جدول المحتويات
تعرف الحضارة بأنها مجموعة العادات، والتقاليد، والفنون، والقوانين، والأخلاق، والنظم التي تميز المجتمع عن غيره من المجتمعات الأخرى، وهي حصيلة ما يكتسبه الفرد من المجتمع، ولها خصائص متعددة من أهمها: وجود مجموعة من الناس الذين يقيمون بجوار بعضهم البعض في بلدة أو قرية أو مدينة كبيرة، ويتفردون بسمات ثقافية مميزة مثل بناء المساكن، وينقسمون إلى طبقات اجتماعية مثل: البرجوازيين والعمال، أو الأرستقراطيين والفلاحين، وغيرها من الخصائص.
موطن وتاريخ الحضارات القديمة
تشير المصادر التاريخية إلى أن تاريخ الحضارات القديمة يعود للعام 3100 قبل الميلاد تقريباً، في مكان ما في دولة العراق الحديثة؛ حيث ظهرت بالتزامن مع اختراع أول نظام للكتابة، واستمر تاريخها حتى العام 400 م تقريباً حين سقطت الإمبراطورية الرومانية الغربية، وتراجع مستوى الحضارة في أوروبا، والجدير بالذكر هنا أنّ وصف الحضارات القديمة بدأ باختراع الكتابة على الرغم من ظهور الإنسان قبل ذلك بزمن طويل جداً؛ وذلك لأن هذا الحدث هو الذي جعل تدوين وحفظ الأحداث التاريخية أمراً ممكناً.
ظهرت الحضارات القديمة في أماكن عدة وأوقات متفاوتة طوال آخر 3000 سنة قبل الميلاد؛ حيث ظهرت أولى حضارات قارات العالم القديم في مصر، وبلاد ما بين النهرين في العالم العربي، وجزيرة كريت في اليونان، ووادي السند في شبه القارة الهندية، ووادي النهر الأصفر أو هوانغ هو في الصين، أما عن أولى حضارات قارات العالم الجديد فقد ظهرت في منطقة أمريكا الوسطى التي تقع حالياً جنوب قارة أمريكا الشمالية، وتشترك هذه الحضارات جميعها في مجموعة من الصفات وهي: اختراع الكتابة، وتشييد المدن الكبرى، وتعلم كيفية تشكيل المعادن، وصناعة الفخار، وتدجين الحيوانات للاستفادة من ألبانها ولحومها وغيرها من الصفات.
أهم الحضارات القديمة
ظهرت العديد من الحضارات القديمة مثل: الحضارة السومرية، والحضارة المصرية، والحضارة الإغريقية، والحضارة الصينية، والحضارة البابلية، والحضارة الفرعونية، والحضارة الفينيقية، وحضارة روما القديمة، وعلى ذلك نشير فيما يأتي إلى بعض من أهم هذه الحضارات:
الحضارة السومرية
نشأت هذه الحضارة في الجزء الجنوبي الشرقي للعراق والذي يعرف حالياً باسم بلاد ما بين النهرين، وهي أول حضارة ظهرت في العالم؛ حيث بدأت عام 3500 قبل الميلاد واستمرت بالنمو والتطور حتى عام 2000 قبل الميلاد، أما عن المناطق التي امتدت فيها فهي تبدأ من جبال طوروس إلى جبال زاغروس في إيران، ومن الخليج العربي حتى البحر الأبيض المتوسط، ثم ما لبثت أن امتزجت بحضارة البابليين والآشوريين، وقد كان أقصى توسع لها على يد ملك مدينة أدب لوجلالمند وذلك قبل القرن الخامس عشر قبل الميلاد، من ناحية أخرى فقد سميت مدينة سومر بهذا الاسم تقديراً لجهود وإنجازات الشعب السومري، أما عن العوامل السياسية التي ساهمت في قيام هذه الحضارة فمنها ما يأتي:
- تزايد الحاجة إلى استخدام شبكة الري ما بين المدن المتجاورة.
- نمو المدن وسعيها إلى تجنب الصراعات وخاصة في مراحل نشأتها الأولى.
- الرغبة في الحصول على لقب الملك، ما أدى إلى توحيد البلاد تحت قيادة واحدة.
- تبني مبدأ اللامركزية الإدارية والسياسية في كافة أنظمة الحكم والإدارة.
إضافةً لما سبق، فقد ساهمت مجموعة من العوامل الاقتصادية في ازدهار الحضارة السومرية ومنها ما يأتي:
- ارتفاع الإنتاجية الزراعية في المناطق الواقعة ما بين نهري دجلة والفرات، وذلك نتيجة لاستغلال شبكة الري بشكل صحيح، وتوفير مصدر دائم لري الحقول الزراعية.
- اتساع التجارة على الصعيدين البحري والبريد لمدينة سومر.
- اختراع العجلة التي ساعدت في عملية النقل بين الدول المجاورة، بالإضافة إلى حراثة الأرض وتدجين الحيوانات.
- تطور مهارات السومريين وحرفيتهم، وبراعتهم في سبك المعادن والتحجير.
الحضارة المصرية
يعود تاريخ نشأة هذه الحضارة إلى العام 5500 قبل الميلاد، حيث كانت هناك مملكتان رئيسيتان تمتدان على نهر النيل، وهما: مصر العليا ومصر السفلى كما سماهما المؤرخون المصريون، وبحلول العام 3200 قبل الميلاد جمعت هاتان المملكتان تحت حكم واحد وملك واحد يتولى شؤونهما، وهو الملك نارمر الذي يطلق عليه اسم مينيس، وبهذا بدأت الحضارة المصرية القديمة، وتأسست عاصمة مصر القديمة المعروفة باسم ممفيس في الشمال على مقربة من قمة دلتا النيل، ثم ما لبثت أن تطورت وازدهرت لتصبح أكبر مدينة مسيطرة على المجتمع المصري في ذلك الوقت، أما عن تاريخ مصر القديمة فيقسم إلى 6 فترات سنتناولها تباعاً على النحو الآتي:
المملكة القديمة في الفترة (2181-2613) قبل الميلاد
شهدت هذه الفترة ظهور الهندسة المعمارية وتطورها بشكل كبير، الأمر الذي نتج عنه تشييد أكثر المعالم شهرة في مصر مثل الأهرامات، وتمثال أبي الهول، وذلك في إشارة إلى القوة والثروة الهائلة التي كان يتمتع بها الحكام في تلك الفترة.
الفترة المتوسطة الأولى في الفترة (2040-2181) قبل الميلاد
شهدت هذه الفترة انحداراً في قوة مصر وثروتها، وظهور قوتين مركزيتين هما: طيبة في مصر العليا، وهيراكونبوليس في مصر السفلى؛ حيث شب بينهما نزاع من أجل الوصول للسلطة العليا واستمر حتى العام 2040 قبل الميلاد، وانتهى بهزيمة جيش هيراكونبوليس واتحاد مصر تحت حكم طيبة بقيادة الملك منتوحتب الثاني.
المملكة الوسطى في الفترة (1720-2040) قبل الميلاد
نشأت هذه المملكة نتيجة للازدهار الذي نتج عن حكم طيبة؛ حيث وصلت الأخيرة حينها أوج ثروتها وقوتها، وشيدت الحصون بهدف حماية المصالح التجارية المصرية، كما أنشئ أيضاً أول جيش في عهد الملك أمنمحات، ولكن نتيجة لبعض المشاكل الداخلية تمكن شعب الهكسوس من غزو هذه المملكة وسيطر على جزء كبير من مصر السفلى.
الفترة المتوسطة الثانية في الفترة (1570-1782) قبل الميلاد
بدأت هذه الفترة بسيطرة الهكسوس على مصر، وعلى الرغم من كونهم غزاة لمصر إلا أنهم أضافوا الكثير للثقافة المصرية؛ حيث عملوا في البرونز والسيراميك، واستخدموا العربة والحصان، ولكن هذا لم يمنع المصريين من شن العديد من الحملات التي انتهت باستعادة مصر السفلى، وذلك على يد الأمير أحموس الأول، ومن ثم توحيدها من جديد تحت حكم طيبة.
المملكة الجديدة في الفترة (1069-1570) قبل الميلاد
بدأت هذه المرحلة بتوحيد مصر وعودتها تحت حكم طيبة من جديد، وفيها ظهر مصطلح “فرعون” بعد أن كان الحاكم يعرف باسم “ملك”، وفيها تمت توسعة حدود مصر لتشمل نهر الفرات شمالاً، والنوبة جنوباً، وسوريا وفلسطين غرباً، كما تمت أيضاً توسعة التجارة مع الدول الأخرى وذلك في عهد الملكة حتشبسوت، ثم خلفها في الحكم الملك تحوتمس الثالث الذي ساهم في ازدهار مصر بشكل كبير في ذلك الوقت؛ حيث ظهرت الرياضة، وتحسنت الخدمات الصحية، وتطورت الجراحة، واستخدمت الكحول المتخمرة لعلاج أكثر من 200 نوع من الأمراض.
الفترة المتوسطة الثالثة في الفترة (525-1069) قبل الميلاد
كانت مصر في هذه الفترة خاضعة لحكم الملك رمسيس الثالث، وقد تعرضت خلالها للغزو عدة مرات وذلك بسبب ثروتها التي كانت مطمعاً للشعوب التي تعيش على الساحل، حيث كانت آخرها هي معركة شوا في العام 1178 قبل الميلاد والتي انتهت بانتصار رمسيس الثالث، وبحلول عهد رمسيس الحادي عشر انهارت الحكومة المركزية معلنة بذلك بدء الفترة المتوسطة الثالثة.
في الفترة الواقعة ما بين العامين 752-722 قبل الميلاد وتحديداً في عهد الملك كوش اتحدت مصر مرة أخرى، ثم ما لبثت أن تعرضت لغزو الآشوريين في العام 671 قبل الميلاد، وتركت بعد ذلك مدمرة بين أيدي الحكام المحليين الذين أعادوا بناءها في العام 525 قبل الميلاد، بعد ذلك تعرضت مصر مجدداً للغزو من قبل الفرس وبقيت تحت الاحتلال الفارسي حتى مجيء الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد؛ حيث تمكن من السيطرة عليها دون قتال وأسس مدينة الإسكندرية، وبعد وفاته في العام 323 قبل الميلاد نقلت جثته إلى الإسكندرية وأسست سلالة البطالمة وذلك في الفترة 30-323 قبل الميلاد.
بقيت مصر خاضعة لحكم سلالة البطالمة وصولاً إلى عهد الملكة كليوباترا التي كانت آخر سلالتهم، وبعد مقتلها عام 30 قبل الميلاد بقيت مصر تحت سيطرة الرومان حتى العام 476 م، ليغزوها بعد ذلك المسلمون بقيادة الخليفة عمر بن الخطاب، وأصبحت بذلك تابعة للخلافة الإسلامية.
الحضارة الإغريقية
ظهرت هذه الحضارة في الفترة الواقعة ما بين العامين 750-1100 قبل الميلاد، وذلك بعد القضاء على الحضارة الإيجية واحتلال موطنها على يد اليونانيين؛ حيث بدأ المجتمع اليوناني حينها بالتحضر بشكل تدريجي، وجعل من القادة الدينيين والعسكريين ملوكاً وحكاماً أقوياء مهمتهم حماية المدينة وإدارة شؤونها، والقضاء بين الناس وفض خصوماتهم وذلك بمساعدة مجلس الشورى أو دار الندوة، ومن أهم العوامل السياسية التي ساهمت في ازدهار هذه الحضارة ما يأتي:
- نمو الصناعة والتجارة وتضخم حجم الإنتاج؛ الأمر الذي أدى إلى اتساع رقعة الدولة.
- ازدياد النشاط التجاري والصناعي واتساع النفوذ نتيجة لضم مناطق جديدة إلى اليونان.
- تمهيد الطرق لنمو المدن، وإعطاء السكان حقوقهم وتعريفهم بواجباتهم.
- تنوع الأنشطة الاقتصادية التي ساهمت في تطوير حجم التبادل التجاري.
إضافة لما سبق، فقد ساهمت مجموعة من العوامل الاقتصادية في ازدهار الحضارة الإغريقية ومنها ما يأتي:
- نهضة أثينا واقتصادها المتنوع.
- زيادة معدلات الهجرة، وضم المزيد من الأراضي إلى اليونان.
- استمرار استغلال العبيد كقوى عاملة مجانية.
- ازدهار التجارة البرية والبحرية في اليونان، واتساع عمليات الاستيراد والتصدير منها وإليها.
- تطوير طرق مختلفة للتجارة، والاستفادة من الدول المجاورة في مجال الصناعة.
الحضارة الصينية
نشأت هذه الحضارة في عدد من المراكز الإقليمية على طول خط قرى النهر الأصفر ونهر ينجتزي وذلك في العصر الحجري الحديث، وهيمنت على منطقة جغرافية شاسعة في شرق آسيا، وكانت الحضارة ذات التأثير الأكثر سيادة في المنطقة والتي ساهمت في وضع الأساس الثقافي للحضارة في شرق آسيا، وقد أشارت العديد من المصادر التاريخية إلى إمكانية العثور على تاريخ الصين المكتوب في وقت مبكر من مملكة شانغ، وذلك في الفترة الواقعة ما بين العامين 1046-1700 قبل الميلاد، ولكن في الوقت ذاته فقد أكدت بعض النصوص التاريخية القديمة ومنها حوليات الخيزران، وسجلات المؤرخ الكبير تواجد أسرة شيا قبل شانغ، بالإضافة إلى تطور جزء كبير من الثقافة الصينية أثناء مملكة تشو في الفترة ما بين العامين 256-1045 قبل الميلاد، من ناحية أخرى يلاحظ بأن الحضارة الصينية تتباين بشكل كبير ما بين المحافظات والمدن وحتى البلدات، وقد ظهر تأثيرها في العديد من الجوانب ومن أهمها: الفضيلة، والفلسفة، والإتيكيت، والتقاليد، وذلك في مجمل آسيا وحتى يومنا هذا.
الحضارة البابلية
قامت هذه الحضارة على ضفة نهر الفرات في بلاد ما بين النهرين، واتخذت بابل من مدينة سومر عاصمة لها، وهي واحدة من أقدم الحضارات في العالم؛ حيث أشارت المصادر التاريخية إلى أنها قد نشأت عام 1763 قبل الميلاد على يد حمورابي، واستمرت حتى عام 1165 قبل الميلاد، وامتدت على ما يقارب 2 كم من الشمال إلى الجنوب، ونحو 1.2 كم من الشرق إلى الغرب، وكان ازدهارها نتيجة لمجموعة من العوامل الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، أما عن العوامل السياسية فهي:
- المزج ما بين حضارة الأكاديين وحضارة السومريين، وإضافة النتاجات الخاصة عليهما.
- استفادة ملوك بابل من خبرة الملوك الآخرين مثل ملوك لارسا وإيزن.
- إخضاع معظم البلدان المجاورة على يد حمورابي، وتوحيدها جميعاً تحت لواء مدينة بابل.
إضافة لما سبق، فقد ساهمت مجموعة من العوامل الاقتصادية في ازدهار الحضارة البابلية ومنها ما يأتي:
- الإهتمام بالطرق المخصصة للتجارة البرية وتعبيدها، وأيضاً الطرق المخصصة للتجارة النهرية؛ الأمر الذي أدى إلى تطور التجارة بشكل كبير.
- ارتفاع الإنتاجية في الأراضي الواقعة ما بين النهرين.
- استغلال العبيد كقوى عاملة مجانية.
- تنظيم عمليات الري ووفرة الإنتاج الزراعي نتيجة لإنشاء قنوات مخصصة للري.