جدول المحتويات
فضل ليلة القدر
خصّ الله تعالى عباده بليلة عظيمة، تُمحى فيها الذنوب والسيئات، وترفع الأعمال فيها إليه عزّ وجل وتكتب الأقدار للعام التالي، وهي ليلة القدر، التي يعد أجر كل عبادة وطاعة يقوم بها المسلم خيراً من ألف شهر؛ فهي الليلة التي أنزل فيها جبريل عليه السلام بأمر من الله تعالى القرآن الكريم، وبيّن الرسول ﷺ فضلها وشرفها وقدرها، وأوصى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بالإكثار من الدعاء التالي: “اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عني”، لما ورد على لسانه في قوله ﷺ: “يا رسولَ اللَّهِ، أرأيتَ إن وافقتُ ليلةَ القدرِ ما أدعو؟ قالَ: تقولينَ: اللَّهمَّ إنَّكَ عفوٌّ تحبُّ العفوَ فاعفُ عنِّي” [الترمذي| خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح].
معنى دعاء “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”
معنى العفوّ
العفوّ هو الاسم السادس والستون من أسماء الله الحسنى، وهو مشتق من كلمة “العَفْو”، ومعناها العقد لتناول الشيء، وقد ورد هذا الاسم في العديد من الآيات الكريم، منها قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً} [سورة النّساء:43]، والأصل من هذه هو المحو والطمس، وهي من صيغ المبالغة التي تأتي على وزن “فعول”، وفي الحديث الشريف يُقصد بها عفو الإنسان من ذنوبه مهما كان شأنها، وهي بمعنى سعة صفح الله تعالى عن تلك الذنوب إذا تاب وأناب ورجع إلى ربه سائلاً العفو والصفح والغفران.
معنى الكريم
الكريم أيضاً أحد أسماء الله الحُسنى، وورد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [سورة الإنفطار:6]، إلى جانب آيات أخرى من كتابه عز وجل، ومعناها كثير الخير، عظيم النفع، وفي هذا الحديث النبوي علّم الرسول المسلمين هذا الدعاء دون غيره لتكراره في هذه الليلة المباركة، ليلة القدر، تشجيعاً لهم على طلب العفو من الله الكريم على عباده بعفوه وتجاوزه عن ذنوبهم وترك العقاب له وحده لا شريك له، وفي ذلك توسّل وتضرع له تعالى باسمين كريمين قبل سؤاله له لإعطاء المرجوّ منه.
معنى تحب العفو
يدل هذا الحديث النبوي الشريف دلالة واضحة على أن العفو هو سؤال الله ليتجاوز عن الذنب، وقد يكون بعد العقوبة أو قبلها، وذلك بخلاف المغفرة، ولقوله المصطفى: “تحب العفو”…؛ أي أنه الله تعالى يحب من عباده أن يعبدوه ويتضرعون له بأسمائه الحُسنى، والعمل بمقتضاها ومضمونها؛ ذلك لأن ترك العقاب على الذنوب يجعل العبد يأمن من إنزال المصائب والشدائد في الحياة الدنيا، أما في الآخرة فإنه يترتب على سؤال الله العفو حُسن الجزاء لدخول النعيم.
الحكمة من دعاء “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”
تتلخص الحكمة من هذا الدعاء في ليلة القدر على تخصيص واحد من أسماء الله الحُسنى، وهو العفوّ، بالدعاء فيه تأكيداً على المكانة العظيمة والمباركة لليلة القدر، التي يعفو الله فيها عن عباده، كما أنه يحث العبد على الإحساس بذنوبه والاعتراف بها وبأخطائه، ما يجعله متضرعاً خاشياً من الله وعظيم قدرته وطلب العفو منه، فضلاً عن قوة استشعار المؤمن وحسن ظنه بالله عز وجل ليغمر قلبه بالطمأنينة بعد الرجاء، وفي تكرار الدعاء صورة من من صورة افتقاره لربه، وتذللاً بين يديه مُتعلقاً بمرضاته سبحانه العظيم.
فضل الدعاء في ليلة القدر
تتجلى الحكمة والموعظة الحسنة في الإكثار من الدعاء في ليلة القدرة، كونها أعظم وأشرف الليالي على الإطلاق؛ حيث فضلها الله تعالى بقوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 1-3]؛ حيث إن صحّ فيها تضرع المسلم وتواصله مع ربّه بالإقبال والدعاء والصلاة والقيام؛ فإن ذلك يعادل أو يزيد بخيره عن عبادة الله ثمانون عاماً عبادة جوفاء؛ فليلة القدر كما ذكرت في السورة الكريمة؛ لها خيرٌ كثير، وهو خيرٌ من ألف شهر.