جدول المحتويات
هو صحابي جليل يرجع نسبه إلى قبيلة مخزوم القرشية المشهورة بين القبائل العربية بعزة النفس والشرف، كما أنها واحدة من أقوى البطون القرشية وأكثرهم ثروة، وقد كان الوليد بن المغيرة والد خالد ابن الوليد رئيس القبيلة، وهذا ما أثر بشكل كبير على صقل شخصيته رضي الله عنه، فقد عرف بمواقفه تجاه الدعوة الإسلامية وبطولته في محاربة الكفار بعد إسلامه، حيث لقبَّه رسول الله بسيف الله المسلول.
يتحدث المقال عن خالد بن الوليد، ويشمل:
- التعريف بالصحابي خالد بن الوليد من حيث اسمه ونسبه ومولده.
- التعرف على صفات خالد بن الوليد.
- التعرف على حياته رضي الله عنه بشكل عام وخاصة قبل الإسلام.
- التعرف على عائلة خالد بن الوليد من حيث زوجاته وأبنائه ومكان سكنه.
- التعرف على موعد إسلامه رضي الله عنه.
- التعرف على خالد بن الوليد في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفي زمن الخلفاء الراشدين.
- التعرف على أسباب عزل خالد بن الوليد من قيادة الجيش في زمن عمر بن الخطاب.
- التعرف على المعارك التي شارك فيها خالد بن الوليد طوال حياته.
- التعرف على وفاته رضي الله عنه ومكان دفنه.
خالد ابن الوليد
هو أبو سليمان، خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم بن يقظة بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب، حيث ينتهي نسبه إلى مرة بن كعب بن لؤي وهو الجد السابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأمه هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها.
متى ولد خالد ابن الوليد؟
لم تكن العرب قديماً تهتمُّ بتحديد مولد الشخص بدقة، ومع ذلك يمكن تقدير ميلاده رضي الله عنه من خلال تاريخ وفاته وعمره في ذلك الوقت، حيث قدِّر عمْره حين وفاته بحوالي 60 سنة، وبذلك فإنه يكون قد ولد قبل الهجرة بحوالي 40 سنة، أي أنه ولد سنة 580 تقريباً.
اين ولد خالد ابن الوليد
ولد رضي الله عنه بمكة المكرمة، ولقد في الصحراء كعادة العرب، إذ كان يتم إرسال الأولاد إلى الصحراء من أجل الرضاعة والتعليم حتى سن معين، وبذلك فقد اكتسب صفاته العامة من الشجاعة والحكمة من الجو الصحراوي الذي نشأ به، وعند وصوله لسن السادسة عاد إلى قبيلته مرة أخرى.
صفات خالد ابن الوليد
يتمتع رضي الله عنه بشخصية قيادية وعبقرية قتالية مميزة، ودهاء وموهبة بارزة في التكتيك والتخطيط العسكري، وعلى الرغم من عدم وجود نص نص معيَّن معروف في كتب التراجم عن صفاته الجسدية، إلا أنه ومن خلال الأخبار المنقولة فإنه يتمتع بقوة جسدية مميزة؛ حيث قال في غزوة مؤته: “لقد انقطعتْ في يدي يوم مؤتة تسعةُ أسيافٍ، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية” وهذا يدل على قوته الجسدية، يدل هذا على وجود شبه كبير بين الصفات الجسدية بين خالد بن الوليد وصفات عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، إذ كان يتم الخلط بينهما كثيراً بسبب تشابه القامة، والمشية.
عُرف بالحنكة وحسن القيادة منذ شبابه وقبل الإسلام، والتي جعلتْه يتمتع بمكانة خاصة في قريش قبل إسلامه منذ وقت مبكر، وبعد إسلامه أصبح له موقعه المميز بين القادة رضي الله عنهم أمثال أبي عبيدة وغيره، أما عن صفاته فقد عرف عنه الإيثارُ وحب التضحية والفداء، كل ذلك ابتغاء لما عند الله من أجر وثواب، كما كان أيضاً عميق التفكير، يصدر رأيه بعد تمحيص شدشد وعن رويَّة وتبصر، إذ كان يفكر في الأمور مليًّا، ويطيل التفكير فيها، ثم يقرر، وكان مشهوراً بالكرم، فقد كان يعطي أي شخص يفد إليه من أشراف العرب من ماله الخاص، أما من أهم صفاته الشجاعة فهو مضرب مثلٍ للمسلمين عبر العصور.
حياة خالد ابن الوليد
عاش رضي الله عنه في جو مترف لأن والده عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي كان سيداً من سادات قريش، وبعد عودته من البادية تعلم الفروسية كغيره من أبناء أشراف مكة، ولكنه أبدى منذ صغره نبوغًا ومهارة فيها، وتميز على جميع أقرانه، وكان شجاعاً مقداماً، يمتلك مهارة خفة الحركة في الكرّ والفرّ، كما كان أبوه ذا جاه وشرف رفيع في قريش، وكان معروفاً بين الناس بالحكمة والعقل، وكان الوليد خصماً للإسلام والمسلمين، شديد النكاية بالرسول، وأورث هذا الحقد في نفوس أبنائه، لذلك كان رضي الله عنه كغيره من أبناء قريش معاديًا للإسلام، شديد العداوة لهم، شديد التحامل عليهم، وبعد وفاة والده كان حريصًا على محاربة الإسلام والمسلمين، فكان في طليعة المحاربين وجيوش قريش في جميع المعارك التي خاضها الكفار ضد المسلمين، وكان له دور بارز في نصر المشركين على المسلمين في غزوة أُحد، لكنه وبعد إسلامه قدم كل طاقته في خدمة الإسلام والجهاد في سبيل الله تعالى معلياً راية الدين، حتى أنه عند مماته كان كل شبر فى جسده لا يخلو من آثار السيوف والطعنات.
عائلة خالد ابن الوليد
عاش رضي الله عنه كغيره من الصحابة في تلك الفترة، وعلى الرغم من تنقله وسفره بسبب الحروب إلا أنه تزوج عدة مرات، وذلك كالآتي:
أبناء خالد ابن الوليد
كان له رضي الله عنه خمسةُ أبناء، وهم كالآتي:
- سليمان وهو أكبرهم، ولد عام 592، وتوفي عام 641 خلال الفتح الإسلامي لمصر.
- عبد الرحمن، الذي ولد عام 616، وهو أشهر أبنائه، أدرك النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- وشهد معركة اليرموك مع أبيه، وعاش في زمن معاوية، كما أنه شهد القتال في معركة صِفِّين، وتوفي عام 667.
- مهاجر الذي توفي عام 657 في معركة صفين.
- عبد الله الأول الذي قتل في العراق.
- عبد الله الثاني الذي توفي في سنة الطاعون.
زوجة خالد ابن الوليد
كان لخالد بن الوليد العديد من الزوجات عبر مراحل حياته المختلفة، منهنّ:
- كبشة بنت هوذة بن أبي عمرو، وهي والدة سليمان.
- أسماء بنت أنس بن مدرك الخثعمي، والدة عبد الرحمن والمهاجر وعبد الله الأول.
- أم تميم الثقفية، والدة عبد الله الثاني.
ذكر في بعض مراجع التاريخ أنه تزوج ابنة مجاعة بن مرارة من بني حنيفة، بعد انتصاره على مسيلمة الكذاب وأتباعه في موقعة اليمامة.
مكان السكن
أقام خالد بن الوليد في مكة قبل إسلامه، حيث كان يسكن في دور آل المغيرة من بني مخزوم، كما كان لهم فيها آبار خاصة، إذ كانت مواقع رباعهم في أجياد من مكة، وكانت للوليد بن المغيرة وأبنائه دورهم الخاصة في هذا الرباع، أما بعد إسلامه وانتقاله إلى المدينة المنورة فقد اتخذ داراً وعاش بها، وهي الدار التي أقامت فيها أمه عندما سكنتِ المدينة، والتي كانت قريبة من سكن خالته أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، ويقال أنه اتخذها في البطيحاء في المدينة، والتي كانت بجوار دار عمرو بن العاص، في الناحية الشرقية من المسجد النبوي.
لاحقاً تنقل رضي الله عنه أثناء حروبه ضد المرتدين وفتوح في العراق، إذ لم يستقر بمكان معين أثناء تلك الفترة من حياته، ويرجح أنه أسكن أهله في منطقة الحيرة كغيره من المجاهدين بعيد فتحها، وبعد جهاده في الشام استقر في مدينة حمص.
متى أسلم خالد ابن الوليد؟
أسلم خالد رضي الله عنه بعد صلح الحديبية، بينما كان المسلمون في مكة المكرمة من أجل أداء عمرة القضاء عام 7 هـ، ووفقاً للاتفاق الذي تم إبرامه في صلح الحديبية، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الوليد بن الوليد، وسأله عن خالد، قائلاً له: “ما مثل خالد يجهل الإسلام، ولو كان جعل نكايته وحده مع المسلمين على المشركين كان خيراً له، ولقدمناه على غيره” فأرسل الوليد رسالة إلى خالد يدعوه فيها للإسلام، وتحديداً كان إسلامه في شهر صفر سنة 8 هـ، وذلك قبل فتح مكة بستة أشهر، وقبل غزوة مؤتة بحوالي شهرين.
خالد في عهد الرسول محمد
كان الوليد بن المغيرة والد خالد رضي الله عنه على عداوة شديدة مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد هجرة النبي من مكة إلى المدينة المنورة، خاض خالد بن الوليد مع مشركي قريش العديد من المعارك ضد المسلمين، لكنه لم يشارك في غزوة بدر حيث انتصر فيها المسلمون على قريش، لكن شارك أخاه الوليد بن الوليد في الغزوة ووقع أسيراً لدى المسلمين، لكن ذهب خالد بن الوليد وأخاه هاشم بن الوليد إلى المدينة لدفع الفدية وإخراج أخيهم من الأسر، وخلال عودتهم إلى مكة هرب الوليد بن الوليد إلى المدينة وأعلن إسلامه، وبعد فترة من الزمن أسلم رضي الله عنه وفرح المسلمون بانضمامه إليهم، فقد أعزه الله بالإسلام وأعز الإسلام به، وتحول عداؤه للإسلام والمسلمين إلى حب وتراحم، واعتمد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم كقائد لجيش المسلمين في العديد من المعارك، وكانت أول المعارك التي شارك فيها ضد المشركين هي معركة مؤتة التي حدثت في شهر جمادى الأولى سنة 8 هـ.
خالد في عهد أبي بكر وعمر
بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم شارك خالد بن الوليد في قتال المرتدين خلال عهد أبي بكر الصديق، فقد ظن بعض المنافقين وضعاف الإيمان أن فرصتهم أصبحت سانحة لهم بعد وفاة النبي للانقضاض على الدين، حيث ادَّعى بعضهم النبوة، وتمرد البعض الآخر على الإسلام ومنع دفع الزكاة، ومنهم من إرتدَّ عن الإسلام، وبسبب ذلك وقع اضطراب كبير في الأمة الإسلامية، واشتعلت الفتنة التي أشعل نيرانها الكثيرون من أعداء الإسلام.
واجه الخليفة الأول أبو بكر الصديق تلك الفتنة بشجاعة وحزم، وشارك خالد بن الوليد بنصيب كبير في التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها، وذلك حينما وجّهه أبو بكر لقتال طليحة بن خويلد الأسدي، الذي ازدادت فتنته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والتفاف كثير من القبائل حوله، وقد استطاع خالد أن يُلحِق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة، حيث فرَّ طليحة على إثرها إلى الشام، وبعد تلك الحادثة بفترة أسلم طليحة وحسن إسلامه، كما راح خالد بعد فرار طليحة يتتبع فلول المرتدين في كافة المناطق، فأعمل فيهم سيفه حتى عاد الكثيرون منهم إلى الإسلام.
لم يتوقف دور خالد رضي الله عنه في القضاء على المرتدين، فقد كان له دور في القضاء على فتنة مسيلمة الكذاب، فقد أرسل أبو بكر الصديق عكرمة بن أبي جهل لقتال مسيلمة الكذاب بعد أن ادعى النبوة ، ولكنه هُزم، فأرسل له شرحبيل بن حسنة، لكنه هزم هو أيضاً، ما زاد المصيبة ثقلاً على المسلمين، وأدى هذا الأمر إلى رفع الروح المعنوية لأتباع مُسَيْلمة، لهذا لم يَرَ أبو بكرٍ بُدًّا من إرسال خالد بن الوليد إليهم، الذي خرج من البطاح إلى اليمامة لقتال مسيلمة، حيث التقى الجمعان بمنطقة عقرباء، ودارت بين الطرفين معركة عنيفة، إذ قاد مسيلمة قواته التي تزيد على 40000 مقاتل لمجابهة خالد الذي لم تكن قواته تزيد على 13000 مجاهد، ودارت رحى المعركة ازدادت على أثرها أعداد القتلى من أتباع مسيلمة، لكنه ثبت رغم كثرة أعداد القتلى، عندها أدرك خالد بن الوليد أنّ المعركة لن تركد إلا بقتله، فبرز رضي الله عنه حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى المبارزة، فجعل لا يبارز أحدًا من جيش مسيلمة إلا أرداه قتيلاً، حتى دنا من مسيلمة فأرهقه من شدة القتال وأدبر، عندها نادى مسيلمة في قومه: “الحديقةَ الحديقةَ”، فدخلوا -حديقة الموت- وأغلقوها عليهم، وأحاط المسلمون بهم، فصرخ البراء بن مالك رضي الله عنه قائلاً: “يا معشر المسلمين، احملوني على الجدار أقتحم عليهم”، فحملوه، وقاتلهم على الباب حتى تمكن من فتحه للمسلمين، فدخلوا، واقتتل الطرفان قتالاً شديدًا، وأتى وحشيّ بن حرب فهجم على مسيلمة الكذاب بحربته، وضربه رجل من الأنصار بسيفه، فقُتل، وهكذا انتهت المعركة بهزيمة أتباع مسيلمة من بني حنيفة ومقتل مسيلمة الكذاب، وقد استشهد في تلك المعركة عدد كبير من المسلمين زاد عن 360 مسلماً من المهاجرين والأنصار.
مع بدايات عام 12 هـ وذلك بعد القضاء على فتنة الردة توجه أبو بكر الصديق ببصره إلى العراق لتأمين حدود الدولة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام، حيث كان المثنى بن حارثة خلال فترة محاربة المرتدين يقاتل الفرس في العراق، وما إن انتهت حروب المرتدين بقيادة خالد، حتى أصدر أبو بكر رضي الله عنه أوامره لكل من خالد بن الوليد وعياض بن غنم رضي الله عنهما بالتوجه إلى العراق لمساندة المثنى، وقد استطاع خالد بن الوليد أن يحقق هناك عددًا من الانتصارات على الفرس، وذلك في كل من الأبلة، المذار، الولجة، أليس، وواصل رضي الله عنه تقدمه نحو منطقة الحيرة ففتحها بعد أن بقي أهلها على دينهم وصالحوه على الجزية، واستمر خالد في تقدمه وفتوحاته في العراق حتى فتح جانبًا كبيرًا منها، ثم اتجه إلى مدينة الأنبار ليفتحها، لكن تحصن أهلها بها، وكان حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه، فوضع رضي الله عنه خطة محكمة أدت إلى إذعان قائد المشركين وطلب الصلح، وأصبحت مدينة الأنبار في قبضة المسلمين.
في ذلك الوقت كانت الأمور في الشام تتطور بصورة خطيرة، فقد جمع الروم قوات كبيرة لمحاربة الفاتحين المسلمين، عندها أرسل أبو بكر الصديق سيف الله المسلول إلى هناك، حيث قال: “والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد”، وفعلاً لم يخيب خالد بن الوليد ظن أبي بكر فيه، فقد استطاع الوصول إلى الشام بسرعة بعد أن سلك طريقًا مختصرًا، متخذًا رافع بن عمير الطائي دليلاً له، ذلك ليكون في نجدة أمراء أبي بكر في الشام، هم أبو عبيدة عامر الجراح، وعمرو بن العاص، وشرحبيل بن حسنة، فيفاجئ الروم قبل أن يستعدوا له، وما إن وصل رضي الله عنه إلى الشام حتى عمد إلى تجميع كافة جيوش المسلمين تحت راية واحدة، ليتمكنوا من مواجهة عدوهم، وكانت أول مهمة تتطلب الحل هي تقسيم القوات، فقد كان خالد القائد المحنك يؤمن بنوعية المقاتل، وقدرة هذه النوعية على تحقيق التعادل ضد التفوق الكمي للروم، حيث تم تقسيم الجيش الإسلامي كراديس أو كتاتيب، وذلك من أجل إكثارهم في عين عدوهم فيهابهم، وجعل كل واحد من قادة المسلمين على رأس عدة كراديس، فجعل أبا عبيدة عامر بن الجراح في القلب على 18 كرداساً، كان معه كل من عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو، أما عمرو بن العاص فجعله في الميمنة على 10 كراديس كان معه شرحبيل بن حسنة، وجعل يزيد بن أبي سفيان في الميسرة على 10 كراديس، لكن قبل الوصول إلى منطقة اليرموك قاد خالد بن الوليد مجموعة من الأعمال القتالية المتفرقة التي كان الهدف منها استنزاف قوة الروم قبل المعركة الحاسمة، وملاحظة قدراتهم، وبعد فترة من الزمن التقى المسلمون والروم في وادي اليرموك في المعركة الكبيرة، وحمل المسلمون على الروم حملة شديدة، وأبلوا فيها بلاء حسناً حتى انتصروا على أعدائهم وألحقوا بهم الخسائر الفادحة، استشهد من المسلمين في هذه المعركة نحو 3000 مسلم.
العزل
عزل عمر بن الخطَّاب خالد بن الوليد بعد توليه الخلافة للمرَّة الأولى عن إمارة الأمراء في الشام والقيادة العامَّة التي سلمه إياها أبي بكر الصديق أثناء فترة خلافته، وذلك في السنة 13 هـ، كان سبب هذا العزل هو اختلاف منهج أبي بكر الصديق عن الفاروق عمر في التَّعامل مع الأمراء والولاة في المناطق التي دخلها الإسلام، فقد كانت سياسة الصديق مع عمَّاله، وأمراء عمله أن يترك لهم الحريَّة في التّصرُّف بشكل كامل في حدود النظام العام للدولة الإسلامية، مشروطاً ذلك بتحقيق العدل بين الأفراد والجماعات، وذلك من باب أن للوالي حقٌّ يستمدُّه من سلطان الخلافة في تدبير أمور ولايته دون رجوعٍ في الجزئيَّات إِلى أوامر الخليفة.
كان الفاروق سابقاً قد أشار على أبي بكر بأن يكتب لخالدٍ رسالة بألا يعطي شاةً، ولا بعيراً إِلا بأمره، فكتب إِليه خالد رده: “إِما أن تدعني وعملي، وإِلا فشأنُك، وعملُك”، هنا أشار عمر على أبي بكر عليه بعزله، ولكنَّ الصديق أقرَّ خالداً على عمله، وذلك لما تولَّى الفاروق الخلافة كان يرى بأنَّه يجب على الخليفة أن يحدِّد لولاته وأمرائه في كافة الأقطار طريقة سيرهم في حكم ولاياتهم، ويحتِّم عليهم أن يردُّوا إِليه كل ما يحدث عندهم حتَّى يكون هو الذي ينظر في تلك الأمر، ثمَّ يأمرهم بأمره بما يتناسب مع الوضع العام، وعليهم التَّنفيذ، لذلك لمَّا ولِّي الخلافة كتب رسالة إِلى خالد بألا تعطي شاةً، ولا بعيراً إِلا بأمري. فكتب إِليه خالد رده فقال: “إِمَّا أن تدعني وعملي، وإِلا فشأنك بعملك”، فقال عمر رضي الله عنه: “ما صدقتُ الله إِن كنت أشرت على أبي بكرٍ بأمرٍ، فلم أنفِّذه”، فعزله من منصبه.
استقبل خالدٌ هذا العزل دون أي اعتراضٍ، وظلَّ رضي الله عنه تحت قيادة الصحابي أبي عبيدة رضي الله عنه حوالي ح سنوات حتَّى فتح الله عليه مدينة قنَّسرين، فولاه أبو عبيدة رضي الله عنه عليها، وكتب رسالة إِلى أمير المؤمنين عمر يصف له الفتح، وبلاء خالد فيه، فقال عمر مقولته المشهورة: “أمّر خالداً نفسه، رحم الله أبا بكر هو كان أعلم بالرِّجال منِّي!”.
بعد فترة من تولي إمارة قنسرين جاء العزل الثاني لخالد بن الوليد، وكان ذلك في عام 17 ه، فقد بلغ أمير المؤمنين: أنَّ خالداً وعياض بن غنم رضي الله عنهما أدربا في بلاد الروم، وتوغَّلا في دروبهما، ورجعا بغنائم عظيمةٍ، وأنَّ بعض الرجال من أهل الآفاق قصدوا خالداً لمعروفه، كان منهم الصحابي الأشعثُ ابن قيسٍ الكندي، فأجازه خالدٌ بمبلغ مالي كبير، وكان عمر بن الخطاب لا يخفى عليه شيءٌ في عمله، فكتب عمر إِلى قائده العامِّ أبي عبيدة يأمره بالتَّحقيق مع خالد بن الوليد في مصدر هذا المال الذي أعطى منه الأشعث تلك الإِجازة، وعزله بسبب ذلك عن العمل في الجيش إِطلاقًا، واستقدمه المدينة المنورة، وتم استجواب خالد بحضور أبي عبيدة، وترك بريد الخلافة ليتولَّى أمر التحقيق، وترك إِلى مولى أبي بكر يقوم بالتَّنفيذ، وانتهى الأمر بعد فترة من التحقيق ببراءة خالدٍ أن يكون مدَّ يده إِلى غنائم المسلمين، بسبب ذلك كَثُر الّلغط في الأمصار والمناطق البعيدة حول عزل عمر لخالد فأرسل إليهم يقول: “إني لم أعزل خالداً عن سخطة ولا خيانة، ولكنّ الناس فُتنوا به، فخِفت أن يوكِلوا إليه ويُبتلوا به، فأحببت أن يعلموا أنّ الله هو الصانع، وألا يكونوا بعرض فتنة).
معارك خالد ابن الوليد
قاد خالد بن الوليد عدداً من المعارك قبل إسلامه وبعده، وشارك في بعضها تحت إمرة بعض الصحابة، وذلك كالآتي:
المعارك قبل إسلامه
- غزوة أُحُد: سنة 3هـ ضد المسلمين، وتمكن من الانتصار عليهم، حيث مالت كفة النصر في البداية للمسلمين فقاموا بجمع الغنائم، فاستغل خالد هذه الفرصة وعاود الهجوم عليهم ما أدى إلى هزيمتهم.
- غزوة الخندق: سنة هـ ضد المسلمين والتي انتصر فيها المسلمون على كفار قريش، وذلك بعد أن حفر المسلمون خندقاً حول المدينة، لذلك لم تستطع قريش تجاوزه لدخولها فخسروا الحرب.
المعارك خلال فترة الرسول
- غزوة مؤتة: سنة 8 هـ، حيث أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم حملة عسكرية إلى الغساسنة، عيّن فيها زيد بن حارثة قائداً لجيش المسلمين وفي حال استشهاده يتسلم جعفر بن أبي طالب قيادة الجيش بعده، وفي حال استشهاده يتسلم عبد الله بن رواحة قيادة الجيش، وفي حال استشهاد القادة الثلاث، يختار المسلمون قائداً من بينهم، وفعلاً خلال الحرب استشهد القادة الثلاثة، فاجتمع الجيش وقرروا اختيار خالد بن الوليد ليكون قائداً للجيش.
- فتح مكة: سنة 8 هـ، حيث شارك فيها وكان حديث العهد بالإسلام، وجهز الرسولُ صلى الله عليه وسلم جيشاً قوامه 10000 مقاتل لفتح مكة، وقد تحرَّك الجيشُ حتى وصل مكة، فدخلها سلماً دون قتال، إلا من جهة خالد بن الوليد، حيث حاول بعضُ الرجال من قريش بقيادة عكرمة بن أبي جهل التصديَ لهم، فقاتلهم خالدٌ رضي الله عنه وقَتَلَ منهم 12 رجلاً، وفرَّ الباقون، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان.
- غزوة حنين: سنة 8هـ.
- معركة تبوك: سنة 8هـ.
المعارك والحملات العسكرية في عهد أبي بكر
- حروب الردة، ومعركة اليمامة: سنة 12 هـ، حيث قاد الجيش ضد مسيلمة الكذّاب الذي ادّعى النبوة وأتباعه، وهزمهم خالد بن الوليد، وقتل خلالها مسيلمة.
- فتح بلاد ما بين النهرين (العراق): سنة 12 هـ، حيث انتصر رضي الله عنه على الفرس في 4 معارك متتالية هي: معركة سلاسل أو ذات السلاسل، ومعركة النهر أو المذار، ومعركة الولجة، ومعركة أليس، كما حاصر أيضاً مدينة الأنبار في حرب تسمى معركة ذات العيون، بعد ذلك عاد رضي الله عنه إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج، وعند عودته إلى العراق وجد الفرس قد نظموا أنفسهم في 4 مخيمات للقضاء على جيوش المسلمين وإخراجهم من العراق، فقام خالد بتقسيم جيشه إلى 3 أقسام هاجمت مخيمات الفرس وتمكنت من هزيمتهم، حيث حدثت بينهم عدة معارك، سنة 12 هـ أيضاً هي كالآتي: المضيح، الثني، الزميل.
- فتح بلاد الشام: بعد نجاح فتح بلاد ما بين النهرين، أرسل الخليفة أبو بكر الصديق خالد بن الوليد إلى بلاد الشام لمؤازرة جيش المسلمين هناك الذي كان تحت قيادة أبي عبيدة ابن الجراح بهدف فتح بلاد الشام وإخراج البيزنطيين منها، فدخل أولاً سوريا وتمكن من فتح العديد من المدن، هي: سوا، تدمر، آراك، القريتين، السخنة، الحوارين) وذلك بعد هزيمة القوات البيزنطية فيها، ثم انتقل على رأس جيشه نحو مدينة بصرى، وبوصول أنباء عن وصوله، أمر أبو عبيدة بمهاجمة مدينة بصرى وتمكن المسلمون من هزيمة القوات البيزنطية وقوات الغساسنة هناك، وتم فتح مدينة بصرى في معركة أجنادين سنة 13 هـ، ثم تقدمت جيوش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد إلى مدينة دمشق للسيطرة عليها، حيث تمكنوا من هزيمة البيزنطيين في معركة سانيتا العقاب وفتح المسلمون دمشق سنة 13 هـ.
المعارك والحملات العسكرية في عهد عمر بن الخطاب
- معركة أبو القدس: بعد عزل خالد وتعيين أبو عبيدة لقيادة جيش المسلمين في بلاد الشام، تم إرسال القوات إلى بلدة أبو القدس بالقرب من زحلة من أجل فتحها وتحريرها من النفوذ البيزنطي، لكن عدد الحامية البيزنطية هناك كان كبيراً فأرسل أبو عبيدة خالداً بن الوليد على رأس جيش لإنقاذ جيش المسلمين هناك، فتوجه خالد إلى البلدة وهزم القوات البيزنطية في معركة حانية سميت على اسمها وكان ذلك سنة 13 هـ، ثم توجه الجيش إلى الأردن وهزموا البيزنطيين في معركة فحل، كان ذلك في نفس العام.
- معركة دمشق: بعد الانتصار في معركة فحل، تم تقسيم الجيش بأمر من أبي عبيدة إلى قسمين الأول توجه نحو حمص، والثاني توجه نحو بعلبك، فاستغل هرقل القائد البيزنطي ذلك وحاول احتلال دمشق، لكنّ شخصاً أخبر خالد بنية هرقل، فتوجه رضي الله عنه إلى دمشق وهزم القوات البيزنطية هناك في معركة دمشق، وبعد أسبوع من هزيمتهم في دمشق تمكن أبو عبيدة من هزيمة القوات البيزنطية في بعلبك في معركة المعراج-آل روما وفتحها، بعد ذلك أرسل أبو عبيدة قوة من المسلمين بقيادة خالد بن الوليد إلى مدينة حمص لفتحها، فطلب حكامها الصلح مع المسلمين لعام واحد فقبل أبو عبيدة ذلك، وتوجه خالد بن الوليد إلى مدينة حماه، فخرق البيزنطيون السلام فعاد خالد بن الوليد إلى حمص مرة أخرى وفتحها بعد شهرين من الحصار، وذلك سنة 15هـ.
- معركة اليرموك: بعدة عدة هزائم على أيدي المسلمين جمع هرقل قواته البيزنطية في الجنوب من أجل ضرب المسلمين، فنصح خالد بن الوليد أبا عبيدة رضي الله عنهما بتجميع قواته في مكان واحد لخوض معركة حاسمة ضد البيزنطيين، فقام أبو عبيدة بتجميع الجيوش في منطقة الجابية، ثم نقل القيادة إلى خالد في هذه المعركة، حيث طلب من قواته التوجه إلى سهل اليرموك لوجود إمدادات جيدة من المراعي والمياه، وفي 5 من رجب سنة 15 هـ، حصلت معركة اليرموك التي استمرت 6 أيام متتالية تمكن من خلالها المسلمون من إلحاق الهزيمة بالقوات البيزنطية.
- فتح القدس: بعد انتصار المسلمين في معركة اليرموك قاد خالد بن الوليد الجيش نحو مدينة القدس وحاصرها لمدة 4 أشهر، بعد ذلك وافقت المدينة على الاستسلام للمسلمين، لكن شرط أن يأتي الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إليها، فجاء الخليفة وفتح المسلمون القدس سنة 16 هـ، في هذه الأثناء فتحت قوة من المسلمين مدينة بيروت.
- فتح شمال سوريا: بعد فتح القدس توجه خالد بن الوليد إلى منطقة شمال سوريا من أجل فتحها، فهزم البيزنطيين في معركة الحاضر، كما تمكن من فتح قلعة شالسيس، ثم فتح مدينة حلب.
- فتح أنطاكية: توجع الجيش الإسلامي إلى أنطاكية بعد الانتصار على البيزنطيين في معركة جسر الحديد، في هذه الأثناء فتح القائد أبو عبيدة كلاً من مدينة اللاذقية، وطرطوس وجبلة، ومدن ساحل بلاد الشام، فحاول هرقل للمرة الأخيرة استعادة بعض المناطق التي خسرها فقاد جيشه في حرب ضد المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في معركة القادسية، حيث تمكن رضي الله عنه من هزيمته.
- حملات في أرمينيا والأناضول: كان من الضروري في تلك الفترة تأمين مناطق الفُتوح الإسلامية في منطقة الشام من التعرُّض لأي ردَات من البيزنطيين، لذلك كان لا بد من السيطرة على منطقة أقصى شمالي سوريا المُلاصقة للحُدود مع الأناضول، فهاجم جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد منطقة الجزيرة السورية وتمكن من فتحها، ثم فتح بعد ذلك مدينة الرُّها، ثم منطقة آرارات حتى وصل إلى وسط الأناضول، كان ذلك سنة 19 هـ، فعانى الجيش من المجاعة وأصابه مرض الطاعون، فعزل عمر بن الخطاب خالداً من قيادة الجيش.
وفاة خالد ابن الوليد
تُوفّي خالد بن الوليد بالطاعون الذي اجتاح منطقة بلاد الشام، المعروف باسم طاعون عمواس، وذلك أثناء خلافة عمر رضي الله عنه سنة 21 هـ، حيث توفي في مدينة حمص في 18 من شهر رمضان، وقد حزن المسلمون حزناً شديداً على وفاته.
لما حضرت وفاته قال: “لقد طلبت القتل فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متتَرِّس بها”، ثم قال: “إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي، فاجعلوه عُدَّة في سبيل الله”.
أين قبر خالد ابن الوليد؟
دفن رضي الله عنه في مدينة حمص، وقبره معروف هناك إلى الآن، ويقع حالياً ضمن مسجد واقع خارج السور إلى الجهة الشمالية من المدينة، وقد اتصل به العمران وصار حوله حي سكني يسمى (حي سيدي خالد) ويسمى المسجد المدفون فيه مسجد سيدي خالد.