جدول المحتويات
يتم تداول الكثير من الأقاويل بين الناس عن ليلة القدر ودلالاتها، فالبعض يزعم أنها تكون في ليلة الـ27 من شهر رمضان، فيما يقول آخرون بأنها في اليوم الـ29، والبعض الثالث يعتقد بأنها تكون في نفس ليلة ختم القرآن بالحرم النبوي الشريف في الليلة التاسعة والعشرين من الشهر، لكن هذا يختلف من دولة لأخرى، إذ أن هناك دول تختم القرآن في الليلة السابعة والعشرين، على أن هذه الآراء لم يتم إثباتها لامن النص القرآني أو من السنة النبوية.
يتساءل البعض حول إمكانية التعرف على هذه الليلة من خلال بعض العلامات أو الدلالات، لكن المشكلة تكون في كتابة التقاويم أو الرسائل التي تأتي في الهواتف المحمولة بأن هناك ليلة حددة هي ليلة القدر، وبالتالي فإن على المسلمين أن يعرفوا بأن هذه المعطيات تفتقر للدقة.
آراء العلماء في معرفة ليلة القدر
الشيخ صفوان فواز هو أحد أعضاء هيئة كبار العلماء، ويقول بأنه واحدة من أبرز سمات العشر الأواخر من رمضان أنه يتفق فيها قدوم ليلة القدر، واستدل على فضلها بآيات قرآنية مثل: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}(القدر: 3)، والحديث النبوي: “من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه”(متفق عليه)، على أن أحدًا لا يمكنه أن يتوقع هذه الليلة، ويكون تحريها آتيًا عن القيام وأداء المناسك الدينية في كافة الليالي العشر من رمضان، وهذا يكون خير للعابد من جهتين، الأول أنه يحقق ثواب العبادة وفضلا في كل الأيام العشر، والثاني أنه سيدرك – لا محالة – ليلة القدر.
على المسلمين أن يجتهدوا في كل ليلة من العشر الأواخر عابدين، فيقرأون القرآن ويسبحون ويقيمون الليل، فهي الليالي التي تُعتق فيها رقاب الناس من النار، ونستدل على ذلك من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن شهر رمضان “إنَّ للَّهِ عندَ كلِّ فِطرٍ عتقاءَ وذلِك في كلِّ ليلةٍ”(صحيح ابن ماجه)، فإن هذه القيم السامية يجب على المؤمن أن يتحراها وأن لا يفوتها إذ تمر عليه، وأن يكرس معظم وقته لله عز وجل، وهذا يجعله يفوز بنفحات الشهر التي تقدمه إلى نيل الدرجات السامية من الجنان والنعيم.
علامات ليلة القدر
تطلع الشمس بلا شعاع في صبيحتها
المقصود هنا النهار الذي يطلع في اليوم التالي من ليلة القدر، وتم الاستدلال على هذه العلامة من الحديث الشريف: “سَمِعْتُ أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ يقولُ: وَقِيلَ له إنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ مَسْعُودٍ يقولُ: مَن قَامَ السَّنَةَ أَصَابَ لَيْلَةَ القَدْرِ، فَقالَ أُبَيٌّ: وَاللَّهِ الذي لا إلَهَ إلَّا هُوَ، إنَّهَا لَفِي رَمَضَانَ، يَحْلِفُ ما يَسْتَثْنِي، وَوَاللَّهِ إنِّي لأَعْلَمُ أَيُّ لَيْلَةٍ هي، هي اللَّيْلَةُ الَّتي أَمَرَنَا بهَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بقِيَامِهَا، هي لَيْلَةُ صَبِيحَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ في صَبِيحَةِ يَومِهَا بَيْضَاءَ لا شُعَاعَ لَهَا.”(صحيح مسلم).
صفاء الجو
لقد تم الاستدلال على هذه العلامة من حديث ابن عباس عند ابن خزيمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ليلة القدر ليلة طلقة، لا حارة ولا باردة، تصبح الشمس يومها حمراء ضعيفة”(رواه الطيالسي بإسناد صحيح).
مضيئة
لقد تم الاستدلال على هذه العلامة من حديث واثلة بن الأسقع رضوان الله عليهما، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال “ليلة القدر ليلة بلجة لا حارّة ولا باردة لا يُرمى فيها بنجم”(رواه أحمد)، وبلجة تعني مضيئة، فهي ليست بحارة، وليست بباردة، وقال “لا يرمى فيها بنجم”، والمعنى هنا أن الشهب لا تتساقط في السماء هذه الليلة.
يمكننا أن نرى أن هذه العلامات جاءت عن أحاديث صحيحة، ويمكن من خلالها أن نتعرف على ليلة القدر، والرأي عند الشيخ الفوزان أنه ليس من الضروري أن يعلم الإنسان ميقاتها تحديدًا طالما أنه اجتهد وأخلص في العبادة لوجه الله تعالى، وأن العبرة بهذا الإخلاص، حيث إن الذين اجتهدوا دون أن يحاولوا معرفتها قد يكونون أعظم منزلة عند الله من الذين ظلوا ورائها حتى يغتنموها وحدها.
أما الشيخ عايض العصيمي فيقول بأن الليلة لها أمارات تظهر في المنام، وتظهر حين اليقظة، فإن عدد من فقهاء الدين من السلف أوردوا في مخطوطاتهم بأنها قد ترى بالعين لمن وفقه الله عز وجل، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يتمكنون من التعرف عليها بالملاحظة المباشرة لأماراتها المتجلية، غير أن عدم القدرة على التعرف عليها لا يحرم الناس من فضلها طالما أنهم أقاموها عابدين مخلصين.
ليلة القدر ليلة وترية
هذا ما أوضحه الشيخ الزهراني خطيب جامع القاضي بالرياض، حيث قال أن ليلة القدر تأتي ضمن الليالي الوترية، فهي واحدة من 5 ليالي لا تخرج عنها: 21 – 23 – 25 – 27 – 29، وهي تكون بينها في كل عام ولا تخرج عنها، ولقد أوضح أن عدد من الفقهاء حدد أنها ليلة السابع والعشرين، ويرى الشيخ الزهراني أنه من المستحب أن يكرر العابد دعاء الله بالعفو، فإنها ليلة للعتق من النار، ولقد نصح الرسول صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة بدعاء “اللهم إنك عفوٌ تحب العفو فاعفو عني”.
عندما نحسب الألف شهر نجد أنهم يعادلون 83 عام من العبادة، فما بالك أن القرآن يقول أنها خيرٌ من ألف شهر، فهذا يتجاوز عمر الإنسان نفسه، والواقع أن العديد من المسلمين يدخلون شهر رمضان نشطين للعبادة، حتى إذا مرت الأيام نالهم من الكلل نصيب كبير، وأصبحوا مع الليالي العشر أكثر فتورًا، مع أن العكس هو الصواب، وأنها هي الليالي التي يُفضل فيها الاجتهاد.