكونه توسط جملة كاملة تغني عن الجواب وهي ” فرح الطلاب بالنجاح في الاختبارات”.
- أن يجتمع أسلوب القسم وأسلوب الشرط في جملة واحدة، ويكون القسم متأخراً؛ حيث يتم الاكتفاء هنا بجملة الشرط التي تسد مسد جملة جواب القسم، ومن الأمثلة على ذلك قولنا: لئن سألت أجبتُك، وهنا لا جواب للقسم الذي تدل عليه اللام وذلك لأنه قد اكتفى بجملة جواب الشرط التي سدت مسده.
إعراب أسلوب القسم
حروف
في حال كان أسلوب القسم مبنياً على الأحرف الدالة على القسم عادة وهي: الباء، والواو، والتاء، فهي حروف جر وقسم، أما المقسم به فيكون اسماً مجروراً، ويعلق كل من الجار والمجرور بفعل القسم المحذوف جوازاً مع الباء، ووجوباً مع كل من الواو والتاء، وذلك لجواز إظهار فعل القسم مع الباء، وعدم جواز ذلك مع الواو والتاء، ومن الأمثلة على ذلك قولنا:
- باللهِ سأنجزُ العمل
- بالله: الباء حرف قسم وجر، والله لفظ الجلالة اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف جوازاً، أو بفعل القسم إن لم يحذف من الكلام.
- سأنجز: السين للاستقبال، وأنجزُ فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا.
- العمل: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وحملة “سأنجز العمل” جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
- وللهِ سأذهبُ إلى العمل
- ولله: الواو حرف قسم وجر، والله لفظ الجلالة اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف وجوباً.
- سأذهبُ: السين للاستقبال، وأذهبُ فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا.
- إلى العملِ: إلى حرف جر، والعملِ اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بالفعل سأذهبُ، وجملة سأذهبُ هي جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
- تاللهِ لأجزينّ المعروفَ بالمعروف
- تاللهِ: التاء حرف قسم وجر، والله لفظ الجلالة اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم المحذوف وجوباً.
- لأجزينّ: اللام واقعة في جواب القسم وأجزينّ فعل مضارع مبني على الفتح وذلك لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والنون حرف لا محل له من الإعراب، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا.
- المعروفَ: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- بالمعروف: الباء حرف جر، والمعروف اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بالفعل لأجزينّ، وجملة “لأجزينّ” هي جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
أسماء
في حال أقسم بالمبتدأ الصريح أو بجملة إسمية تقوم مقام القسم في اللغة العربية؛ فهنا يجب حذف الخبر منها وذلك بشرط أن يكون المبتدأ اسماً صريحاً بالقسم، وذلك لأنه يكون معلوماً في الكلام ولا حاجة إلى ذكره، ومن الأمثلة على ذلك قولنا:
- لعمري لأساعدنّ المحتاجَ ما طلعتِ الشمسُ
- لعمري: اللام لام الابتداء، وعمر مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم منع من ظهورها اشتغال المحل بالحركة المناسبة للياء، وياء المتكلم ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة، والخبر هنا محذوف وجوباً وذلك لكونه معلوماً من المبتدأ الصريح.
- لأساعدنّ: اللام واقعة في جواب القسم، وأساعدنّ فعل مضارع مبني على الفتح وذلك لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا، والنون حرف لا محل له من الإعراب، والمحتاج مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
- ما: مصدرية زمانية.
- طلعت: طلعت فعل ماضي مبني على الفتح وذلك لاتصاله بتاء التأنيث الساكنة، وتاء التأنيث حرف لا محل له من الإعراب، والمصدر المؤول من ما وما بعدها منصوب على الظرفية المكانية متعلق بالفعل أساعدنّ.
- الشمسُ: فاعل مرفوع وعلامة ورفعه الضمة الظاهرة على آخره، وجملة لأساعدنّ هي جملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
الأفعال
إذا ظهر فعل القسم في الكلام فهو يعرب إعراب الفعل في اللغة العربية، مع العلم بأن فعل القسم يحذف كثيراً وذلك للعلم به من أحد الأحرف الموضوعة للقسم، أو للاستغناء عنه، ومن الأمثلة على ذلك قولنا:
- أقسمُ باللهِ العظيمِ لأنجحنّ
- أقسمُ: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنا، وهو يدل صراحة على القسم.
- باللهِ: الباء حرف جر، والله لفظ الجلالة اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلقان بفعل القسم.