قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام

قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام

أرسل الله -عز وجل- نبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وجعل في ذريته النبوة والكتاب، وذكره في القرآن بقوله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا} [مريم: 41]، وقد أكرم الله تعالى إبراهيم -عليه السلام- بفضائل وصفات حميدة؛ قال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ ۚ ٱجْتَبَىٰهُ وَهَدَىٰهُ إِلَىٰ صِرَٰطٍۢ مُّسْتَقِيمٍۢ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [النحل 120: 122].

سيرة سيدنا إبراهيم

نسب سيدنا إبراهيم

هو إبراهيم بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح -عليه السلام- وأما من يقول أن أباه كان اسمه آزر؛ مصداقًا لقول الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأنعام: 74]، وأجمع جمهور أهل النسب منهم ابن عباس على أن اسم أبيه تارح، وأهل الكتاب يقولون: تارخ بالخاء المعجمة، فقيل: إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر، وقال ابن جرير: والصواب أن اسمه آزر، ولعل له اسمان علمان، أو أحدهما لقب والآخر علم، ونحن نرجح الذي قاله ابن جرير، والله تعالى أعلى وأعلم.

أبناء سيدنا إبراهيم  

ابنه إسماعيل وهو أول أبنائه من زوجته هاجر، والثاني هو إسحاق من زوجته سارة.

إعلان السوق المفتوح

حياته 

كانت حياة إبراهيم -عليه السلام- مليئة بالمصاعب والمتاعب، حيث إنه ولد في قوم يعبدون الأصنام بما فيهم والده، فنصحهم إبراهيم أكثر من مرة فلم يستجيبوا، فلجأ إلى الحيلة فكسر أصنامهم قال أن صنمهم الكبير هو من فعل هذا، فأرادوا أن يلقوه في النار، فجعلها الله بردًا وسلامًا عليه، وأنجاه منها، ثم هاجر سيدنا إبراهيم -عليه السلام- وكانت أول هجرة هي هجرته إلى الشام.

هجرة إبراهيم إلى الشام 

خرج إبراهيم -عليه السلام- بنفسه، وزوجته سارة، وابن أخيه لوط -عليه السلام- إلى بلاد الشام، وقِيل إنه نزل حرّانَ؛ فارّاً بدينه يدعو إلى الله ويعبده، فأقام فيها مدّة، إلّا أنّ هذه البلاد تعرّضت للقحط، والجوع، فارتحل -عليه السلام- وأهله إلى مصر.

هجرة إبراهيم إلى مصر 

خرج إبراهيم -عليه السلام- من أرض الشام إلى مصر ومعه سارة زوجته، وحين علم ملك مصر بقدوم إبراهيم ومعه امرأة حَسنة جميلة، بعثَ في طلبها؛ ليتزوّجها، وكان هذا الملك يأخذ نساء الرجال غصباً، فأخبره إبراهيم بأنّها أخته.

هجرة إبراهيم إلى مكّة

أهدَت سارة زوجها إبراهيم -عليه السلام- هاجر الجارية؛ ليتزوّجها، فحملَت منه، وأنجبَت نبيّ الله إسماعيل عليه السلام، ولأنّ سارة كانت عاقراً لا تلد فقد شعرت بالغيرة من هاجر، فأخذ إبراهيم هاجر وابنها، وخرج بهم إلى الشام، ثمّ إلى مكّة المُكرَّمة وتركهم هناك، ثمّ عاد، وحين نفد ما كان عندهم من الماء والطعام، صار طفلها يتلوّى من شدّة العطش، وطفقت هاجر تسعى بين جبليَن، وهما ما يُعرَفان بالصفا والمروة، وتدعو الله، فأتاها جبريل -عليه السلام- بعد أن أنهَت سبعة أشواط عند موضع زمزم، وفجّرَ لها بأمر الله ماء زمزم.

سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل

مرّت السنون وهاجر في مكّة، ولمّا كبر إسماعيل -عليه السلام- وبلغ أَشدّه، رأى إبراهيم -عليه السلام- في المنام أنّه يذبحه، فامتثل لأمرَ الله، وأخبر ابنَه برؤياه، فامتثل الابن الصالح لأمر الله، وحين وضعه على الأرض، وأمسك السكّين؛ ليذبحَ ابنه، أنزل الله ذِبحاً عظيماً؛ فداءً له فلم يكن القصد ذبح إسماعيل، بل كان الله يريد أن يرى مدى استسلامهما لأمره.

بناء إبراهيم الكعبةَ مع ابنه إسماعيل

بيّن الله تعالى لإبراهيم وإسماعيل أساسات البيت الحرام التي كانت قد دُفِنت في الأرض، ثمّ أمرهما ببناء الكعبة المُشرَّفة؛ فكان إسماعيل يجمع الحجارة، ويأتي بها إلى أبيه الذي كان يرفع البناء، فلمّا ارتفع البناء وضعَ إبراهيم حجراً ووقف عليه، وقد عُرِفَ هذا المكان بمقام إبراهيم.

وفاته

توفي سيدنا ابراهيم عليه السلام بعد عودته من بلاد الحجاز إلى فلسطين في عام 1900 قبل الميلاد، وتم دفنه في مدينة الخليل التي سمّيت على اسمه إبراهيم الخليل، وقد تم بناء قبره بجانب قبر زوجته سارة في مغارة المكفيله، وهي ذات المغارة التي دُفن فيها النبي اسحاق وزوجته رفقه عليهم السلام والنبي يعقوب وزوجته ليئه عليهما السلام، وبني فوق هذه القبور الحرم الإبراهيمي الشريف المقدس من قبل اليهود والمسلمين على حد سواء، ولم يرد في الكتب السماوية عن سبب مؤكّد لوفاته، حيث توفي وهو يبلغ 175 عاماً، وفي روايات أخرى 200 عاماً.

اقرأ أيضاً:  دليل شامل عن سنن يوم الجمعة

ما هي قصة إبراهيم عليه السلام؟

قصة سيدنا إبراهيم مع الشيطان 

روى هذه القصة الإمام أحمد بن حنبل في مسنده مرة مرفوعة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ومرة موقوفة على ابن عباس -رضي الله عنهما- ولفظ المرفوع منها: أن جبريل ذهب بإبراهيم إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى الجمرة الوسطى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، ثم أتى الجمرة القصوى فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات فساخ، فلما أراد إبراهيم أن يذبح ابنه إسحاق، قال لأبيه: يا أبتِ، أوثقني لا أضطرب؛ فينتضح عليك من دمي، فإذا ذبحتني فشده، فلما أخذ الشفرة فأراد أن يذبحه نودي من خلفه: {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ، قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} وقد ضعف هذه الرواية الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، وأصل القصة دون ذكر كون الذبيح إسحاق رواها البيهقي في سننه، والحاكم في مستدركه مرفوعة إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال الحاكم: هذا حديث على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.

قصة سيدنا إبراهيم مع عبدة الأصنام 

دعا إبراهيم -عليه السلام- قومه في العراق إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة الأوثان التي لا تنفع ولا تضر، وقد أراد إبراهيم -عليه السلام- أن يحرر قومه وأبيه من عبادة الأصنام، ويخلصهم من الخرافات والأساطير، فسأل قومه عن هذه الأصنام كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء]، فنصحهم إبراهيم -عليه السلام- أن لا ينقادوا لغيرهم بلا عقل كالبهائم، ولما أصر قوم إبراهيم على عبادة الأصنام أراد إبراهيم أن يبين لهم بالدليل الواضح أن تلك الأصنام لا تضر ولا تنفع، فقام إبراهيم -عليه السلام- وكسر الأصنام إلا الكبير، فلما رجعوا من عيدهم الذي خرجوا له رأوا الأصنام مكسرة، واتهموا إبراهيم، فقال لهم: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} [الأنبياء: 63]، فلما اعترفوا بعجز تلك الأصنام قال لهم إبراهيم: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء]، ولكنهم كابروا ولم يذعنوا للحق، وأرادوا إلقاء سيدنا إبراهيم في النار.

قصة سيدنا إبراهيم مع النمرود 

قال الله تعالى في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258]، وقد قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار: وهذا الملك هو ملك بابل، واسمه النمرود بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح قاله مجاهد، وقال غيره: نمرود بن فالح بن عابر بن صالح بن أرفخشد بن سام بن نوح، قال مجاهد وغيره: وكان أحد ملوك الدنيا، فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان، والكافران النمرود وبختنصر، وذكروا أن نمرودًا هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة، وكان قد طغى، وبغى، وتجبر، وأفسد في الأرض، ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له لم يستمع له، فحاج إبراهيم الخليل في ذلك، وادعى لنفسه الربوبية، فلما قال له الخليل: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}، قال قتادة، والسدي، ومحمد بن إسحاق: يعني أنه إذا أتي بالرجلين قد تحتم قتلهما فإذا أمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر، قال إبراهيم -عليه السلام- {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}؛ فلم يبق له كلام يجيب الخليل به، بل انقطع وسكت؛ ولهذا قال الله تعالى: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.

اقرأ أيضاً:  واذا مرضت فهو يشفين

قصة سيدنا إبراهيم مع الشمس والقمر 

قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلۡمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيۡهِ ٱلَّيۡلُ رَءَا كَوۡكَبٗاۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلۡأٓفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَءَا ٱلۡقَمَرَ بَازِغٗا قَالَ هَٰذَا رَبِّيۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمۡ يَهۡدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلضَّآلِّينَ (77) فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمۡسَ بَازِغَةٗ قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَآ أَكۡبَرُۖ فَلَمَّآ أَفَلَتۡ قَالَ يَٰقَوۡمِ إِنِّي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهۡتُ وَجۡهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ حَنِيفٗاۖ وَمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} [الأنعام]، وهذا المقام مقام مناظرة لقومه، وبيان لهم أن هذه الكواكب لا تصلح للعبادة، ولا أن تعبد مع الله -عز وجل- لأنها مخلوقة، مربوبة، مصنوعة، مدبرة، مسخرة، تطلع تارة، وتأفل أخرى، فتغيب عن هذا العالم، والرب تعالى لا يغيب عنه شيء، ولا تخفى عليه خافية، بل هو الدائم الباقي بلا زوال لا إله إلا هو، ولا رب سواه فبين لهم أولًا عدم صلاحية الكوكب لأن يكون معبودًا من دون الله، ولا القمر، ولا الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياءً، وسناءً، وبهاءً.

قصة حرق سيدنا إبراهيم 

لما انقطعت حجة قوم سيدنا إبراهيم لجأوا إلى استعمال القوة فقالوا: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 68]، فجمعوا حطباً كثيراً، وأضرموه ناراً لها شرر ولهب عظيم، ثم ألقوا إبراهيم -عليه السلام- في تلك النار، فقال حسبي اللّه ونعم الوكيل؛ فأنجاه اللّه منها، وجعلها عليه برداً و سلاماً، وأبطل كيد أعدائه، قال تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِين} [الأنبياء 69: 70]، ولما نجا إبراهيم من النار أمره اللّه بالخروج والهجرة من أرض العراق إلى الأرض المقدسة في الشام، فتزوج ابنة عمه سارة، وخرج بها مهاجراًً مع ابن أخيه لوط إلى بلاد الشام كما قال سبحانه: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: 71].

قصة سيدنا إبراهيم مع أبيه 

كان أبو إبراهيم -عليه السلام- من عبدة الأصنام، وكان ينحتها ويبيعها، فعز على إبراهيم كفر أبيه فنصحه، وقال له: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم 42: 43]، ولكن أباه لم يستجب له، بل هدده بالرجم والهجر، فقال: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم: 46]، فما كان من إبراهيم إلا أن تركه، وقال له: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم: 47]، وظل إبراهيم يستغفر لأبيه، ولكنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه، وترك الاستغفار له قال تعالى: {وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍۢ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُۥٓ أَنَّهُۥ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَٰهِيمَ لَأَوَّٰهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].

الدروس المستفادة من قصة سيدنا إبراهيم

الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى

هذه هي مهمة الأنبياء والمرسلين، ومن سار على طريقهم ونهج نهجهم، فالواجب على كل مسلم أن يدعو إلى الله -عز وجل- في كل وقت، وفي كل مكان، وبشتى الطرق والوسائل، وألا يدخر في سبيل ذلك جهدًا، فهذه الطريق هي طريق الأنبياء والمرسلين، وهي أعظم غاية وأشرف هدف؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]؛ فالمتُبع الحق للنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يدعو إلى الله تعالى، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المُنكر، وقد ضرب لنا إبراهيم -عليه السلام- أروع الأمثلة في كيفية الدعوة إلى الله تعالى؛ فنجده بدأ بدعوة أقرب الأقربين منه، وهو أبوه آزر، ونجده يخاطب أباه بأرق عبارة، وبألطف إشارة، وبأبلغ بيان، وهذا هو الأسلوب الذي يجب أن ينتهجه القائم بأمر الدعوة كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125]. ثم نجده -عليه السلام- لم يترك وسيلة يتوقع عن طريقها أن يهتدي أبوه وقومه إلا استخدمها، كالدعوة باللين، والحكمة، ثم بالحجة البالغة عن طريق المشاهدة والمعاينة، ومع ذلك يجب أن يعلم الداعي إلى الله أن الهداية بيد الله وحده كما قال تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272].   

اقرأ أيضاً:  مدينة عاد وثمود

الصبر على المصائب وتحمل الأذى

قد لاقى إبراهيم -عليه السلام- في سبيل الدعوة إلى الله تعالى الكثير من الأذى من قومه ووالده، فقد هدده والده بالرجم إن لم ينتهِ عن الدعوة، وقام قومه بتسفيهه، والتحقير من شأنه، ومع ذلك صبر وواصل مشوار الدعوة حتى أجمع قومه على حرقه في النار، ومع ذلك لم يرجع عن دعوته، وإنما صبر، وتوكل على الله، وفوض أمره لله تعالى، وكما في حديث ابن عباسٍ قال: “{حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلَام- حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ) وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: “إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ”(رواه البخاري)، فمما يجب علينا أن نصبر على تحمل الأذى في سبيل الدعوة، ولا ننسى أن جميع الرسل والأنبياء قد لاقوا من أقوامهم ما لاقوا ومع ذلك صبروا واحتسبوا، ولم يتخلوا يومًا عن مهمتهم الشريفة تلك.

الهجرة في سبيل الله

الواجب على المسلم أن يهاجر بدينه من أرض الكفر وأرض الفتن إلى أرض أخرى؛ ليدعو إلى الله ويعبد الله تعالى فيها، فقد هاجر إبراهيم -عليه السلام- من بلاده بابل في العراق إلى الأرض المقدسة، ومن ثم إلى مصر، ثم عاد مرة أخرى إلى الأرض المقدسة، وكما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر أصحابه أولاً بالهجرة إلى الحبشة؛ ليفروا بدينهم من الفتن ومن العذاب الذي كاله لهم الكفار، ثم هاجر صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه مرة أخرى إلى المدينة المنورة لينشر الإسلام، وكذلك عند التوبة يجب على المرء أن يعتزل أهل المعاصي وأن يهاجر من دياره إلى ديار المؤمنين الصالحين الذين يعبدون الله تعالى، ويعينونه على الطاعة.  

صدق التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب

قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:23]، فالقلب يعتمد على الله -جلَّ وعلا- ويعلم يقينًا أن الله بيده كل شيء، ومع ذلك على المرء أن يأخذ بالأسباب الموصلة إلى الهدف الذي يسعى من أجله، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) وهو سيد المتوكلين على الله تعالى أخذ بالأسباب في هجرته الشريفة وفي الكثير والكثير من المواقف.

قال سهل التستري رحمه الله: “الأخذ بالأسباب سنة النبي، والتوكل على الله حال النبي؛ فمن طعن في الأسباب، فقد طعن في السن، ومن طعن في التوكل فقد طعن في الإيمان، فمن كان على حال النبي فلا يتركن سنة النبي”، ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهذا في طرح ولده وعياله بأرض مضيعة؛ اتكالًا على العزيز الرحيم، واقتداء بفعل إبراهيم الخليل، كما تقول غلاة الصوفية في حقيقة التوكل، فإن إبراهيم فعل ذلك بأمر الله لقوله في الحديث: الله أمرك بهذا؟ قال: نعم.

الفزع إلى الصلاة حال الخوف

إن إبراهيم -عليه السلام- فزع إلى الصلاة، ونصب قدميه بين يدي ربه حينما ذهبت زوجته سارة إلى جبار مصر، قام يدعو الله -عز وجل- ولم يزل كذلك حتى عادت زوجته سالمة غانمة بفضل الله تعالى. 

الاستغفار بعد الفراغ من العبادة

إبراهيم -عليه السلام- وولده إسماعيل قالا بعد الفراغ من بناء البيت الحرام: “رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.

من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه

إن إبراهيم -عليه السلام- لما أيس من قومه قرر أن يعتزلهم، ويبتعد عنهم فوهب الله -سبحانه وتعالى- له على الكبر إسماعيل وإسحاق، قال تعالى: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا}[مريم: 49].

فيديو قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام 

مقالات مشابهة

سور القرآن الكريم كاملا مع التفسير

سور القرآن الكريم كاملا مع التفسير

سورة الحجر وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة الحجر وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

إمساكية رمضان 2022

إمساكية رمضان 2022

هل يجوز الصيام بدون طهارة؟

هل يجوز الصيام بدون طهارة؟

أحكام في صلوات الاستخارة الحاجة والتهجد والتسابيح

أحكام في صلوات الاستخارة الحاجة والتهجد والتسابيح

متى فرضت زكاة الفطر مع رمضان في السنة الهجرية؟

متى فرضت زكاة الفطر مع رمضان في السنة الهجرية؟

سحور صحي في رمضان 2022

سحور صحي في رمضان 2022