جدول المحتويات
شهد عصرنا الحالي وخاصة خلال العشرين سنة الماضية تفجراً معرفياً هائلاً وغير مسبوق في كافة الميادين، منها ميدان التعليم، ولم يعد بوسع الإنسان أن يحيط بكل هذه المعارف المتدفقة إلا بالقدر اليسير، وبسبب ذلك تغيرت العديد من المناهج الدراسية وأصبح هناك حاجة ملحة إلى تطوير أساليب التعليم المستخدمة في المدارس ليغدو كل من الطالب والمعلم قادراً على التعامل مع المشكلات المصاحبة للتطور التقني العالي والسريع، لذلك فقد سعت الإدارات التربوية إلى بناء مناهج دراسية جديدة ومتطورة تلبي احتياجات الجيل الجديد، وإلى تدريب المعلمين على أساليب وأنماط التعلم القادرة على التفاعل مع متغيرات العصر، وتمثل إستراتيجيات التدريس الحديثة التي تم تطوير بعضها وابتكار البعض الآخر عنصراً أساسياً لتحقيق التفاعل النشط مع هذه المناهج إلى جانب خلق جيل متعلم يعتمد في تعلمه على أسلوب حل المشكلات وتطبيق كل ما تعلمه في المدرسة في حياته الواقعية، وهذا ما يشير بشكل مباشر إلى مفهوم التعلم مدى الحياة.
انطلاقاً من هذه الإستراتيجيات يكون للمعلم داخل الغرفة الصفية دوراً جديد يلعبه، ألا وهو أن يكون مُيسِّراً لعملية التعلم، وأن يوظف كافة إمكاناته وطاقاته في إيجاد طرق تدريس تجعل الطالب أكثر استقلالية، ويعتبر التعلم من خلال اللعب من الإستراتيجيات التي يمكن استغلالها بطرقة مناسبة في الغرفة الصفية، خاصة للصفوف الثلاثة الأولى والصف الأول الابتدائي، وقد انتشرت فكرة استخدام الألعاب التربوية في الغرفة الصفية منذ فترة طويلة إلا أنه كان في نطاق ضيق، حيث كان المعلمون في تلك الفترة يتيحون الفرصة أمام الطلاب بالقيام باللعب الإيهامي في بعض الدروس مثل تمثيل مسرحية، وتقمص شخصيات معينة، لكن في ستينات هذا القرن شاع استعمال الألعاب التربوية في المدارس بشكل أكبر؛ لإن استخدام معلم الصفوف الثلاثة الأولى للألعاب التربوية يؤدي إلى زيادة التعلم، خاصة إذا كان المعلم بحاجة إلى تثبيت مهارة معينة تحتاج إلى تكرار وفهم من أجل إتقانها.
تعريف إستراتيجية التعلم باللعب
بعد كل ما سبق أصبح لا بدّ من تعريف اللعب أولاً، فهو عبارة عن نشاط موجه يقوم به مجموعة من الأطفال من أجل تنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية والوجدانية والجسمية، وفي نفس الوقت يحقق أيضاً المتعة والتسلية، أما أسلوب التعلم باللعب فهو يقوم على استغلال أنشطة اللعب التي تناسب مرحلة عمرية محددة في اكتساب المعرفة وتقريب مبادئ العلم وتوسيع الآفاق المعرفية لها، ويمكن تعريف اللعب عند (بياجه) على أنه: تمثيل خالص من المعرفة فكل من اللعب والتمثيل مهمان بشكل كبير في نمو الذكاء لدى الفرد، ويرى أيضاً بأن اللعب يشكل دوراً أساسياً في نمو الأطفال سواء معرفياً أو عقلياً أ انفعالياً، أو اجتماعياً أو حركياً.
يمكن تعريف إستراتيجية التعلم باللعب على أنه نشاط موجه إلى الأطفال من أجل تعديل وتحسين السلوك لديهم، كما أنها تساعد في تنمية قدراتهم الوجدانية والجسمية والعقلية، وبذلك فإن التعلم باللعب عبارة عن إستراتيجية تعليمية حديثة تعمل بشكل مباشر على إثارة نشاط المتعلم وسلوكه وتساعده على زيادة رغبته بالتعلّم، إلى جانب سعيها في تحقيق أهداف تعليمية معينة، فالتعلّم باللعب نشاط موجه ليس عشوائياً أو ارتجالياً بل يقوم على أسس محددة ومعروفة.
وسائل إستراتيجية التعلم باللعب
- ألعاب الحركة: كانت هذه الألعاب تُستخدم بشكل كبير منذ القدم، فهي تهدف إلى تنشيط الطاقة الحركية لدى الأطفال، الأمر الذي يُحفز طاقتهم العقلية، و مِن أهم الأمثلة على هذه الوسيلة هي ألعاب القفز والسباحة وشد الحبل واللعب بالكرات، وأكثر وقت يتم استخدام هذه الوسيلة هو حصة الألعاب أو الرياضة.
- ألعاب التمثيل: يتم تطبيق هذا النوع من الوسائل في كافة المؤسسات التعليمية، فهي تقوم على تكليف عدد من الطلاب بلعب أدوار معينة في مسرحية، وذلك من أجل تعزيز وتدعيم شخصيتهم التي يتقمصونها، وهذه الطريقة تُعزز وبشكل كبير المهارات الشخصية للطالب، خاصة مهارات التحدث والإلقاء والحوار، والحفظ.
- الدمى: تُعتبر الدمى واحدة مِن أقدم الوسائل المُستخدمة في الغرفة الصفية لإستراتيجية التعلم باللعب، فهي تهدف إلى تنمية مهارات الطفل عن طريق التعامل مع عدد من الأشخاص غير الواقعيين، وهذه الوسيلة تُستخدم بشكل كبير خارج المؤسسات التعليمية، أيضاً فهي طريقة ممتازة لتعليم أي شيء لأي شخص ليس الأطفال فقط.
- ألعاب الذكاء: تعتبر هذه الوسيلة من الوسائل المستحدثة في التعلم باللعب، فهي ترتبط بمجموعة مِن الألعاب الخاصة التي تعمل على تحفيز القدرات الذهنية لدى الأطفال، حيث تجعل الطفل في حالة تفكير مستمرة؛ الأمر الذي يُنمي ويُحفز قدراته العقلية وينشطها، ومن أهم الأمثلة على هذه الوسيلة هي ألعاب حل الألغاز وحل المسائل الرياضية وألعاب حل الكلمات المتقاطعة.
دور المعلم في التعلم باللعب
على المعلم داخل الغرفة الصفية أن يكون واسع المعرفة والاطلاع، وباحثاً متأنياً، كما يجب أن يكون له القدرة على اختيار الألعاب المناسبة التي تسهم في تعليم الأطفال بدقة؛ لأن اختياره للعبة المناسبة ستساعد الأطفال على صقل المهارة المطلوبة ومهارات أخرى مرتبطة معاً، وهذا يعتمد على اللعبة، أولاً على المعلم أن يختار المكان المناسب للعبة وذلك بالاعتماد على نوعيتها، وخلال اللعب على المعلم أن يكون قريباً من مكان اللعب، وذلك من أجل وضع الضوابط والقوانين الخاصة باللعبة، وهي ضرورية جداً من أجل تعليمهم معنى الانضباط والالتزام وعدم مخالفة القوانين وتقبل الربح والخسارة، كما يجب عليه أيضاً أن يحرص على توزيع الفرص بشكل متساوًٍي بين الأطفال ويضمن أن ينال الجميع فرصتهم، وأن يحرص على تشجيع الطلاب الخجولين وتحفيزهم على مشاركة زملائهم في اللعب؛ بحيث يعتادوا أجواء اللعب ما يساعدهم على التعامل مع الآخرين.
مميزات إستراتيجية التعلم باللعب
إن مميزات استخدام إستراتيجية التعلم باللعب لا تقل أبداً عن مميزات الإستراتيجيات الحديثة الأخرى، فهي تهدف في مضمونها إلى تنمية مهارات الطلاب ومساعدتهم على التعلم بطرق حديثة وشيقة من خلال كسر روتين وملل وسائل التعلم التقليدي، وتتلخص مميزات هذه الإستراتيجية بالآتي:
- تنمية الحس الخيالي والإبداعي لدى الأطفال.
- تنمية كل من التفكير الإبداعي والابتكاري.
- زيادة دافعية الطفل نحو التعلم.
- كسر ملل وجمود العملية التقليدية.
- تطور اللغة لدى الطالب بطريقة الألعاب التعليمية.
- تنمية القدرة على الاستكشاف وحب الاستطلاع لدى الطفل.
- زيادة ثقة الطالب بنفسه وتعزيز مبادئ التعلم التعاوني التشاركي لديه.
- القدرة على حل مختلف المشاكل التي يمر بها الطفل في الحياة العلمية والعملية.
- منح الطفل الشعور بالراحة والسعادة؛ ما يجعل العملية التعليمية أمراً جاذباً له.
- تعلم الطفل كيفية العمل ضمن فريق.
- مساعدة الطفل على تحفيز خياله وصقل عقليته ونمو إدراكه.
- تحفيز الطفل على الانتباه والتركيز مع الدرس.
- تطور لغة التواصل والخطاب والتعبير.
- تخليص الطفل من انفعالاته السلبية ومختلف سلوكياته السيئة.
سلبيات التعلم باللعب
على الرغم من كافة المميزات والإيجابيات الخاصة بالتعلم باللعب، إلا أن هذه الإستراتيجية لا تخلو من بعض السلبيات، والتي تتلخص بالآتي:
- معاناة بعض الأطفال من عدم فهم التعليمات واللوائح التي يضعها المعلم، الأمر الذي يجعلهم يفشلون في الحصول على الفوائد والمهارات المرجوة من اللعبة.
- عدم توفر البيئة المناسبة التي من المفترض أن تقام فيها اللعبة، مثل صغر حجم المدرسة، أو زيادة أعداد الطلاب في الصف، ففي هذه الحالة سيكون الأمر صعباً.
- عدم توفير المدارس الأدوات والمواد التي تناسب طبيعة الألعاب، واعتمادهم على نوع معين من الألعاب.
- عدم فهم المصطلحات الخاصة باللعبة، ما يجعلهم منشغلين باللعب دون التركيز مع هذه المصطلحات الهامة، وبذلك لا يحصلون على الفائدة المرجوة من اللعبة.
- فشل بعض المعلمين في جعل التعلم باللعب عملية مريحة ومسلية للأطفال، وذلك بسبب تعاملهم بعنف وعصبية خلال اللعبة، الأمر الذي يجعل الطلاب خائفين وعاجزين عن إطلاق العنان لأنفسهم.
- عدم مراقبة المعلم سير عملية التعلم باللعب؛ الأمر الذي يجعلها ساحة للعراك، وعدم وجود فرصة للجميع لممارسة اللعبة، إذ يستحوذ الطلاب الأقوياء على اللعبة دون غيرهم.
- اعتياد المعلمين على الطرق التقليدية فقط في التعليم، الأمر الذي يجعل مسألة تقبلهم لهذه الطرق الحديثة وتطبيقها في فصولهم أمر شبه مستحيل.
- نقص الخبرة لدى بعض المعلمين؛ ما يجعلهم عاجزين عن إدارة هذه النوعية من أساليب وإستراتيجيات التعليم الحديث.
- حاجة إستراتيجية التعلم باللعب الكثير من وقت المعلم من أجل الإعداد والتحضير لها ووقت طويل من أجل التنفيذ.
