جدول المحتويات
كان أبو جهل ذو مكانة كبيرة في قريش وأحد ساداتها ودهاتها، ومع أنه كان شديد العداء للإسلام وللرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنّ عبد الله بن عمر روى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: “اللَّهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذينِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ بأبي جَهْلٍ أو بعُمرَ بنِ الخطَّابِ قالَ: وَكانَ أحبَّهما إليهِ عمرُ” [صحيح الترمذي| خلاصة حكم المحدث:صحيح]، فكانت عزّة الإسلام بعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لا أبا جهل.
يتحدث هذا المقال عن أبو جهل، ويشمل:
- سيرة أبو جهل.
- قصة أبو جهل.
- موت أبو جهل.
سيرة أبو جهل
هو عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي، أو هو أبو جَهل عَمْرو بن هِشَام بن المغِيرة المخزُومي الجَاهلي المعروف، وكان يُكنى بأبي الحكم.
لماذا سمي أبو جهل بهذا الاسم؟
أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على عمرو بن هشام كنية أبا جهل؛ لما كان عليه من الجهل والعناد والعداء للإسلام والمسلمين، وقال فيه (حسّان بن ثابت):” الناس كنوه أبا حكم … والله كناه أبا جهل.”
متى ولد أبو جهل؟
ولد أبو جهل في مكة المكرمة في سنة 52 قبل الهجرة الموافقة لسنة خمسمائة واثنين وسبعين للميلاد، وتوفي في السنة الثانية للهجرة الموافقة لسنة ستمائة وأربعة وعشرين للميلاد.
نسب أبو جهل
يجتمع نسب أبو جهل مع نسب النبي محمد صلى الله عليه وسلم عند مرة بن كعب بن لؤي؛ أي أنه ليس من عائلته صلى الله عليه وسلم ولكنهما من قبيلة واحدة هي قريش.
عائلة أبو جهل
- الأب: هشام بن المغيرة
- الأم: أسماء بنت مخربة التميمية
اسم والد أبو جهل
هو هشام بن المغيرة سيد بني مخزوم من كنانة. وقال ابن حزم:” أنّ أباه هشاماً كان على بني مخزوم يوم الفجار، وأرخت قريش من موت هشام لعظمته عندهم.”
اسم والدة أبو جهل
هي أسماء بنت مخربة، ويقال أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم من بني تميم، وهي صحابية من قبيلة تميم، وهي أم أبي جهل، وأم الصحابي عياش بن أبي ربيعة.
اسم زوجة أبو جهل
تزوج أبو جهل من بنت عمير بن معبد بن زرارة.
أبناء أبو جهل
- عكرمة بن عمرو بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.
- زرارة بن أبي جهل.
- تممي بن أبي جهل.
قصة أبو جهل
بيّن القرآن الكريم مدى طغيان أبي جهل وجبروته في قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ* عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ* أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ* أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ* أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ* أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ* كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ* فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ* سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ* كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}(سورة العلق: 9 – 19).
فعن عبد الله بن عباس قال: “قال أبو جهلٍ لئن رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُصلِّي عند الكعبةِ لآتِينَّه حتى أطأَ على عنقِه قال فقال لو فعل لأخذتْهُ الملائكةُ عَيانًا ولو أنَّ اليهودَ تمنَّوا الموتَ لماتوا ورأوا مقاعدَهم في النَّارِ ولو خرج الذين يُباهلون رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لرجَعوا لا يجدونَ مالًا ولا أهلًا“[السلسلة الصحيحة| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرة قَالَ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يعفِّر مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَقَالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي كَذَلِكَ لَأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، ولأعفِّرن وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلي لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجأهم مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خَنْدقا مِنْ نَارٍ، وهَولا، وَأَجْنِحَةً. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: “لَوْ دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا”. قَالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ -لَا أَدْرِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا-: {كَلا إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
موقف أبي جهل من النبي ودعوة الإسلام
- كان أبو جهل شديد العداوة للإسلام وللنبي صلى الله عليه وسلم، ومن أوجه هذا العداء كان فيما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-” أنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي عِنْدَ البَيْتِ، وأَبُو جَهْلٍ وأَصْحَابٌ له جُلُوسٌ، إذْ قالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أيُّكُمْ يَجِيءُ بسَلَى جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ، فَيَضَعُهُ علَى ظَهْرِ مُحَمَّدٍ إذَا سَجَدَ؟ فَانْبَعَثَ أشْقَى القَوْمِ فَجَاءَ به، فَنَظَرَ حتَّى سَجَدَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وضَعَهُ علَى ظَهْرِهِ بيْنَ كَتِفَيْهِ، وأَنَا أنْظُرُ لا أُغْنِي شيئًا، لو كانَ لي مَنَعَةٌ، قالَ: فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ ويُحِيلُ بَعْضُهُمْ علَى بَعْضٍ، ورَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَاجِدٌ لا يَرْفَعُ رَأْسَهُ، حتَّى جَاءَتْهُ فَاطِمَةُ، فَطَرَحَتْ عن ظَهْرِهِ، فَرَفَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَأْسَهُ ثُمَّ قالَ: “اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بقُرَيْشٍ. ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَشَقَّ عليهم إذْ دَعَا عليهم، قالَ: وكَانُوا يَرَوْنَ أنَّ الدَّعْوَةَ في ذلكَ البَلَدِ مُسْتَجَابَةٌ، ثُمَّ سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بأَبِي جَهْلٍ، وعَلَيْكَ بعُتْبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وشيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، والوَلِيدِ بنِ عُتْبَةَ، وأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وعُقْبَةَ بنِ أبِي مُعَيْطٍ – وعَدَّ السَّابِعَ فَلَمْ يَحْفَظْ -، قالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، لقَدْ رَأَيْتُ الَّذِينَ عَدَّ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَرْعَى، في القَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ”[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
- كان أبو جهل يصد عن سبيل الله ويحرّض على قتال النبي صلى الله عليه وسلم ببدر. قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(سورة الأنفال:47).
- كان أبو جهلٍ عمرُو بنُ هشام يجيءُ أحيانًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسمعُ منه القرآنَ، ثم يذهبُ عنه، فلا يؤمنُ ولا يُطيع، ولا يتأدبُ ولا يخشى؛ ويؤذِي رسولَ الله بالقول، ويَصُدُّ عن سبيل الله .. ثم يذهبُ مُختالاً بما يفعل، فخورًا بما ارتكب من الشر، كأنما فَعَل شيئًا يُذْكَر .. والتعبيرُ القرآني يتهكَّمُ به، ويَسخرُ منه، ويُثير السُّخرية كذلك، وهو يُصوِّرُ حركةَ اختياله بأنه {يَتَمَطَّى}، يَمُطُّ في ظهره، ويتعاجَبُ تعاجُبًا ثقيلاً كريهًا.
- عن عبد الله بن عباس قال:“كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يصلِّي فجاءَ أبو جهلٍ فقالَ ألم أنهَكَ عن هذا ألم أنهَكَ عن هذا ألم أنهَكَ عن هذا فانصرفَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فزبرَه فقالَ أبو جهلٍ إنَّكَ لتعلمُ ما بها نادٍ أكثرُ منِّي فأنزلَ اللَّهُ تبارك وتعالى { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } قالَ ابنُ عبَّاسٍ واللَّهِ لو دعا نادِيهُ لأخذتْهُ زبانيةُ اللَّهِ”[صحيح الترمذي|خلاصة حكم المحدث:صحيح].
- عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: “قالَ أَبُو جَهْلٍ: هلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ قالَ فقِيلَ: نَعَمْ، فَقالَ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذلكَ لأَطَأنَّ علَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ في التُّرَابِ، قالَ: فأتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ وَهو يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ علَى رَقَبَتِهِ، قالَ: فَما فَجِئَهُمْ منه إلَّا وَهو يَنْكُصُ علَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بيَدَيْهِ، قالَ: فقِيلَ له: ما لَكَ؟ فَقالَ: إنَّ بَيْنِي وبيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِن نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً. فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: لو دَنَا مِنِّي لَاخْتَطَفَتْهُ المَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا قالَ: فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لا نَدْرِي في حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَوْ شيءٌ بَلَغَهُ. قال تعالى: {كَلَّا إنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى * إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الذي يَنْهَى * عَبْدًا إذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إنْ كانَ علَى الهُدَى أَوْ أَمَرَ بالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بأنَّ اللَّهَ يَرَى* كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لا تُطِعْهُ}[العلق: 6 – 19]. زَادَ عُبَيْدُ اللهِ في حَديثِهِ قالَ: “وَأَمَرَهُ بما أَمَرَهُ بهِ. وَزَادَ ابنُ عبدِ الأعْلَى {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ}، يَعْنِي قَوْمَهُ”[صحيح مسلم| خلاصة حكم المحدث:صحيح].
- في غزوة بدر لما نجا أبو سفيان بعير قريش وبما ترك بدرًا، نزلت قريش بالجحفة، وأرسل أبو سفيان إلى قريش قائلًا: إنكم إنما خرجتُم لتمنعوا عِيرَكم ورجالَكم وأموالَكم، فقد نجَّاها الله، فارجِعوا، فقال أبو جهل بنُ هشام: واللهِ لا نرجعُ حتى نَرِدَ بدرًا ، وكان بدر موسمًا من مواسم العرب، يجتمع لهم به سُوقٌ كل عام، فنُقيمَ عليه ثَلاثًا، فنَنحرَ الجَزور، ونُطعِمَ الطعام، ونَسقيَ الخمرَ، وتَعزِفَ علينا القِيان، وتَسمعَ بنا العرب وبمسيرنا وجَمْعنا، فلا يزالون يَهابوننا أبدًا، فامضوا.
- عندما تآمر المُشركون واجتمعوا في دار الندوة، اقترح أبو جهل أن يختاروا من كُل قبيلةٍ رجلٌ، فيضربوه ضربةَ رجلٍ واحد، فيرضى قومه بالديّة، فنزلت فيه الكثير من الآيات.
- حلف أبو جهل ذات يومٍ أن يطأ عُنق النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وهو يُصلِّي، فأراه الله -عز وجل- بينه وبين النبيّ خندقاً من نار وهواء وأجنحة، فاجتنب ذلك وخاف
- لما تُوفّي القاسم قال أبو جهل: بُتِر محمد، فليس له من يقوم بأمره من بعده، فأنزل الله -سبحانه وتعالى- في قوله: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ}(سورة الكوثر: 3).
إسلام أبو جهل
لم يسلم أبا جهل لعدد من الاسباب، وهناك بعض المواقف التي دارت حول عدم إسلامه مع انه مقتنع بأن الله عزوجل موجود وأنه هو الخالق، وأنه هو الذي ألاسل محمد صلى الله عليه وسلم نبيَّا:
- كان أبو جهل يطوف حول الكعبة إلى جانب الوليد بن المغيرة وتحدثا بشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أبو جهل أنه يعلم أنه صادق؛ لما كان عليه من الصدق والأمانة في أيام الصّبا، وقال انّ ما يمنعه من الإيمان هو حتى لا تقول عنه بنات قريش أنه اتبع يتيم أبي طالب من أجل كسرة.
- قال ابن أبي حاتم عن أبي يزيد المدني أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي أبا جهل فصافحه، فقال له رجل: ألا أراك تصافح هذا الصابىء؟ فقال: والله إني لأعلم إنه لنبي، ولكن متى كنا لبني عبد مناف تبعاً؟ وتلا أبو يزيد: {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ}(سورة الأنعام: 33).
- ذكر محمد بن إسحاق عن الزهري في قصة أبي جهل حين جاء يستمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل هو وأبو سفيان والأخنس بن شريق ولا يشعر أحد منهم بالآخر، فاستمعوها إلى الصباح، فلما هجم الصبح، تفرقوا فجمعتهم الطريق فقال كل منهم للآخر: ما جاء بك؟ فذكر له ما جاء به، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا لما يخافون من علم شباب قريش بهم، لئلا يفتتنوا بمجيئهم، فلما كانت الليلة الثانية جاء كل منهم ظناً أن صاحبيه لا يجيئان لما سبق من العهود، فلما أصبحوا جمعتهم الطريق، فتلاوموا، ثم تعاهدوا أن لا يعودوا، فلما كانت الليلة الثالثة جاؤوا أيضاً، فلما أصبحوا تعاهدوا أن لا يعودوا لمثلها، ثم تفرقوا، فلما أصبح الأخنس بن شريق أخذ عصاه، ثم خرج حتى أتى أبا سفيان بن حرب في بيته، فقال: أخبرني يا أبا حنظلة عن رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال يا أبا ثعلبة: والله لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما يراد بها، وسمعت أشياء ما عرفت معناها وما يراد بها، قال الأخنس: وأنا والذي حلفت به، ثم خرج من عنده حتى أتى أبا جهل فدخل عليه بيته، فقال: يا أبا الحكم ما رأيك فيما سمعت من محمد؟ قال: ماذا سمعت؟ قال: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف: أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك هذا؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه، قال: فقام عنه الأخنس وتركه.
- أنّ الأخنس بن شريق خاطب بني زهرة يوم بدرٍ بشأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ التقى بأبي جهلٍ فسأله عن النبي -عليه الصّلاة والسّلام- أصادقٌ هو أم كاذبٌ، فقال أبو جهل: “ويحك إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء، والسقاية، والحجابة، والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟”.
كيف مات أبو جهل؟
قُتِلَ أبو جهل في غزوة بدر الكبرى، حيث روى عبد الرحمن بن عوف هذا المشهد فقال: “بيْنَا أَنَا واقِفٌ في الصَّفِّ يَومَ بَدْرٍ، فَنَظَرْتُ عن يَمِينِي وعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بغُلَامَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بيْنَ أَضْلَعَ منهما، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُما فَقالَ: يا عَمِّ، هلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلتُ: نَعَمْ، ما حَاجَتُكَ إلَيْهِ يا ابْنَ أَخِي؟ قالَ: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لذلكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقالَ لي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إلى أَبِي جَهْلٍ يَجُولُ في النَّاسِ، قُلتُ: أَلَا إنَّ هذا صَاحِبُكُما الذي سَأَلْتُمَانِي، فَابْتَدَرَاهُ بسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخْبَرَاهُ، فَقالَ: أَيُّكُما قَتَلَهُ؟ قالَ كُلُّ واحِدٍ منهمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، فَقالَ: هلْ مَسَحْتُما سَيْفَيْكُمَا؟ قالَا: لَا، فَنَظَرَ في السَّيْفَيْنِ، فَقالَ: كِلَاكُما قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بنِ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ، وكَانَا مُعَاذَ ابْنَ عَفْرَاءَ، ومُعَاذَ بنَ عَمْرِو بنِ الجَمُوحِ“[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
وعن أنس – رضي الله عنه- قال:” قَالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ بَدْرٍ: “مَن يَنْظُرُ ما صَنَعَ أبو جَهْلٍ؟ فَانْطَلَقَ ابنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حتَّى بَرَدَ، فَقَالَ: آنْتَ أبَا جَهْلٍ؟! -قَالَ ابنُ عُلَيَّةَ: قَالَ سُلَيْمَانُ: هَكَذَا قَالَهَا أنَسٌ، قَالَ: أنْتَ أبَا جَهْلٍ؟- قَالَ: وهلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟! قَالَ سُلَيْمَانُ: أوْ قَالَ: قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟! [وفي رواية]: قَالَ أبو جَهْلٍ: فلوْ غَيْرُ أكَّارٍ قَتَلَنِي”[صحيح البخاري| خلاصة حكم المحدث: صحيح].
متى توفي أبو جهل؟
توفي أبو جهل قتلأً في السنة الثانية للهجرة في غزوة بدر الكبرى وهو ابن سبعين سنة.
من قتل أبو جهل؟
كان مقتل أبي جهل على يد غلامين من الأنصار في أول عمرهم هما: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء- رضي الله عنهما-، وكذلك عبد الله بن مسعود الذي كان يستهزئ به أبو جهل ويطلق عليه اسم رويعي الغنم؛ لأنّ ساقاه كانتا نحيلتان.