جدول المحتويات
تعتبر الدولة الأموية من أعظم الدول الإسلامية في التاريخ الإسلامي، كما يشهد عليها العدد الكبير من الفتوحات الإسلامية في عصر الدولة البناء والتجارة، ومن بين إنجازات تلك الدولة اتساع رقعة الدولة الإسلامية، وازدهارها في عصر الدولة الأموية، حيث قدمت الكثير من فنون العمارة والتشيد والتجارة، وكانت مدينة دمشق عاصمة الخلافة الأموية.
نبذة عن الدولة الأموية
هي أكبر دولة وثاني خلافة في تاريخ الإسلام، وواحدة من أكبر الدول الحاكمة في التاريخ، وكان الأمويون أول العائلات المسلمة الحاكمة، حيث حكموا من سنة 41هـ (662م) إلى 132هـ (750م)، وكانت عاصمة الولاية مدينة دمشق، وبلغت الدولة الأموية ذروة توسعها في عهد الخليفة العاشر هشام بن عبد الملك، وامتدت حدودها من ضواحي الصين في الشرق إلى جنوب فرنسا في الغرب، وتمكنت من احتلال إفريقيا والمغرب والأندلس وجنوب بلاد الغال والسند وما وراءها.
مراحل مرت بها الدولة الأموية
تعود سلالة الأمويين إلى أمية بن عبد شمس من قبيلة قريش، وكان لهم دور مهم في العصر الجاهلي وخلال العصر الإسلامي، وأسلم معاوية بن أبي سفيان في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأقام عليه الدولة الأموية، وقبل ذلك كان والي سوريا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ثم اندلع خلاف بينه وبين علي بن أبي طالب بعد فتنة مقتل عثمان، حتى تخلى ابنه الحسن عن الخلافة لصالح معاوية بعد مقتل والده علي، قامت الدولة الأموية بذلك، وأخذ معاوية من البيزنطيين بعض جوانب الحكم والإدارة، وجعل الخلافة وراثيًا عندما عهد لابنه يزيد بولاية العهد، وتولى العرش والحرس، وأحاط نفسه بأبهة الملك، وبنى له كوخًا خاصًا في المسجد، كما أنشأ ديوان الطوق والنظام البريدي بعد وفاة يزيد، أصبحت الأمور مضطربة، وطالب عبد الله بن الزبير بالخلافة، ثم استطاع عبد الملك بن مروان بن الحكم أن يهزمه ويقتله في مكة عام 73هـ، وأقيمت الدولة من جديد، وحدثت أكبر الفتوحات الأموية في عهد الوليد بن عبد الملك، فتم فتح المغرب، وفتح الأندلس كلها، كما تم فتح السند بقيادة محمد بن القاسم الثقفي، ودولة ما وراء النهر بقيادة قتيبة بن مسلم، ثم جاء الخليفة سليمان بن عبد الملك المتوفى في مرج دابق لإدارة حصار القسطنطينية، ثم الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي يعتبر من أفضل الخلفاء الأمويين، ثم ابن عمه يزيد بن عبد الملك، ثم أخوه هشام الذي غزاه في عهده بجنوب فرنسا، وكانت فترة حكمه طويلة ومستقرة للغاية، وبعد وفاته دخلت الدولة في حالة اضطراب كبير، حتى تولى مروان بن محمد السيطرة على الخلافة، وكان يتنقل بين المناطق ويقمع الثورات والاضطرابات، ثم التقى بالعباسيين في معركة الزاب وهزم وقتل وكان ذلك نهاية الدولة الأموية.
الثورات التي مرت لها الدولة الأموية
شهدت الدولة الأموية العديد من الثورات والفتن، وكان مرتكبو معظم هذه الثورات إما من الخوارج أو الشيعة، حيث اعترض حسين بن علي على حكم يزيد، ولم يبايعه، بل قاومه وذهب بالخروج للعراق رداً على من بايعه، ثم حدثت ثورات شيعية كثيرة للانتقام منه. ومنها ثورة التوابين وثورة المختار الثقفي، ثم هدأت بعد قمعهم لأكثر من نصف قرن حتى ثورة زيد بن علي، وثار الخوارج مراراً ولم يهدأوا إلا قرابة عشرين عاماً بين منتصف عهد عبد الملك وبداية عهد يزيد، ومن أشهر حكام الأمويين نذكر، الحجاج بن يوسف الثقفي، والذي كان له دور كبير في قمع وتهدئة هذه الثورات في أواخر القرن الأول الهجري، خاصة أنه كان والي العراق والشام، وكان – وخاصة مدينة الكوفة – مركز الأعداء المخلصين للحكم الأموي، بينما كانت بلاد الشام حليف الأمويين وعاصمتها، ومن أعنف الثورات التي حدثت ضد الدولة الأموية ثورتا عبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الأشعث.
سقوط الدولة الأموية
سقطت الدولة الأموية على يد من جادلوا بأن أسرة المنزل تستحق الخلافة، وبعد فشل الثورات التي زعمت أن أسرة علي بن أبي طالب كانت مستحقة للخلافة، تحولت الدعوة إلى هؤلاء الذي قالوا إن سلالة عباس بن عبد المطلب، عم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام تستحق الخلافة.
تطور الحزب العباسي تدريجياً، وحافظ على الهدوء طيلة عصور الدولة الأموية، واستغل ضعف الاقتصاد لتفجير ثورته، كما يرى الباحث عبد العزيز الدوري أن العباسيين استغلوا أيضًا التمييز العنصري والطبقي الذي مارسه الأمويون بين العرب وغير العرب في الوظائف والضرائب والجيش، وهكذا تشكلت قاعدة شعبية واسعة بين غير العرب.
عاصمة الدولة الأموية
تعتبر مدينة دمشق من أجمل مدن الوطن العربي، وهي من أشهر المدن التي لها تاريخ طويل حافل بالأحداث حتى عصرنا هذا، وفي وطننا العربي حتى زماننا، تاريخ المدينة العريق متجذر في التاريخ لأكثر من ألف عام، حيث تعد مدينة دمشق من أقدم مدن العالم، حيث كانت لفترة طويلة عاصمة الدولة الأموية، وكانت الدولة الأموية من أكبر الدول الإسلامية من حيث مساحتها الجغرافية، حيث كانت تحت سلطتها العديد من الدول والمدن، مما ساهم في زيادة جمال وروعة المدينة، كما تميزت المدينة بطقسها الرائع المعتدل، وكانت مدينة دمشق قديماً مدينة تجارية، حيث كان يقصدها الرسول صلى الله عليه وسلم للتجارة، وأصحاب القوافل التجارية الذين يأتون للشراء والبيع، حيث تعتبر مدينة دمشق من المحطات التجارية الهامة والرئيسية في طريق التجارة القديم وطريق الحرير ومحطة رئيسية للطريق البحري وموكب الحج الشامي، بلاد فارس القديمة أو مصر أو شبه الجزيرة العربية، حيث احتلت المدينة دورًا اقتصاديًا ضخمًا في حركة التجارة والتبادل التجاري في الماضي، وسبب تسمية دمشق بهذا الاسم: كان نسبةً لكون المدينة غنية بالمصادر المائية، فهي تقع جغرافياً في مكان تكثر فيه مصادر المياه المختلفة، مثل نهر بردى، وحيث إن الاسم يعني المنطقة المزروعة أو الخضراء في اللغات القديمة، حيث اشتهرت المدينة بزراعتها للعديد من المحاصيل حتى الوقت الحاضر.
خلفاء الدولة الأموية
معاويه بن ابي سفيان (661م الى 680م)
هو معاوية بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، الملقب بأبي سفيان، ووالدته هند بنت عتبة، اختلف الباحثون حول السنة التي أعلن فيها إسلامه، لكن معظم المؤرخين اتفقوا على أنه اعتنق الإسلام يوم فتح مكة أو بعد ذلك بقليل، ويُعتقد أنه كان من كتاب الرؤيا، وظلت خلافة أبو بكر قائدا عسكريا لجيش التموين في فتوحات الشام، حيث شارك في محاربة المرتدين، ثم تولى دولة الأردن في عهد عمر ثم دولة دمشق، ثم في عهد عثمان بن عفان أصبح والي الشام وكل مدنها، وقد اشتهر معاوية بحنكة سياسية وذكاء في التعامل مع الأصدقاء والأعداء منذ أن عينه عمر بن الخطاب في فتح قيصرية والنجاح الباهر الذي حققه في هذا الفتح.
معاوية بن أبي سفيان هو مؤسس الدولة الأموية بلا منازع، وأحد أهم الخلفاء العرب المسلمين، وبعيدًا عن الخلاف بين الأسرة والأمويين، استطاع معاوية توحيد دولة الخلافة مرة أخرى وترسيخ سلطة العرب المسلمين في كما يسجل في معظم المدن التي دخلت الإسلام مؤخرًا حماية الحدود الشمالية للدولة الإسلامية الجديدة في مواجهة البيزنطيين في مناطق أنطاكية وشمال الحدود السورية التركية في الوقت الحاضر، وقد تولى معاوية ولاية الأردن عام 641م، ومن هنا بدأ معاوية في ترسيخ سيادة الدولة الإسلامية على بلاد الشام، وسجل نجاحا في ذلك، حيث استطاع أن ينجح في تنظيم شؤون الدولة والفتوحات فيها، الأمر الذي جعل عمر بن الخطاب يتولى ولاية دمشق سنة 639م، ثم عثمان بن عفان حاكماً لبلاد الشام.
يعود نجاح معاوية في إدارة شؤون بلاد الشام إلى حد كبير إلى الأساليب التي استخدمها. حيث أنشأ نظام الصوائف والشواتي، ولخصه أن معاوية أقام مناطق دفاعية محصنة في البلدات والقرى الحدودية بين الشام وبيزنطة، وحرك الجيش بشكل موسمي صيفًا وشتاءً إلى حماية حدود المسلمين من الغزوات الرومانية، وفي تلك الفترة أسس معاوية أول أسطول بحري تحت خلافة عثمان بن عفان، في عملية متكاملة للدفاع عن المدن الإسلامية من الغزوات البيزنطية البرية والبحرية، ولأن حماية الأرض لم تكفِ شرهم على المسلمين، فقام بمساعدة عثمان بن عفان بتأسيس الأسطول استكمال عملياته الدفاعية براً وبحراً، مع عمرو بن العاص وآخرين، كانت نجاحات هؤلاء القادة في معاركهم في شمال الشام وقبرص وأماكن أخرى دليلاً على قدرة وحكمة شخصية معاوية بن أبي سفيان واتساع حيلته في القيادة. بلاد الشام – أي اليمنيون – على الرغم من ارتباط معاوية لقيس، لإدراكه لضرورة ولاء هذه القبائل له في إدارته للشام ثم خلافة المسلمين. وقد وصفه المؤرخون بأنه كريم وذو قدرة تحمل وذكاء حاد، فهو أول من ورث الخلافة لابنه بدلاً من أن يكون هو الذي يتولى ما تم الاتفاق عليه مع الحسن بن علي بن أبي طالب لنقل الخلافة على الوجه. لمبدأ الشورى الإسلامية
من أهم إنجازاته السياسية والإدارية: إنشاء مكاتب مركزية مثل: ديوان الخاتم وديوان الرسائل وديوان الكتاب والبريد، غلبة الأمن وسلطة الدولة في عهده واتساع أراضي الدولة جغرافياً، وقدرته على اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، وتعزيز الأسطول البحري، والاهتمام ببناء الجيش الإسلامي، ونقل العاصمة من المدينة المنورة إلى دمشق.
يزيد بن معاوية (680م الى 683م)
يزيد بن معاوية، الخليفة الثاني للسلالة الأموية وأول ولي للعهد في تاريخ الخلافة الإسلامية، أمضى جزءًا من حياته في الصحاري، ووالدته ميسون بنت حدال الكلبية بدوية الأصل، وتولى الخلافة فور وفاة والده معاوية، رغم معارضة عدد من أعيان المسلمين، وأهمهم حسين بن علي وعبد الله بن الزبير.
شخصية الخليفة يزيد بن معاوية كانت مثيرة للجدل بين المسلمين، وفي عهده استشهد الحسين بن علي على يد جيش عبيد الله بن زياد، ثم حاصر جيش يزيد بن معاوية المدينة حتى دخلها وأنهى تمرد أهل المدينة المنورة بالقوة، وبقي جيشه يحاصر مكة، لإخضاع عبد الله بن الزبير حتى يوم وفاته الموافق 11 نوفمبر 683م، واشتهر يزيد بن معاوية بالشعر والبلاغة.
على الرغم من أنه قيل الكثير عن يزيد، إلا أنه كان قائداً عسكرياً شجاعاً. قاد حصار القسطنطينية ونجح في إدارة شؤون الدولة رغم قصر فترة خلافته التي لم تتجاوز ثلاث سنوات، وكانت حادثة كربلاء من أهم الأحداث التاريخية في تاريخ المسلمين.
قتل حفيد الرسول – صلى الله عليه وسلم – حسين بن علي، وكانت من القضايا الشائكة التي ظل الخلاف فيها قائمًا حتى الآن، لذا فإن أغلب الروايات التاريخية عن فترة خلافة يزيد كانت مرتبطة بأحداث داخلية بين المسلمين، توفي يزيد بن معاوية عام 683م، مخلفًا وراءه العديد من الإنجازات السياسية والعسكرية، وفي نفس الوقت ترك خلافًا تاريخيًا لم يحسم بعد بين المسلمين، وأهم إنجازات يزيد بن معاوية؛ هي توسع الفتوحات في إفريقيا، وتثبيت أقدام المسلمين على الحدود الشمالية للمشرق قبل الأراضي البيزنطية، ووصول جيوش المسلمين إلى بخارى.
معاوية بن يزيد (683م الى 684م)
هو معاوية بن يزيد بن معاوية الخليفة الثالث لبني أمية ولقب معاوية الثاني، وتولى الحكم ثلاثة أشهر فقط بسبب وفاته المفاجئة، وكثرت الروايات عن وفاته، بعضها قال إنه قُتل، وآخرون قالوا أن وفاته كانت طبيعية، وتشير الروايات التاريخية إلى أنه كان زاهدًا ولم يرغب في الخلافة وحاول إنهاء حالة الاقتتال بين المسلمين، وتوفي في أوائل العشرينات من عمره.
مروان بن الحكم (683م الى 685م)
اشتهر مروان بن الحكم بدولته المدنية في عهد معاوية بن أبي سفيان أكثر من مرة، وهو الذي كتب عثمان خليفة المسلمين وأحد علماء الإسلام مروان بن الحكم، تمكن من إنهاء الخلاف الذي حدث بعد وفاة معاوية الثاني، حيث انقسم المسلمون في جميع البلدان والدولة بين مؤيد لخلافة عبد الله بن الزبير بعد أن نصب نفسه خليفة على المسلمين من مكة وبين أنصار الأمويين، وكانت نتائج مؤتمر الجابية، الذي جمع قبائل عربية مختلفة من القيسية واليمنيين، أن مروان بن الحكم الذي مثل المرواني فرع الأمويين تفوق على خالد بن يزيد الذي مثل فرع السفياني، ثم دارت معركة مرج راهط بين مروان بن الحكم وضحاك بن قيس الفهري الذي رفض مبايعة مروان الذي كان والي دمشق حينها، وانتصار مروان، كانت بداية نهاية الانقسام في الدولة الإسلامية وانتهاء ثورة عبد الله بن الزبير من مكة، وروى الحديث عن علي بن أبي طالب ودافع عن عثمان في حادثة الدار بأقوى دفاع ضد الخوارج وقتل بعضهم.
كان فقيهاً عالم دين، وكان من قراء القرآن الكريم، ومن أعيان قريش عند المؤرخين، ورجل دولة كان له أحلام كثيرة، ونجح في السيطرة على الدولة الإسلامية من جديد.
أعاد ترتيب الأسواق في معظم المدن العربية والإسلامية، وله إنجازات معمارية عديدة في المدينة المنورة ودمشق.
عبد الملك بن مروان (685م الى 705م)
هو أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن أبي العاص الأموي القرشي ولي عهد والده الخليفة مروان بن الحكم، ولد بالمدينة المنورة سنة 646م وتوفي سنة 705م، وهو المؤسس الثاني السلالة الأموية، كان أحد فقهاء المدينة الأربعة، وتولى الخلافة لمدة إحدى وعشرين سنة، وكانت الانقسامات والثورات تضرب الدولة في الفترة التي تولى فيها الحكم رغم العمل العظيم الذي أنجزه والده مروان بن الحكم، وأظهر مروان الصلابة والقسوة في السياسة وإدارة شؤون الدولة، كما نقل الدولة الأموية إلى حقبة جديدة من التقدم والتطور على المستوى الإداري، ونجح في القضاء على كل الثورات والتمردات التي حدثت في عهده وقبل ذلك، غالبًا بالوسائل العسكرية، وبمساعدة قادته المخلصين أمثال الحجاج بن يوسف الثقفي وزياد بن أبي، واشتهر عبد الملك بن مروان بالعديد من الفتوحات التي حدثت في عهده على عدة جبهات، أهمها الجبهة البيزنطية والجبهة الإفريقية، هذه الفتوحات التي مهدت الطريق للسيطرة على شبه الجزيرة الأيبيرية أو الأندلس فيما بعد، والملك بن مروان له اعمال كثيرة ومختلفة، وأبرز الإنجازات التي حققها في عهده؛ هي تعريب البيروقراطيات سك النقود، وترتيب وإضفاء الطابع المؤسسي على مالية الدولة، والاهتمام بالصناعات مثل المنسوجات والبردي وغيرها، و توسيع منطقة الفتوحات العربية الإسلامية في إفريقيا وبيزنطة وآسيا الوسطى وصولاً إلى الصين، وبناء مدن مثل، واسط وتونس وبناء قبة الصخرة.
الوليد بن عبد الملك (705م الى 715م)
الخليفة السابع للأمويين في الشرق، سليمان بن عبد الملك، استمرت فترة خلافته لسنتين وثمانية أشهر فقط حتى وفاته عام 717م، لصالح نجله عبد العزيز بناءً على نصيحة الحجاج الثقفي، لكن الموت منعه من الخلافة، على عكس شقيقه الوليد، كان الخليفة سليمان بن عبد الملك متعاطفًا مع الناس، وفضل الحوار في سياسته الداخلية مع حكام جدد لترسيخ حكمه وإدارة الدولة بالشكل الذي يراه مناسبًا، كان عمر بن عبد العزيز قريبًا منه ويعينه أحد كبار مستشاريه، تمامًا كما اتبعت نهج الشورى في حكمه لاتخاذ القرارات الشرقية في بيزنطة، بقيت سلطة العرب المسلمين قوية ولم تتراجع في عهده، وفي إفريقيا على الرغم من إقالته لموسى بن ناصر، ولأنه كان من رجال الوليد والحجاج، فقد بقيت قوة المسلمين وقوتهم وتوسعت إلى حد ما جغرافياً في عهده القصير، وفي عهده، شهدت الفتوحات استقرارًا كبيرًا، حيث كان هدف سليمان وحكمه على المدن هو الحفاظ على ما هو موجود لقمع الثورات الداخلية في مناطق الهند والعراق وأنطاكية، لذلك لم يشهد عصره غزوات كثيرة، ولكن في عهده كانت بيزنطة محاصرة وتم الوصول إلى أراضي البلغار والقوقاز.
تصرفات الخليفة سليمان بن عبد الملك تمثلت في تثبيت أقدام المسلمين في المناطق التي سيطروا عليها على الرغم من الفتنة الداخلية في مناطق العراق والهند وأفريقيا.
خالد سليمان اسمه ببناء مدينة الرملة الفلسطينية ومسجدها الأبيض الشهير. ويعتقد أن سبب بناء هذه المدينة يعود إلى رغبة سليمان في وضع اسمه بجانب اسم والده وأخيه اللذين شيدا الجامع الأموي وقبة الصخرة.
عمر بن عبد العزيز (717م الى 720م)
ولد الخليفة الراشدي الخامس أو عمر الثاني أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي القرشي عام 681م، وتوفي بالتسمم عام 720م، واشتهر عمر بن عبد العزيز بالعدالة والمساواة، وكان فقيهاً واسع الاطلاع على الدين والسياسة، وتأثر الصحابة والتابعين في المدينة المنورة التي نشأ فيها، ثم أصبح حاكمًا في عهد الوليد بن عبد الملك حتى أصبح واليًا على الحجاز كلها، ويشتهر بطلب العلم، حيث نشأ بين علماء المدينة، وأم الإمام أنس بن مالك وهو طفل صغير، وأمر بتدوين الحديث، وكان متشددًا في الحق، ووقف في وجه الوليد بن عبد الملك عندما أراد أن يعين نجله عبد العزيز الخلافة، وكان من أقوى المعارضين لسياسة الحجاج القاسية، ويقال إنه تخلى عن ولاية المدينة المنورة والحجاز رافضاً قيادة الحجاج في أمور الحج، وقد قام بتعزيز خطوط الدفاع الأولى في مدن شمال سوريا وآسيا الوسطى والمدن الساحلية، وعمل على الرد على المظالم ومحاولة إصلاح أخطاء الخلفاء الأمويين الراحل، فكان عادلاً ومحبًا للسلام، وعاقب الحكّام الظالمين وعاقب معظمهم على الظلم والقهر الذي اقترفوه، كما عزز العمل بالتشاور، ولم يقرّر أن يفعل شيئًا دون استشارة رفاقه وحكماء الدولة، ونشر المعرفة من أهم أعماله الصالحة.
كما طلب نجله من الولاة العمل على تعليم الرعية القراءة والكتابة لتوجيه الدين ومعرفة حقوقهم وواجباتهم، كما كان من أكثر الخلفاء كرمًا في منح الحرية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، واختلف المؤرخون في كيفية معاملة عمر بن عبد العزيز للمسيحيين، فقال بعضهم إنه كان شديدًا معهم في محاولة لاعتناق أغلبهم، وقيل إنه رفض تعيين أهل الذمة في أي منصب في الدولة، ومن أهم أعمال الخليفة عمر بن عبد العزيز، العمل على مبدأ الشورى في الحكم، وسيادة سياسته العادلة مع عامة الشعب وإنصاف المظالم – خاصة مظالم الأمويين وأهل سمرقند- ورفع المظالم عن سلطة الموالين وأهل الذمة، ومنع الدوس على الحيوانات والحد من حملها دون رفق، كما نشر الحرية بين الناس وحرية التجارة والربح لجميع أفراد الشعب، وبناء المدارس ونشر المعرفة.
يزيد بن عبد الملك (724م الى 743م)
هو يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموي القرشي من مواليد دمشق عام 687م، وتوفي بمرض السل عام 724م، واستمرت خلافته لمدة أربع سنوات فقط، وكان – حسب المؤرخين – غير مبالٍ بشؤون إدارة الدولة كثيرًا، ومع ذلك، فقد كانت من أهم أعمال يزيد بن عبد الملك يزيد إخماد ثورة يزيد بن المهلب وقتله، وتمكن من إخماد ثورات وغزوات الأتراك في المناطق الواقعة وراء النهر في آسيا الوسطى، وثورات مختلف الخوارج.
هشام بن عبد الملك (724م الى 743م)
ولد هشام بن عبد الملك القرشي الخليفة العاشر لبني أمية عام 691م وقتل في الكوفة عام 743م على يد يوسف بن عمر. اشتهر هشام بن عبد الملك بفتوحاته في بلاد الغال، وقد حارب البيزنطيين وانتصر عليهم في أكثر من معركة. يشهد له أنه عاشق للعلم، فقد أصبحت دمشق في عهده منارة للمعرفة، فعمل على بناء المكتبات وطباعة الكتب ونسخها، كما ظهرت في عصره فنون العمارة الأموية.
هشام بن عبد الملك خلد اسمه في التاريخ باعتباره آخر العشائر القوية في دولة الأمويين، وخلال فترة حكمه، وصلت الدولة الإسلامية إلى أقصى توسع جغرافي عبر تاريخها الطويل، من بحر قزوين إلى الصين ومن الخليج الفارسي إلى بلاد الغال. كما تمكنت جيوش هشام بن عبد الملك من هزيمة الأتراك والخزر، والوصول إلى حدود فرنسا، ووقعت معركة محاكم الشهداء في عهده أهم أعمال.
كان في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك الانتصار على الاتراك والخزار في آسيا الوسطى، والقضاء على ثورة البربر في المغرب العربي، والفتوحات في بلاد الغال والأندلس، وبناء الرصافة في مدينة الرقة، وسكن هشام في أريحا الإصلاح الزراعي.
الوليد بن يزيد (743م الى 744م)
هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان أو الخليفة أبو العباس الأموي القرشي. ولد عام 709م وقتله أبناء عمومته عام 744م في مدينة تدمر السورية. اختلفت الروايات عنه، وبدأت دولة بني أمية في الانهيار بسبب الخلافات الداخلية بينهما، وبسبب ثورة بني عباس التي كانت في مهدها، اقتصرت أهم أعمال الوليد بن يزيد على زيادة رواتب الجنود والمنح المالية لعامة الناس.
يزيد بن الوليد (744م الى 744م)
هو يزيد بن الوليد بن عبد الملك الأموي القرشي، مواليد 705م، وتوفي أواخر 744م، واستمر حكمه ستة أشهر فقط. في هذه الفترة كان البيت الأموي مشتتًا ولم يتحد تحت اسم الخليفة، وكانت خراسان متمردة على الأمويين، وقسمت بلاد الشام ومدنها فيما بينها على الأمويين أنفسهم. ولم يحقق الخليفة أي إنجاز يذكر في ظل القتال الدائر في الداخل وعلى أبواب دمشق.
مروان بن محمد (745م الى 750م)
هو آخر الخلفاء الأمويين مروان بن محمد بن مروان بن الحكم القرشي، مواليد 691م، وقتل في مصر سنة 750م، وكان من الفرسان الأمويين ومن أشرس المقاتلين والمجاهدين ضد الخوارج.
مروان بن محمد استقبل الخلافة في ظروف صعبة، وكان القتال بين الأمويين في ذروته، وكانت خراسان تتمرد على البيت الأموي وكانت دعوة بني العباس تتقدم إلى دمشق وتحاول الوصول إلى الحكم، بالإضافة إلى الزلزال المدمر الذي ضرب بلاد الشام عام 747م، كانت ضد مروان بن محمد.
كان الخليفة مروان بن محمد ذو أخلاق عالية، واشتهر بصبره وثباته في المعارك، وكان يعتبر من الفرسان العرب والفرسان الأمويين ومن المجاهدين البواسل، وانتهت حياته وهو مقاتل على حصانه، انتهت الدولة الأموية في عهده بعد هزيمتهم في معركة الزاب عام 750م.
دمشق والدولة الأموية
نصلي اليوم مع مدينة دمشق ثالث عواصم الإسلام بعد المدينة المنورة والكوفة التي اتخذها الخليفة الرابع علي بن أبي طالب عاصمة له، ثم كانت دمشق عاصمة الأمويين في حكمهم الذي استمر من 41 هـ، إلى عام 132هـ الموافق 662 إلى 750م، وبعد سقوط النظام الأموي ونقل العاصمة إلى بغداد، احتفظت دمشق بقيمتها كعاصمة إقليمية كان يتاجر بها العباسيين والفاطميين والسلاجقة حتى عهد صلاح الدين الأيوبي، ومنها انطلق لتوحيد دول الشرق، وكذلك المغول والمماليك والعثمانيون، إلى فترة الاحتلال الفرنسي في العصر الحديث حتى الاستقلال في عام 1946م.
دمشق تعني الأرض المروية، وسميت بهذا الاسم لأنها سهل خصب يرويها نهر بردى المرتبط بها، وتقول بعض الروايات إنها سميت على اسم الزعيم اليوناني داماس الذي أسس المدينة، والشام يقال أن هذا الاسم أصله من سام بن نوح، والاسم محرف لنطق شام، وكالعادة كما رأينا في مدن سابقة، فإن أي مدينة تاريخية لها أسماء كثيرة تنتقل منها، وهنا يوجد لدمشق أسماء كثيرة منها العماد ونور ام وديمتريوس وجلق وكدنا الياسمين وغيرها، ومن الناحية الجغرافية والطبوغرافية، فإن دمشق مدينة داخلية تتكون من سهل خصب “بردى” وفروعها المتعددة، حيث تشكل ما يعرف بـ غوطة دمشق، وجبل قاسيون وهو أعلى نقطة في المدينة، والتي تبرز وتعد معلمًا مهمًا في المكان عبر تاريخها، فيما ترتفع هضبة دمشق حوالي 690 متراً عن سطح البحر.
من الصعب تحديد تاريخ بداية هذه المدينة القديمة الغارقة في التاريخ، إذ يعتقد الباحثون أنها تعود إلى تسعة آلاف عام قبل الميلاد، بحسب الحفريات التي تم العثور عليها.
عبر قرون طويلة قبل أن تصبح عاصمة الدولة الإسلامية، استوطنها وحكمها العموريون والكنعانيون والآشوريون والآراميون والبابليون والفرس السلوقيين والبطالمة والأنباط، إلى العصر الروماني عندما حكمتها الإمبراطورية الرومانية، والتي تركت أثراً عليها لا تزال قائمة حتى اليوم، ثم فترة الأنباط والبيزنطيين حتى أصبحت عاصمة الأمويين.
في البداية احتلها خالد بن الوليد في سبتمبر من عام 635م بعد حصار استمر ستة أشهر، وفي عام 636م دارت معركة اليرموك الشهيرة والحاسمة في معارك اليرموك. المسلمون في بلاد الشام، وبعد ذلك انتقل الحكام المسلمون للعيش في دمشق وأصبحت العاصمة بدلاً من أنطاكية السابقة، وعين معاوية بن أبي سفيان حاكماً لها، الذي استقل فيما بعد بحكمه ليكون نواة العاصمة الأموية، وحكم معاوية أربعين سنة منها عشرون من الكوالا وعشرون في العصر الأموي.
من أعظم الكتب عن دمشق وتاريخها ما كتبه ابن عساكر في كتابه الضخم “تاريخ مدينة دمشق” المؤلف من ثمانين مجلداً، والذي يعتبر من الأعمال العظيمة وغير المسبوقة في تاريخ الإسلام، ويشير إلى القيمة العظيمة لهذه المدينة، سواء في التاريخ بشكل عام وفي فترة الحكم الأموي على وجه التحديد، ويصنف الكتاب على أنه صيغة كتاب “تاريخ بغداد” للخطيب البغدادي، وقد قيل عنه: “إن الحياة أقصر من أن يجمعها الإنسان مثل هذا الكتاب”.
تميزت دمشق بكونها ملتقى للقوافل التجارية منذ القدم، حيث كان التجار يذهبون للتسوق، وكانت محطة للقادمين من بلاد فارس والجزيرة العربية وتركيا ومصر وغيرها، وأعطاها هذا الجانب وضعاً انعكس في بناء مكانة ثقافية ومعرفية لها من خلال هذه الحركة المستمرة وعبر العديد من العصور التي عاش فيها العلماء والكتاب وكتبوا عنها، حيث كانت مقبرة لشخصيات بارزة مثل صلاح الدين الأيوبي والظاهر بيبرس وابن عربي.
أما الآثار الأثرية والتاريخية فيها، فلعل أهمها الجامع الأموي، كما تشتهر بأسواقها الشعبية والحرف اليدوية، وبلغ عدد الأسواق التقليدية فيها 50 سوقًا، كما يمكنك الرجوع إلى قصر العظم القديم الذي يعد من القصور الجميلة، وكذلك قلعة دمشق، وسور دمشق وأبوابه ومعالم أخرى، وهناك كنائس تعود إلى العصور القديمة منها كنيسة مريم وكنيسة الزيتون، ويقدر عدد مساجدها القديمة بمئتيّ مسجد، وفيها 36 كنيسة وعشرة معابد يهودية.
أما الجامع الأموي الذي يوصف بأنه رابع مسجد في الإسلام من حيث الأهمية بعد الحرمين والمدينة والمسجد الأقصى، فقد بنيّ بأمر الوليد بن عبد الملك، وبنائه بدأ عام 705م، ومن بينهم الفرس والهنود والفنانين من بيزنطة.
سقوط دمشق
كان هناك العديد من الجماعات والأحزاب المعارضة لسياسة الدولة الأموية، وخلفائها من العلويين الجشعين للسلطة، والذين استخدموا الدين ومأساة الحسين كغطاء للاختباء وراء طموحاتهم للوصول إلى السلطة.
حيث قالوا إنهم يضطهدونكم أكثر من غيرهم ويسيئون إلى قادتهم كلما سنحت لهم الفرصة، الأمر الذي أدى في النهاية إلى نشوب صراع عنيف بين الأمويين من جهة، وبين الشيعة العلويين من طوائفهم المختلفة من جهة أخرى، وكان هذا الأمر في نهاية القرن الأول للهجرة.
كان وراء تلك الطوائف، ومن بين الشيعة المعارضين للدولة الأموية نفوذ الفرس والكارهين وأولئك الذين أرادوا استعادة قوتهم وسلطتهم المفقودة بعد زوال دولتهم وتضاءل نفوذهم، ومن كانوا في الكوفة قتلوا على يد معاوية بن أبي سفيان.
حقيقة أن هذا الأمر وغيره من الأمور التي كانت تجري في بلاد الشام أدت في النهاية إلى تدمير بنية الدولة الأموية وزعزعة استقرارها، من ناحية أخرى، لم يدعم الأمويون بعضهم البعض تجاه هذا الأمر الخطير، بل بدأوا في إثارة الفتنة وإذكاء روح التوتر لدى المسلمين، فدخلت البلاد في حالة من الفوضى ولم تنته هذه الظروف السيئة، إلا بانهيار الدولة الأموية وزوال الخلافة فيها.
معالم دمشق
انتقلت دمشق عاصمة الخلافة الأموية إلى دمشق المعاصرة، فتوسعت مدينة دمشق وامتدت في جميع الاتجاهات، وامتدت حولها الأحياء السكنية المجاورة لها من جميع جوانبها، وارتفعت فيها الأبنية والأبراج. كما في المزة العباسية والصالحية والعدوي والقصور والتجارة وغيرها، وشيء توقف بسبب أحداث الربيع العربي. مما كان له تداعياته وانعكاساته عليها وعلى مدن وبلدات سوريا ككل، كما صعدت المدينة منحدرات جبل قاسيون – الذي يرتكز عليها من الشمال – لمحدودية مساحتها، وبردى يواصل النهر تزيينه بمياهه الصافية التي تفيض في الربيع وتجف في الصيف، وترتبط دمشق مع المدن السورية والدول المجاورة عبر شبكة طرق وسكك حديدية ومطارات، حيث يوجد مطار دمشق الدولي الذي يربط دمشق بالمطارات السورية الداخلية، ومطارات العالم الخارجي، لكن أحداث الربيع العربي، أضرت بها بشكل كبير من خلال ما حدث للأحياء السكنية المجاورة وتوابعها، وكذلك قطع العلاقات مع معظم الدول العربية والأجنبية، مما أضر بالعملة السورية، وغلاء المعيشة، وهجرة أكثر الكوادر نشاطا إلى الخارج.