جدول المحتويات
خلق الإنسان
خلق الله تعالى الإنسان بهدف تحقيق معرفته جلّ وعلا؛ فجعله محور الخطاب القرآني، وكان عليه الاكتشاف والبحث في أسرار وإبداعات الخالق في الكون الذي يعيش فيه وعجائب الدنيا والسماء والفضاء، وهي جميعها تُظهر عظمة وقدره الله سبحانه، بل وإنها دلالة واضحة على أن خلق الإنسان جاء لغاية؛ فأكرمه ورفع منزله، وفضله على الكثير من المخلوقات؛ لما ورد في كتابه العزيز قائلاً: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا} [الإسراء:70].
رفع منزلة الإنسان عند الله تعالى
رفع الله قدر الإنسان ومنزلته، وميزه عن باقي مخلوقات الكون التي خلقها عز وجلّ؛ فترفّع عند حدود الأكل والشرب والتكاثر، التي تعد صفات مشتركة مع الحيوانات، فكان له شأناً وقدراً أعلى بتمييزه بالعقل، الذي يستطيع من خلاله إدراك عظمة الله عن طريق تحقيق المعرفة، ومن لم يجعل هذا العقل مفكراً ومدبراً لأمر الخالق وبديع صنعه؛ فهو يقبل بتشبيه الله تعالى له كما في هذه الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12]، ما يعني أنه يرضى على نفسه التردّي إلى مستوى البهائم وجزاؤه في الآخرة هو نار جهنم.
مظاهر تكريم الله للإنسان
إذا تفكّر وتدبّر الإنسان في خلق ومن حوله؛ فإنه لن يجد صعوبة في الإجابة عن سؤاله المتكرر؛ كيف كرم الله الإنسان؛ فهنالك مظاهر كثيرة قام العلماء بتوضيحها؛ وفقاً للكثير من النصوص القرآنية والأحاديث الدينية الواردة على لسان الله تعالى ولسان عبده ونبيّه، محمد -صلّ الله عليه وسلم-، وفيما يلي هذه المظاهر:
الإيجاد من العدم وحُسن الخلق
أوجد الله تعالى الإنسان من العدم، وجعل إخراجع تشريفاً وتكريماً له بإيكاله مهمة إعمار الأرض؛ فالإنسان خليفة الله على الأرض؛ فقال تعالى في مُحكم كتابه: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]، ثم سوّاه فأحسن خلقه بأجمل صورة؛ حيث خلقه من طين، ثم نفخ فيه من روحه، وهذا تكريم آخر بحد ذاته لم ينله مخلوق آخر، مُصدقاً لقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]
سجود الملائكة للإنسان
أمر الله تعالى الملائكة بالسجود، لأب البشرية، سيدنا آدم عليه السلام، وهذا وظهر آخر للتكريم الإلهي للإنسان، ويدل على عظمة مكانته؛ إذ استقبلته الملائكة مجتمعة وسجدت له، إلا إبليس، الذي لم يمتثل لأمر ربه وعصاه، فتوعده الله يوم القيامة بحساب عسير، وقال تعالى في آياته الكريمة: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:71-72]
الخلافة في الأرض
كرّم الله تعالى الإنسان بتسخير كل ما في الأرض من نعم له، وتسيير مأكله ومشربه وسائر الطيبات؛ فأنزل المطر لينبت الزرع، وفجّر الأنهار والينابيع، وسخّر له الشمس والقمر ليتعاقب الليل والنهار وفصول السنة، وطوّع له المراكب براً وبحراً، وما إلى ذلك من أمثلة كثير لا تعد ولا تُحصى؛ بهدف استمرار حياته وضمان أداء الغاية التي خلقه الله من أجلها، وتأكيداً على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70].
الفطرة السليمة والعقل
خلص الله تعالى الإنسان على الفطرة السليمة؛ فجعل فيه احساساً نحو استشعار الله وتوحيده وعبادته؛ ولضمان سلامة هذه الفطرة أنزل عليه الرسل والأنبياء، وأيّدهم بوحي من السماء؛ لإيضاح سبل النجاة وطرق العبادة وطريق الحق، كما منحه عز وجل عقلاً مناط التكليف؛ بغاية التفكير والتدبر والإدراك والاستيعاب، ومن خلاله يستشرف المقاصد والغايات والدلالات؛ فالعقل أصل الاجتهاد والتكيّف مع الخطاب الشرعي؛ لأن الإنسان هو أساس عمارة الأرض.