جدول المحتويات
ذكر الصيام بوصفه فريضة أمر الله تعالى بها المسلمون بأدائها في شهر رمضان، فهو ركن من أركان الإسلام الخمس، وهو من أحب الفرائض إلى الله؛ فقد روى الإمام البخاري ومسلم في الحديث القدسي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: قال الله: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصيام فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ”(رواه البخاري ومسلم)، إذ يصوم المسلمون شهراً واحدًا كل سنة، وهو شهر رمضان المبارك، والذي يعد من أفضل الشهور، كما يمكن للمسلم أن ينال فيه الأجر العظيم من خلال التعبد لله، وفيه ليلة مباركة هي ليلة القدر التي قال عنها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم خير من ألف شهر، أي أن أجر التعبد فيها أفضل من أجر ألف شهر، أما الصوم فقد ذكر في عهد السيدة مريم عليها السلام.
الفرق بين الصوم والصيام لغوياً واصطلاحاً
الصوم والصيام هما كلمتان متشابهتان لغوياً ولكنهما يختلفان اصطلاحاً، حيث يعد الصوم والصيام مصدران لفعْلٍ واحدٍ وهو الفعلُ صَامَ، وكلاهما تفيدان في اللغة الإمساك والتّوقف عن فعلٍ ما، لكن بما أنه تم ذكرهم في القرآن والسنة النبوية في لفظين مختلفين، فهذا دليلٌ على الإختلاف في المعنى والاصطلاح،خاصةً وأنَّ القاعدةَ البلاغيةَ تقول: “بأنَّ كُلُّ زيادةٍ في المبنى زيادةٌ في المعنى”، ومن هنا وجدت الفروق بين هذه الكلمتين، ومنها:
- إن الصيام يعني التّوقف عن الكلام، والشّتائم، وتناول الطّعام والشّراب، واتباع الشّهوات، والأفعال المكروهة، فكلها يمسك عنها الإنسان، حيث يصحبهُ وجود النيَّة، حيث قال أبو الهلال العسكري في كتابه معجم الفروق اللغوية: “الصيام الكفّ عن المفطرات مع النية”، كما أنه من العبادات المفروضة على المُسلمين، ودليلُ ذلك قولهُ تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”(البقرة: 183)، أما الصوم فهو الإمساك عن المفطرات أيضاً بالإضافة إلى الكلام كما جاء في الأديان السّابقة، وإليه يشير قوله تعالى مخاطبًا مريم عليها السلام: “فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا”(مريم: 26)، لذلك يشير صحابُ هذهِ التفرقةِ بأنَّ عدمَ الكلام، هو ما ترتب على نذرِ الصومِ، أي أن صيامهم للنذر، يترتب عليه عدم الكلام.
- إنَّ كلمة الصيام خُصص استخدامها في القرآنِ الكريمِ للعبادةِ، والصوم خُصص استخدامها للصمت، فلا يوجد في القرآن الكريم لفظ الصوم بمعنى العبدة، بل بمعنى الامتناع عن الكلام.
- إنَّ لفظ الصيام جاء على صيغة مبالغة، التي من معانيها المفاعلة، أي المشاركة، على عكس الصوم الذي يعتبر مصدراً آخر من مصادرِ الفعل صامَ، لذلك جاء لفظُ الصيام أوسع وأشمل وأعم، فلفظُ الصيام يحملُ معنى المجاهدة والمشاركة، وغير ذلك من الدلالات التي كانت من إحدى أهداف فريضة الصيام.
الفرق بين الصوم والصيام في القرآن
وردت كلمة الصّيام في القرآن الكريم سبع مرات في مواضع مختلفة منها ما هو خاص بشهر رمضان المبارك، أو صيام النوافل، أو صيام كفارة ذنبٍ ما، أما كلمة صوم فقد وردت مرة واحدة في القرآن الكريم عندما أمر الله -تعالى- السّيدة مريم بالصّوم عن الكلام وعدم التكلم مع أحد، وفي الآية نفسها أمرها الله تعالى بالأكل والشرب وهي حامل بسيدنا عيسى عليه السّلام؛ حتى لا يضرّ بصحتها، فجاءت كلمة صوم في هذا الموضع الدقيق لعدم الإخلال في البناء اللغوي للآية. وذكرت الآية الكريمة تصريفًا صحيحاً لكلمة صوم “إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا”، ولم تذكر الآية «إنّي نذرت للرحمن صياماً»؛ فالمعنى واضح في أمر الله -عزّ وجل- للسيدة مريم -عليها السلام- بالإمساك عن الكلام أو الصّمت.
الحكمة من تشريع الصيام
الشعائر هي عبودية لله تعالى، إذ عندما شرعَ الله تعالى الصيام على عباده في شهر رمضان، كان من وراء هذه العبادة، حكمةٌ ومقصد، ولا يقتصرُ ذلك على شعورِ الصائمِ بالجوع والعطش، حيث أن الحكمة التي أرادها تعالى بالصيام، تتمثل فيما يلي:
- الصيام يدرب المؤمن ويعلمه الامتناع عن المعصية واجتنابها والبعد عنها، فالصيام كابحاً للشهوة، ويساعد على تحصين النفسِ، وَضبطِها.
- نيل رضا الله تعالى، والتقرب إليه بالعبادات والطاعات، حتى يُحقِق معنى التقوى الذي يرتَضيه الله تعالى.
- أن المسلم من خلال الصيام والإحساس بالجوع والعطش يشعر بألم الفقراء والمساكين ممن يعيشون هذا الشعور طوال حياتهم، فيولدُ هذا الشعور في المجتمع التعاون والتآلف بين الأفراد، والإحسان إلى بعضهم البعض.
- يستشعر الصائم النعمة والفضل الذي أعطاه الله تعالى إياه، ومنَّ الله تعالى به عليه.
- يقوي الصيام من إرادة المسلم، ويجعله إيجابياً، بالاقدام على مساعدة الغير والإكثار من عمل الخير وغيرها.
- يُعدُ الصيام صحةً، وراحةً للبدن.
- يُعدُ الصيام عبادةً شاملةً للأخلاقِ الفضيلةِ والحسنةِ، ومنها الصَبر.