جدول المحتويات
شهر رَجَب هو الشهر السابع من السنة القمرية أو التقويم الهجري، ويقال: “رجب الرجلُ الأسد” أي: هابه، وخاف منه، وكلمة رجب جاءت من الرجوب بمعنى التعظيم، وأيضًا كان يطلق عليه في الجاهلية: رجب مضر (قبيلة من العرب)؛ لأن قبيلة مضر كانت لا تغيره أبدًا، بل توقعه في وقته بخلاف باقي قبائل العرب الذين كانوا يغيّرون، ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم، وهذا هو النسيء المذكور في قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِه الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّه} [سورة التوبة:37].
قيل كذلك أيضًا أن سبب نسبته إلى قبيلة مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه، واحترامه فنسب إليهم، ويعد شهر رجب من الأشهر التي شهدت أكبر معجزة فى الإسلام، وهي معجزة الإسراء والمعراج، والتى تأتي فى اليوم السابع والعشرين من شهر رجب، حينما أُسْرِى بالنبى محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ومن المسجد الأقصى إلى سدرة المنتهى، ولكن الحق أن شهر رجب ليست له خصوصية ولا فضيلة على غيره من الشهور إلا أنه من الأشهر الأربع الحرم، وكون آية الإسراء والمعراج حدثت فيه على افتراض صحة ذلك، ليس حجة لنا على إحداث عبادة فيه لم تكن موجودة في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا في زمن الخلفاء الراشدين، ولا التابعين من بعدهم.
يتحدث هذا المقال عن فضل صيام أول رجب وحكمه، ويشتمل على:
- نبذة عن شهر رجب.
- صيام أول رجب.
- فضل صيام أول رجب.
- حكم صيام أول رجب.
- حديث صيام أول رجب، وما مدى صحة الحديث؟
- دعاء صيام أول رجب.
- أسئلة شائعة عن صيام أول رجب.
- هل يجوز صيام أول رجب؟
- هل صيام أول رجب سنة؟
صيام أول رجب
اختلفت العلماء في صيام شهر رجب، فمنهم من قال بالاستحباب لأمرين:
- الأول: ما ورد من أحاديث في الصيام عمومًا، وهذا بابه واسع، وأدلته كثيرة جدًا.
- الثاني: ما ورد في صيام الأشهر الحرم خصوصًا، ورجب من الأشهر الحرم، وكذلك ما ورد في فضل صيام رجب خاصة.
كذلك تُعَدّ جميع النصوص التي وردت في صيام أول شهر رجب غير صحيحة؛ إذ لا يجوز تخصيص صَومٍ يوم أو شهر إلّا بدليل، وقد ذهب الشوكانيّ إلى أنّ صيام الخميس الأوّل من شهر رجب، أو الإكثار من الطاعات فيه، والإعراض عنها في غيره من الشُّهور هو مِمّا أحدثَه عامة الناس، ولا يصحّ منها شيء.
فضل صيام أول رجب
سئل الشيخ بن باز -رحمه الله- عن الأحاديث الواردة في فضل صيام أول رجب، فقال: كلها أحاديث ضعيفة، وكلها غير صحيحة، ولا تصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وليس في رجب حديث صحيح في فضله، وإنما كان العرب في الجاهلية يخصونه بالصيام، وأما في الإسلام فلا يتم تخصيصه بشيء، هو فقط من الأشهر الأربعة الحرم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لما عدَّ الأشهر الحرم، قال هي: “رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم” هذه هي الأشهر الحرم الأربعة، فهو من الأشهر الحرم المفضلة، لكن ليس هناك تفضيل لصيامه، أو صيام أول يوم منه، أو أول خميس، أو صدقة، أو صلاة، ليس فيها حديث صحيح، ويكره تخصيصه بذلك.
فضائل شهر رجب
إن لشهر رجب المبارك عدة فضائل يرجى من الله تحصيلها للعبد المسلم إذا قام بأعماله، من أبرزها:
- فيه تعظم الحسنات، أي تتزايد وتتضاعف.
- فيه يتزايد ويتضاعف الأجر والثواب، ولكن في المقابل تكون السيئة أعظم سيئة عن باقي الشهور.
- غفران الذنوب.
- تتنزل فيه رحمات الله سبحانه وتعالى.
شهر رجب من الأشهر الحرم، كما قال الله في كتابه {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمُ} [التوبة: 36]، وكذلك له العديد من الفضائل التى خصه بها المولى -عز وجل- وميزه بمزيد من الإجلال والإكرام، وتعد السنة النبوية المطهرة أن شهر رجب هو تهذيب النفس وترويضها، حيث يجاهد الإنسان نفسه ويكبحها؛ للتخلص من كافة الصفات السيئة والمكروهة؛ للوصول إلى درجة التقوى، وزيادة الإيمان، حيث يبتعد عن كافة الأمور التى حرمها الله -سبحانه وتعالى- وشهر رجب المبارك من الشهور التى حرم الله فيها الظلم والقتال، وقد وردت بعض الأحاديث النبوية التي تدل على فضل إحياء بعض ليالي هذا الشهر المبارك، وفضل الصيام والزكاة والذكر، وقد كان النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام فى هذا الشهر؛ لذلك يجب على كافة المسلمين الاقتداء بسنة النبي الكريم.
حكم صيام أول رجب
تعدّدت اجتهادات العلماء في حكم الصيام في شهر رجب الحرام؛ فذهب فريق من أهل العلم استحباب الصيام فيه لِسَبَبيْن: الأوّل بسبب فضل الصيام وأجره بشكلٍ عام في العام كله، والثاني بسبب فضل صيام الأشهر الحُرم خاصة ورجب منها بالطبع، وكذلك ما ورد في فضل صيام رجب، فقد ورد حديثًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّ أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: “يا رسولَ اللَّهِ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟ قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ” [المنذري| خلاصة حكم المحدث: إسناد صحيح أو حسن أو ما قاربها]، فاستدلّوا من هذا الحديث على استحباب صيام رجب، فكما أنّ صيام شعبان مستحبّ فكذلك صيام رجب.
أمّا الفرقة التي ذهبت إلى كراهية صيام رجب فمنهم ابن عمر -رضي الله عنهما-، والحنابلة كذلك كرهوا إفراد رجب بالصيام، وقالوا بعدم الكراهة إذا أُفطِر يوماً فيه (بمعني عدم مواصلة الصيام)، أمّا صيام بعض أيام شهر رجب فذلك مُستحبّ بسبب ما ورد من فضل الصيام في الأشهر الحُرُم
أما كراهية الصيام في شهر رجب التي وردت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ فهي تخصيص الصائم لهذا الشهر من السنة بالصيام، وذلك لعدم ورود دليل عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- على فضل صيام شهر رجب بشكلٍ خاص؛ وبالتالي الخلاصة من كل هذا:
- صيام شهر رجب وحده دون باقي الشهور مكروه.
- تخصيص صيام أول يوم من شهر رجب مكروه.
- صيام شهر رجب بنية أنه من الأشهر الحرم ليس فيه شيء، والله تعالى أعلى وأعلم.
حديث صيام أول يوم من رجب
صحة حديث صيام أول يوم من رجب
لم يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث في صيام رجب، ولا في صيام شيء معين منه، ولا في أوله؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في رجب حديثًا؛ بل عامة الأحاديث المأثورة فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلها كذب”، وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: “لم يرد في فضل شهر رجب، ولا صيامه، ولا في صيام شيء معين منه، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة”، إلا أنه قد رويت أحاديث في فضل صيام الأشهر الحرم -ورجب منها- والله تعالى أعلى وأعلم.
دعاء صيام أول رجب
لم يثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أي أحاديث تخص أول رجب بالصيام، وكل ما جاء وانتشر بين الناس؛ فهو من الأحاديث الضعيفة، ولكن جاء حديث سكت عنه المحدث، وقيل أن كل ما سكت عنه فهو صحيح، روى هذا الحديث الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، والبيهقي بسند جيد عن رجل من باهلة “أنّهُ أتى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم، ثُمّ انْطَلَقَ فَأتَاهُ بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ تَغَيّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ، فقال: يَارَسُولَ الله أمَا تَعْرِفُنِي؟ قال: وَمَنْ أنْتَ؟ قال: أنَا الْبَاهِليّ الّذي جِئْتُكَ عَامَ الأوّلِ، قال: فَمَا غَيّرَكَ وَقَدُ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قُلْتُ مَا أكَلْتُ طَعَاماً مُنْذُ فَارَقْتُكَ إلاّ بِلَيْلٍ، فقال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لِمَ عَذّبْتَ نَفْسَكَ، ثُمّ قال: صُمْ شَهْرَ الصّبْرِ وَيَوْماً مِنْ كُلّ شَهْرٍ، قال: زِدْني فإنّ بِي قُوّةً، قال: صُمْ يَوْمَيْنِ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ ثَلاَثَةَ أيّامٍ، قال: زِدْنِي، قال: صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرْمِ وَاتْرُكْ، وَقال بِأصَابِعِهِ الثّلاَثَةِ فَضَمّهَا ثُمّ أرْسَلَهَا” [أبو داود| خلاصة حكم المحدث: سكت عنه].
أسئلة شائعة عن صيام أول رجب
هل يجوز صيام أول رجب؟
يكره تخصيص أول رجب بالصيام، ولكن يجوز صيام أول رجب بالإجماع إذا وافق عادة، مثلًا إذا كان الشخص يصوم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو كان يصوم الثلاث أيام القمرية من كل شهر، وجاء أول شهر رجب موافقًا ليوم من هذه الأيام؛ فإنه يجوز صيامه بإجماع الفقهاء، كذلك إذا جاء أول رجب يوم نذر؛ فيجوز صيامه، وإذا أتى يوم جمعة فيجوز صيامه، ولكن بصيام يوم قبله أو يوم بعده، والله تعالى أعلى وأعلم.
هل صيام أول رجب سنة؟
صيام أول رجب ليس بسنة، ولم يرد صيامه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل ما جاء من الأحاديث الواردة ضعيفة الإسناد، والله تعالى أعلم.