من هم أهل الكتاب

من هم أهل الكتاب

أهل الكتاب

تميز القرآن منذ نزوله على سيد الخلق محمد ﷺ بمجيئه بمنظومة من المصطلحات الخاصة، يبنى عليها الأحكام التي تنظم حياة الفرد والجماعة وتنظم العلاقات في المجتمع الإسلامي بمختلف مكوناته، بل وتنظم علاقات الدول والجماعات على أسس ربانية منضبطة تنطلق من دعوة الإسلام السمحة القائمة على محبة الخير للناس جميعاً، والتي تهدف إلى هدايتهم وصلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة؛ ومن هذه المصطلحات القرآنية اصطلاح “أهل الكتاب”، والسؤال هنا: من هم أهل الكتاب؟ وما الأحكام المتعلقة بهم؟ 

التعريف بمفهوم أهل الكتاب لغة واصطلاحاً

أهل الكتاب لغةً

مركّب إضافي من كلمتين هما: أهل، وكتاب؛ فأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه وأهل الشيء: أصحابه، وأهل المذهب: من يدين به وإذا أضيفت إلى كلمة أخرى دلّت على رابط بين الكلمتين؛ فأهل الرجل عشيرته وقرابته وزوجته وأهل الأمر ولاته، وأهل البيت سكّانه، وأهل المذهب من يدين به، والكتاب من الكَتْب وهو: “الجمع وضمُّ أديم إلى أديم بالخياطة..وفي التعارف ضمّ الحروف بعضها إلى بعض بالخطّ … والكتاب في الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب…”، 

وحينما تضم كلمة “أهل” إلى كلمة “كتاب” فيراد هنا بالكتاب التوراة والإنجيل؛ يقول الأصفهاني: “…وحينما ذكر الله أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل وإيّاهما جميعا…” [ينظر لسان العرب 11/ 28-32 ]. 

إعلان السوق المفتوح

أهل الكتاب اصطلاحاً

الذي عليه جماهير أهل العلم والذي تظاهرت عليه الأدلة حصر مفهوم أهل الكتاب في اليهود والنصارى لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ}  [الأنعام: 156]، ووجه الدلالة في الآية  أنّ الله تعالى خصّ الكتاب بطائفتين وهم اليهود والنصارى فلا يصدق على غيرهم أنهم أهل كتاب وإلاّّ لزم الكذب في كتاب الله وهو محال. [ينظر بدائع الصنائع 463/3]، ورأى بعض أهل العلم إلى أن من تهود بعد بعثة عيسى عليه السلام، أو تهود أو تنصر بعد بعثة محمد ﷺ فلا يدخل في مسمى أهل الكتاب ولا يؤخذ أحكامهم وهو قول مرجوح بعموم الأدلة وإطلاقها دون تقييد أو تخصيص، ولنكاح الصحابة لكتابيات ولم ينقل عنهم تحققهم من تاريخ دخولهن في اليهودية أو النصرانية ولو كان ذلك لازماً لفعلوه وبيّنوه للأمة [ينظر الجامع لأحكام القرآن 63/2].

مصطلح أهل الكتاب في القرآن

ورد مصطلح أهل الكتاب كمركب إضافي في (31) موضعاً، وقد جاء على ثلاثة أوجه:

  • أطلق وأريد به (اليهود)، ومنه قوله تعالى: {وَأَنزَلَ الَّذينَ ظاهَروهُم مِن أَهلِ الكِتابِ مِن صَياصيهِم وَقَذَفَ في قُلوبِهِمُ الرُّعبَ فَريقًا تَقتُلونَ وَتَأسِرونَ فَريقًا} [الأحزاب: 26].
  • أطلق وأريد به (النصارى)، ومنه قوله تعالى: {يا أَهلَ الكِتابِ لا تَغلوا في دينِكُم وَلا تَقولوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسيحُ عيسَى ابنُ مَريَمَ رَسولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقاها إِلى مَريَمَ وَروحٌ مِنهُ فَآمِنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقولوا ثَلاثَةٌ انتَهوا خَيرًا لَكُم إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبحانَهُ أَن يَكونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكيلًا} [النساء:171].
  •  أطلق على أصله العام وأريد به اليهود والنصارى، كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَالمُشرِكينَ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدينَ فيها أُولئِكَ هُم شَرُّ البَرِيَّةِ} [البينة: 6].

موقف أهل الكتاب من الرسول محمد ﷺ 

أخذ الله تعالى الميثاق على الرسل والأنبياء جميعاً أن يؤمنوا بمحمد ﷺ ويتبعوه وينصروه إن أدركوه وهم أخذوا الميثاق بذلك على أقوامهم، وأظهر ما يكون ذلك في دعوة عيسى عليه السلام ومن قبله دعوة موسى عليه السلام لأنهم أقرب الرسل عهدا بمحمد ﷺ؛ قال الله تعالى: {وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ ميثاقَ النَّبِيّينَ لَما آتَيتُكُم مِن كِتابٍ وَحِكمَةٍ ثُمَّ جاءَكُم رَسولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُم لَتُؤمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قالَ أَأَقرَرتُم وَأَخَذتُم عَلى ذلِكُم إِصري قالوا أَقرَرنا قالَ فَاشهَدوا وَأَنا مَعَكُم مِنَ الشّاهِدينَ} [آل عمران: 81]. عن علي بن أبي طالب قال: لم يبعث الله عز وجل نبيًّا، آدمَ فمن بعدَه – إلا أخذ عليه العهدَ في محمد: لئن بعث وهو حيّ ليؤمنن به ولينصرَنّه ويأمرُه فيأخذ العهدَ على قومه، فقال: “وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة” [تفسير الطبري 297/3]

وعن الربيع في قوله: “وإذ أخذ الله ميثاق النبيين”، يقول: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، وكذلك كان يقرؤها الربيع: “وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب”، إنما هي أهل الكتاب. قال: وكذلك كان يقرأها أبي بن كعب. قال الربيع: ألا ترى أنه يقول: “ثم جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه؟ يقول: لتؤمنن بمحمد ﷺ ولتنصرنه. قال: هم أهل الكتاب” [تفسير الطبري 296/3]. 

بين الله تعالى أنه ذكر صفة نبيه محمد ﷺ والأمر باتباعه مسطور في التوراة والإنجيل، قال الله تعالى: {الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذي يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوراةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلالَ الَّتي كانَت عَلَيهِم فَالَّذينَ آمَنوا بِهِ وَعَزَّروهُ وَنَصَروهُ وَاتَّبَعُوا النّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ المُفلِحونَ} [الأعراف: 157].  

طوائف أهل الكتاب

أهل الكتاب مخاطبون مطالبون على ألسنة رسلهم وفي نصوص كتبهم باتباع النبي ﷺ والدخول في دينه؛ فاستجاب القليل منهم ورفض أغلبهم وجحدوا وكفروا؛ وقد انقسموا على وجه التفصيل إلى ثلاث طوائف تجاه هذا الأمر:

طائفة آمنت بمحمد ﷺ واتبعوه

قال الله تعالى: {وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنزِلَ إِلَيكُم وَما أُنزِلَ إِلَيهِم خاشِعينَ لِلَّهِ لا يَشتَرونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَليلًا أُولئِكَ لَهُم أَجرُهُم عِندَ رَبِّهِم إِنَّ اللَّهَ سَريعُ الحِسابِ} [آل عمران: 199]، وهؤلاء لهم الأجر العظيم عند الله تعالى؛ في الحديث عَنْ أَبِي موسى الأشعري، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ…” [مسلم (154)].

طائفة كفرت به وأنكرت رسالته رغم أن أغلبهم عرفه حق المعرفة

قال في شأنهم الله تعالى: {وَلَمّا جاءَهُم كِتابٌ مِن عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُم وَكانوا مِن قَبلُ يَستَفتِحونَ عَلَى الَّذينَ كَفَروا فَلَمّا جاءَهُم ما عَرَفوا كَفَروا بِهِ فَلَعنَةُ اللَّهِ عَلَى الكافِرينَ} [البقرة: 89]، والحديث التالي يبين نموذجاً ممن آمن منهم علمائهم ونموذجاً لغالب وأكثر علمائهم الذين عرفوا الحق وكتموه وجحدوه: “عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ يَهود كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ مَبْعَثِهِ. فَلَمَّا بَعَثَهُ اللَّهُ مِنَ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ، وَجَحَدُوا مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ. فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَبِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُور، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقَوُا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ ﷺ وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ، وَتُخْبِرُونَنَا بِأَنَّهُ مَبْعُوثٌ، وتصفُونه لَنَا بِصِفَتِهِ. فَقَالَ سَلام بْنُ مِشْكم أَخُو بَنِي النَّضِيرِ: مَا جَاءَنَا بِشَيْءٍ نَعْرِفُهُ، وَمَا هُوَ بِالذِي كُنَّا نَذْكُرُ لَكُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}” [ينظر “صحيح أسباب النزول” ص241،21 ]

اقرأ أيضاً:  حكم الوشم في الإسلام

طائفة كتمت وأخفت 

هذه الطائفة كتمت وأخفت ما جاء من صفته والبشارة برسالته في كتبهم وهذه تغلب على علمائهم وأحبارهم ورهبانهم، قال الله تعالى: {الَّذينَ آتَيناهُمُ الكِتابَ يَعرِفونَهُ كَما يَعرِفونَ أَبناءَهُم وَإِنَّ فَريقًا مِنهُم لَيَكتُمونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمونَ} [البقرة: 146]

وفي صحيح الإمام البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه: “بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بنَ سَلَامٍ مَقْدَمُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَدِينَةَ فأتَاهُ، فَقالَ: إنِّي سَائِلُكَ عن ثَلَاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إلَّا نَبِيٌّ قالَ: ما أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وما أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ؟ ومِنْ أيِّ شيءٍ يَنْزِعُ الوَلَدُ إلى أبِيهِ؟ ومِنْ أيِّ شيءٍ يَنْزِعُ إلى أخْوَالِهِ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَبَّرَنِي بهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ قالَ: فَقالَ عبدُ اللَّهِ ذَاكَ عَدُوُّ اليَهُودِ مِنَ المَلَائِكَةِ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أمَّا أوَّلُ أشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المَشْرِقِ إلى المَغْرِبِ، وأَمَّا أوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أهْلُ الجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ، وأَمَّا الشَّبَهُ في الوَلَدِ: فإنَّ الرَّجُلَ إذَا غَشِيَ المَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كانَ الشَّبَهُ له، وإذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كانَ الشَّبَهُ لَهَا قالَ: أشْهَدُ أنَّكَ رَسولُ اللَّهِ، ثُمَّ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ اليَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ، إنْ عَلِمُوا بإسْلَامِي قَبْلَ أنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ، فَجَاءَتِ اليَهُودُ ودَخَلَ عبدُ اللَّهِ البَيْتَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ؟ قالوا: أعْلَمُنَا، وابنُ أعْلَمِنَا، وأَخْيَرُنَا، وابنُ أخْيَرِنَا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أفَرَأَيْتُمْ إنْ أسْلَمَ عبدُ اللَّهِ؟ قالوا: أعَاذَهُ اللَّهُ مِن ذلكَ، فَخَرَجَ عبدُ اللَّهِ إليهِم فَقالَ: أشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، فَقالوا: شَرُّنَا، وابنُ شَرِّنَا، ووَقَعُوا فِيهِ” [صحيح البخاري (3329)].

كفر كل من أنكر نبوة محمد ﷺ ورفض اتباعه 

كفر سواء أكان من أهل الكتاب أو غيرهم وهو من أهل النار خالداً مخلداً؛ للنصوص السابقة الذكر ولما يلي:

  1. أن الأيمان بالأنبياء جميعاً شرط من شروط الإيمان، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ يَكفُرونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدونَ أَن يُفَرِّقوا بَينَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقولونَ نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ وَيُريدونَ أَن يَتَّخِذوا بَينَ ذلِكَ سَبيلًا*أُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ حَقًّا وَأَعتَدنا لِلكافِرينَ عَذابًا مُهينًا*وَالَّذينَ آمَنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَم يُفَرِّقوا بَينَ أَحَدٍ مِنهُم أُولئِكَ سَوفَ يُؤتيهِم أُجورَهُم وَكانَ اللَّهُ غَفورًا رَحيمًا} [النساء:150-152].
  2.  أن الإيمان بجميع الكتب المنزلة من عند الله شرط من شروط الإيمان؛ فمن كفر بكتاب واحد كان كافرا بالكتب كلها وكافراً بمن أنزلها سبحانه.
  3. أن جحد نبوة محمد ﷺ والكفر بالقرآن تكذيب لله تعالى فيما أخبر من نبوة محمد وتنزيله للقرآن.
  4. عداوتهم لله والأنبياء والملائكة والكتب: كعداوة اليهود لعيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام بل عداوتهم لبعض أنبيائهم وقتلهم، وعداوتهم لجبريل من الملائكة وعداوة كلا الطائفتين للقرآن الكتاب المنزل من عند الله؛ ومن فعل ذلك كان عدواً لله، قال الله تعالى:{قُل مَن كانَ عَدُوًّا لِجِبريلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلبِكَ بِإِذنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَيهِ وَهُدًى وَبُشرى لِلمُؤمِنينَ*مَن كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبريلَ وَميكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلكافِرينَ} [البقرة: 97-98].
  5. يضاف إلى ما تقدم ما عندهم من كفريات وانحرافات؛ كنسبة الولد لله، وتحريف كلام الله، ونسبة النقص لله تعالى، وصرف أنواع العبادات لغير الله تعالى…الخ.

بين النبي صلى الله هليه وسلم أن من بلغته دعوته منهم ولم يؤمن فهو من أهل النار؛عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ” وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه نحوه [رواهما مسلم (153)].

موقف أهل الكتاب من المسلمين 

بين القرآن الكريم في آيات كثيرة موقف أهل الكتاب من أهل الإسلام؛ فمنهم قريب المودة المتواضع الذي يخشع وينزل دمعه لمعرفته بالحق ويسارع للإيمان بالرسول واتباعه ونصرته، ومنهم الأشد عداوة للرسول والدين الحق الذي يصل مكر الليل بالنهار لإيصال الشر للحق وأهله. وفيما يلي بيان لكل من هذين الموقفين:

موقف المودة والمحبة لأهل الإيمان والإذعان للحق والدخول في الإسلام 

قال الله تعالى في بيان بعض أفرادهذه الطائفة: {وَلَتَجِدَنَّ أَقرَبَهُم مَوَدَّةً لِلَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى ذلِكَ بِأَنَّ مِنهُم قِسّيسينَ وَرُهبانًا وَأَنَّهُم لا يَستَكبِرونَ*وَإِذا سَمِعوا ما أُنزِلَ إِلَى الرَّسولِ تَرى أَعيُنَهُم تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ مِمّا عَرَفوا مِنَ الحَقِّ يَقولونَ رَبَّنا آمَنّا فَاكتُبنا مَعَ الشّاهِدينَ*وَما لَنا لا نُؤمِنُ بِاللَّهِ وَما جاءَنا مِنَ الحَقِّ وَنَطمَعُ أَن يُدخِلَنا رَبُّنا مَعَ القَومِ الصّالِحينَ*فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالوا جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها وَذلِكَ جَزاءُ المُحسِنينَ} [المائدة: 82-85]، 

وقال سبحانه في وصف أفراد طائفة أخرى منهم: {لكِنِ الرّاسِخونَ فِي العِلمِ مِنهُم وَالمُؤمِنونَ يُؤمِنونَ بِما أُنزِلَ إِلَيكَ وَما أُنزِلَ مِن قَبلِكَ وَالمُقيمينَ الصَّلاةَ وَالمُؤتونَ الزَّكاةَ وَالمُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤتيهِم أَجرًا عَظيمًا}  [النساء: 162].

موقف المعاداة الأشد للإسلام وأهله

أي موقف أهل الكتب على وجه العموم واليهود خاصة، وكذا موقف عموم أهل الكفر والإشراك، قال الله تعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّاسِ عَداوَةً لِلَّذينَ آمَنُوا اليَهودَ وَالَّذينَ أَشرَكوا} [المائدة: 82]. من أهم صور العداوة التي نص عليها القرآن:

  • كراهيتهم لأهل الإسلام والكفر برسولهم وكتابهم: قال الله تعالى: {ها أَنتُم أُولاءِ تُحِبّونَهُم وَلا يُحِبّونَكُم وَتُؤمِنونَ بِالكِتابِ كُلِّهِ وَإِذا لَقوكُم قالوا آمَنّا وَإِذا خَلَوا عَضّوا عَلَيكُمُ الأَنامِلَ مِنَ الغَيظِ قُل موتوا بِغَيظِكُم إِنَّ اللَّهَ عَليمٌ بِذاتِ الصُّدورِ} [آل عمران: 119].
  • خداعهم لأهل الإسلام وادعائهم للإيمان، قال الله تعالى: {وَقالَت طائِفَةٌ مِن أَهلِ الكِتابِ آمِنوا بِالَّذي أُنزِلَ عَلَى الَّذينَ آمَنوا وَجهَ النَّهارِ وَاكفُروا آخِرَهُ لَعَلَّهُم يَرجِعونَ} [آل عمران: 72].
  • كراهيتهم لنزول الخير على أهل الإسلام: قال الله تعالى: {ما يَوَدُّ الَّذينَ كَفَروا مِن أَهلِ الكِتابِ وَلَا المُشرِكينَ أَن يُنزَّلَ عَلَيكُم مِن خَيرٍ مِن رَبِّكُم وَاللَّهُ يَختَصُّ بِرَحمَتِهِ مَن يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظيمِ} [البقرة: 105].
  • حسدهم للمسلمين وتمنيهم أن يرتد المسلمون عن دينهم: قال الله تعالى: {وَدَّ كَثيرٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يَرُدّونَكُم مِن بَعدِ إيمانِكُم كُفّارًا حَسَدًا مِن عِندِ أَنفُسِهِم مِن بَعدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعفوا وَاصفَحوا حَتّى يَأتِيَ اللَّهُ بِأَمرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ} [البقرة: 109].
  • السعي في إضلال المسلمين وتشكيكهم في الدين: قال الله تعالى: {وَدَّت طائِفَةٌ مِن أَهلِ الكِتابِ لَو يُضِلّونَكُم وَما يُضِلّونَ إِلّا أَنفُسَهُم وَما يَشعُرونَ} [آل عمران: 69].
  • موالاة أهل الشرك والكفر ومظاهرتهم والتآمر معهم ضد المسلمين: قال الله تعالى: {تَرى كَثيرًا مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذينَ كَفَروا لَبِئسَ ما قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذابِ هُم خالِدونَ} [المائدة: 80] .
اقرأ أيضاً:  كيف مات عثمان بن عفان

أظهر انحرافات أهل الكتاب وضلالاتهم التي أوردها القرآن

  • نسبة الولد لله سبحانه وتطاولهم على ذات الله ونسبة النقص له: قال الله تعالى: {وَقالَتِ اليَهودُ عُزَيرٌ ابنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارَى المَسيحُ ابنُ اللَّهِ ذلِكَ قَولُهُم بِأَفواهِهِم يُضاهِئونَ قَولَ الَّذينَ كَفَروا مِن قَبلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنّى يُؤفَكونَ} [التوبة: 30]
  • تكذيبهم للأنبياء وقتلهم بغير حق: قال الله تعالى: {وَإِذ قُلتُم يا موسى لَن نَصبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادعُ لَنا رَبَّكَ يُخرِج لَنا مِمّا تُنبِتُ الأَرضُ مِن بَقلِها وَقِثّائِها وَفومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَستَبدِلونَ الَّذي هُوَ أَدنى بِالَّذي هُوَ خَيرٌ اهبِطوا مِصرًا فَإِنَّ لَكُم ما سَأَلتُم وَضُرِبَت عَلَيهِمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ وَباءوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذلِكَ بِأَنَّهُم كانوا يَكفُرونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقتُلونَ النَّبِيّينَ بِغَيرِ الحَقِّ ذلِكَ بِما عَصَوا وَكانوا يَعتَدونَ}[البقرة: 61] 
  • ادعاؤهم الدعاوى الكاذبة الباطلة:
    • أنهم أبناء الله وأحباؤه؛ قال الله تعالى: {وَقالَتِ اليَهودُ وَالنَّصارى نَحنُ أَبناءُ اللَّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُل فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنوبِكُم بَل أَنتُم بَشَرٌ مِمَّن خَلَقَ يَغفِرُ لِمَن يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشاءُ وَلِلَّهِ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ وَما بَينَهُما وَإِلَيهِ المَصيرُ} [المائدة: 18].
    • أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وبنيه كانوا هودا أو نصارى؛ قال الله تعالى:{أَم تَقولونَ إِنَّ إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ وَيَعقوبَ وَالأَسباطَ كانوا هودًا أَو نَصارى قُل أَأَنتُم أَعلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَن أَظلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ} [البقرة: 140].
    • أن الهدى في اتباع ملتهم؛ قال الله تعالى: {وَقالوا كونوا هودًا أَو نَصارى تَهتَدوا قُل بَل مِلَّةَ إِبراهيمَ حَنيفًا وَما كانَ مِنَ المُشرِكينَ} [البقرة: 135].
    • نفي دخول الجنة عن غيرهم؛ قال الله تعالى: {وَقالوا لَن يَدخُلَ الجَنَّةَ إِلّا مَن كانَ هودًا أَو نَصارى تِلكَ أَمانِيُّهُم قُل هاتوا بُرهانَكُم إِن كُنتُم صادِقينَ} [البقرة: 111].
  • كفرهم بآيات الله وكتمانها: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذينَ يَكتُمونَ ما أَنزَلنا مِنَ البَيِّناتِ وَالهُدى مِن بَعدِ ما بَيَّنّاهُ لِلنّاسِ فِي الكِتابِ أُولئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلعَنُهُمُ اللّاعِنونَ} [البقرة: 159].
  • تحريفهم لكتبهم لفظا ومعنى: قال الله تعالى: {فَوَيلٌ لِلَّذينَ يَكتُبونَ الكِتابَ بِأَيديهِم ثُمَّ يَقولونَ هذا مِن عندِ اللَّهِ لِيَشتَروا بِهِ ثَمَنًا قَليلًا فَوَيلٌ لَهُم مِمّا كَتَبَت أَيديهِم وَوَيلٌ لَهُم مِمّا يَكسِبونَ} [البقرة: 79].
  • صدهم عن سبيل الله وأكلهم أموال الناس بالباطل وهذا أظهر ما يكون في أحبارهم ورهبانهم: قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا إِنَّ كَثيرًا مِنَ الأَحبارِ وَالرُّهبانِ لَيَأكُلونَ أَموالَ النّاسِ بِالباطِلِ وَيَصُدّونَ عَن سَبيلِ اللَّهِ وَالَّذينَ يَكنِزونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنفِقونَها في سَبيلِ اللَّهِ فَبَشِّرهُم بِعَذابٍ أَليمٍ} [التوبة: 34].
  • كتمان الحق ولبسه بالباطل حتى يفى أة يختلط على الناس فلا يعرفونه: قال الله تعالى مخاطباً أهل الكتاب: {وَلا تَلبِسُوا الحَقَّ بِالباطِلِ وَتَكتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمونَ} [البقرة: 42].
  • الغلو في الدين: قال الله تعالى: {يا أَهلَ الكِتابِ لا تَغلوا في دينِكُم وَلا تَقولوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الحَقَّ إِنَّمَا المَسيحُ عيسَى ابنُ مَريَمَ رَسولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلقاها إِلى مَريَمَ وَروحٌ مِنهُ فَآمِنوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقولوا ثَلاثَةٌ انتَهوا خَيرًا لَكُم إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبحانَهُ أَن يَكونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكيلًا} [النساء: 171].
  • إشعال نيران الحروب والسعي في الفساد في الأرض: قال الله تعالى: {وَقالَتِ اليَهودُ يَدُ اللَّهِ مَغلولَةٌ غُلَّت أَيديهِم وَلُعِنوا بِما قالوا بَل يَداهُ مَبسوطَتانِ يُنفِقُ كَيفَ يَشاءُ وَلَيَزيدَنَّ كَثيرًا مِنهُم ما أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ طُغيانًا وَكُفرًا وَأَلقَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ كُلَّما أَوقَدوا نارًا لِلحَربِ أَطفَأَهَا اللَّهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ} [المائدة: 64].
  • نقض العهود والمواثيق: قال الله تعالى في شأنهم:  {أَوَكُلَّما عاهَدوا عَهدًا نَبَذَهُ فَريقٌ مِنهُم بَل أَكثَرُهُم لا يُؤمِنونَ} [البقرة: 100].
  • نبذهم لأوامر الله وكتبهم وعدم اتباعها: قال الله تعالى: {وَلَمّا جاءَهُم رَسولٌ مِن عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُم نَبَذَ فَريقٌ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهورِهِم كَأَنَّهُم لا يَعلَمونَ} [البقرة: 101].
  • تفضيلهم المشركين وعبدة الأوثان على أهل الإيمان: قال الله تعالى: {أَلَم تَرَ إِلَى الَّذينَ أوتوا نَصيبًا مِنَ الكِتابِ يُؤمِنونَ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ وَيَقولونَ لِلَّذينَ كَفَروا هؤُلاءِ أَهدى مِنَ الَّذينَ آمَنوا سَبيلًا} [النساء: 51].
  • إيمانهم ببعض الكتاب والكفر ببعضه الآخر وفقا لأهوائهم ومصالحهم: {قال الله تعالى: {ثُمَّ أَنتُم هؤُلاءِ تَقتُلونَ أَنفُسَكُم وَتُخرِجونَ فَريقًا مِنكُم مِن دِيارِهِم تَظاهَرونَ عَلَيهِم بِالإِثمِ وَالعُدوانِ وَإِن يَأتوكُم أُسارى تُفادوهُم وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيكُم إِخراجُهُم أَفَتُؤمِنونَ بِبَعضِ الكِتابِ وَتَكفُرونَ بِبَعضٍ فَما جَزاءُ مَن يَفعَلُ ذلِكَ مِنكُم إِلّا خِزيٌ فِي الحَياةِ الدُّنيا وَيَومَ القِيامَةِ يُرَدّونَ إِلى أَشَدِّ العَذابِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعمَلونَ} [البقرة: 85].
  • اتخاذهم لأحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله: قال الله تعالى: {اتَّخَذوا أَحبارَهُم وَرُهبانَهُم أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ وَالمَسيحَ ابنَ مَريَمَ وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدوا إِلهًا واحِدًا لا إِلهَ إِلّا هُوَ سُبحانَهُ عَمّا يُشرِكونَ} [التوبة: 31] .
  • تركهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذينَ كَفَروا مِن بَني إِسرائيلَ عَلى لِسانِ داوودَ وَعيسَى ابنِ مَريَمَ ذلِكَ بِما عَصَوا وَكانوا يَعتَدونَ*كانوا لا يَتَناهَونَ عَن مُنكَرٍ فَعَلوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلونَ} [المائدة: 78-79].
  •  تركهم للحكم بما أنزل الله عليهم في التوراة والإنجيل: قال الله تعالى: {وَكَيفَ يُحَكِّمونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوراةُ فيها حُكمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّونَ مِن بَعدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالمُؤمِنينَ} [المائدة: 43].

قواعد وضوابط التعامل مع أهل الكتاب في الإسلام 

دعوتهم إلى التوحيد والإيمان 

قال الله تعالى: {قُل يا أَهلَ الكِتابِ تَعالَوا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَبَينَكُم أَلّا نَعبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشرِكَ بِهِ شَيئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعضُنا بَعضًا أَربابًا مِن دونِ اللَّهِ فَإِن تَوَلَّوا فَقولُوا اشهَدوا بِأَنّا مُسلِمونَ} [آل عمران: 64].

مجادلتهم بالّتي هي أحسن

قال الله تعالى:{وَلا تُجادِلوا أَهلَ الكِتابِ إِلّا بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ إِلَّا الَّذينَ ظَلَموا مِنهُم وَقولوا آمَنّا بِالَّذي أُنزِلَ إِلَينا وَأُنزِلَ إِلَيكُم وَإِلهُنا وَإِلهُكُم واحِدٌ وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ} [العنكبوت: 46].

عدم إكراههم على ترك دينهم

قال الله تعالى: {لا إِكراهَ فِي الدّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكفُر بِالطّاغوتِ وَيُؤمِن بِاللَّهِ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقى لَا انفِصامَ لَها وَاللَّهُ سَميعٌ عَليمٌ} [البقرة: 256].

الإنصاف في التعامل معهم وعدم ظلمهم 

  • قال الله تعالى: {وَمِن أَهلِ الكِتابِ مَن إِن تَأمَنهُ بِقِنطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيكَ وَمِنهُم مَن إِن تَأمَنهُ بِدينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيكَ إِلّا ما دُمتَ عَلَيهِ قائِمًا ذلِكَ بِأَنَّهُم قالوا لَيسَ عَلَينا فِي الأُمِّيّينَ سَبيلٌ وَيَقولونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ وَهُم يَعلَمونَ} [آل عمران: 75].
  • قال الله تعالى: {لَيسوا سَواءً مِن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ*يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَيَأمُرونَ بِالمَعروفِ وَيَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَيُسارِعونَ فِي الخَيراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصّالِحينَ*وَما يَفعَلوا مِن خَيرٍ فَلَن يُكفَروهُ وَاللَّهُ عَليمٌ بِالمُتَّقينَ} [آل عمران: 113-115].
اقرأ أيضاً:  أحاديث قدسية

النهي عن موالاتهم 

قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذُوا اليَهودَ وَالنَّصارى أَولِياءَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظّالِمينَ} [المائدة: 51].

إباحة أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم

قال الله تعالى: {اليَومَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حِلٌّ لَكُم وَطَعامُكُم حِلٌّ لَهُم وَالمُحصَناتُ مِنَ المُؤمِناتِ وَالمُحصَناتُ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم إِذا آتَيتُموهُنَّ أُجورَهُنَّ مُحصِنينَ غَيرَ مُسافِحينَ وَلا مُتَّخِذي أَخدانٍ وَمَن يَكفُر بِالإيمانِ فَقَد حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الخاسِرينَ} [المائدة: 5].

إخضاعهم لأحكام الإسلام -عقد الذمة ودفع الجزية-

والمقصود هنا حكم ونظام الإسلام العام والذي كفل لأهل الكتاب حقوقهم،وعدم التدخل في عباداتهم وشعائرهم الخاصة، فإذا خضعوا واستسلموا لحكم دولة الإسلام ودانوا لها بالولاء، ودفعوا لها الجزية، فإنهم يعطون منها عهدًاوعقداً خاصاً، يسمى عهد الذمة.

ويراد بعهد الذمة: إقرار الحاكم أو نائبه لبعض أهل الكتاب – أو غيرهم من الكفار- على كفرهم بشرطين: 

  • الشرط الأول: التزامهم بأحكام الإسلام في الجملة. 
  • الشرط الثاني: أن يعطوا الجزية… ويترتب على هذا العهد حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم، وصيانة أعراضهم، وكفالة حرياتهم، وعدم الاعتداء عليهم [ينظر فقه السنة 662/2].

الأمر بقتال المعاندين منهم والمحاربين حتى الخضوع لأحكام الإسلام ودفع الجزية

قال الله تعالى: {قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤمِنونَ بِاللَّهِ وَلا بِاليَومِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسولُهُ وَلا يَدينونَ دينَ الحَقِّ مِنَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ حَتّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صاغِرونَ} [التوبة: 29]؛ قال الشَّافِعِي رحمه الله: ومن كان من أهل الكتاب من المشركين المحاربين قوتلوا حتى يُسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، فإذا أعطَوها لم يكن للمسلمين قتلهم ولا إكراههم على غير دينهم [تفسير الإمام الشافعي 913/2]، في هذه الآية أمر من الله تعالى للمؤمنين بقتال أهل الكتاب المنحرفين عن دينه حتى إعطاء الجزية حتى تتقرر لهم حقوق الذمي المعاهد وليقوم السلام بينهم وبين المسلمين، والجزية تعود بالخير عليهم؛ إذ فيها عصمة لدمائهم، وإبقاء لهم على دينهم، ويتكفل المسلمون بحمايتهم وضمان سلامتهم في أنفسهم وأهلهم وفي أموالهم.

السماحة في التعامل مع غير المحاربين منهم والبر والإقساط إليهم

الإسلام دين السماحة والرحمة والعدل مع جميع الخلق؛ فهي قاعدة الإسلام العامة في حال القوة والضعف والشدة والرخاء، وكل ذلك دون ضعف ولا خور ولا استخذاء ولا ذل، وهذه القاعدة العامة تجري في معاملة أهل الكتاب مادامو غير محاربين وملتزمين بعقد الذمة مع المسلمين، قال الله تعالى: {لا يَنهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذينَ لَم يُقاتِلوكُم فِي الدّينِ وَلَم يُخرِجوكُم مِن دِيارِكُم أَن تَبَرّوهُم وَتُقسِطوا إِلَيهِم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقسِطينَ} [الممتحنة: 8]؛ أي: أنه جائز لكم وليس عليكم حرج، ولا يدخل ذلك في المولاة التي نهيتكم عنها: أن تبروا من لم يقاتلكم، وتصلوهم، وتعاملوهم بالمعروف، وتقسطوا إليهم، أي: تعدلوا إليهم وتنصفوهم [ينظر: تيسير الكريم الرحمن، السعدي ص856 ]، والآية عامة في اليهود والنصارى وغيرهم، وذلك بالشروط التي ذكرتها الآية؛ وهي: أنهم لم يقاتلونا من أجل ديننا، ولم يخرجونا من ديارنا بمضايقتنا وإلجائنا إلى الهجرة، وأن لا يعاونوا عدوًا بأي معونة ولو بالمشورة والرأي فضلًا عن الكراع والسلاح جامع البيان، الطبري 23/223 ].

إيمان أهل الإسلام برُسلهم وأنبيائهم وتعظيمهم ومحبتهم والإيمان بكتبهم

وهو من أركان الإيمان ومن أخل به كان كافراً؛ فنحن نؤمن بنبوة موسى وعيسى بن مريم وداود وسليمان وسائر أنبياء بني إسرائيل عليهم، ونؤمن بالتوراة والإنجيل المنزلة من عند الله على أصلها الذي أنزلت عليه قبل تحريفها ونؤمن بالزابور وغيرها من الكتب التي قصها الله علينا وبما لم يقصه الله علينا من غيرها من الكتب المنزلة، قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقالوا سَمِعنا وَأَطَعنا غُفرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيكَ المَصيرُ}[البقرة: 285]، وهذا يدل على سماحة دينا وتميزنا عنهم؛ حيث يكذبون رسولنا وينكرون رسالته، ويكفرون بكتابنا (القرآن).

خلاصة في بيان مفهوم أهل الكتاب وبيان الأحكام المتعلقة بهم

  • أهل الكتاب، هم: اليهود والنصارى الذين يسمون أنفسهم في زماننا “المسيحيين” المنتسبين إلى أحد الكتابين السماويين؛ التوراة والإنجيل المنزلين من عند الله وإن حصل فيهما تحريف.
  • وينطبق عليهم هذا الاسم وإن كانوا منحرفين، فإن الله – تعالى – أسماهم كذلك، ورتب لهم أحكاماً خاصة (أجاز طعامهم، ونكاح نسائهم، وأخذ الجزية منهم)، مع أنهم كانوا ينسبون لله الولد، ويقولون يد الله مغلولة والله فقير ونحن أغنياء.
  • ويدخل في هذا الاسم كافة فرق وطوائف اليهود والنصارى سواء كانوا في زماننا هذا أو في الأزمنة الماضية أو اللاحقة حتى نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان حيث تزول شبهتهم وينتهي العمل بالأحكام الخاصة بهم.
  • لكن من كفر منهم بدينه، وتبرأ منه، وصار ملحداً شيوعياً أو لا دينياً أو التحق بأي ديانة أخرى وانسلخ من دينه، فإنه لا يسمى كتابياً بل يلحق بسائر الكفار والمشركين من الوثنيين والدهريين؛ فلا يدخل في مسمى “أهل الكتاب”.
  • أهل التوراة (اليهود) قبل مبعث عيسى عليه السلام منهم المؤمنون الذين آمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام واتّبعوه وآمنوا بمن أدركوا من أنبيائهم الذين جاءوا بعده؛ فهؤلاء من أهل الإيمان ويدخلون الجنة، ومنهم من كفر وأخلّ بالإيمان وهم من أهل النار. 
  • أهل التوراة (اليهود) من أدرك منهم بعثة عيسى عليه السلام؛ فإن آمن به واتبعه كان من المؤمنين الذين يدخلون الجنة، وإلا فإنه يكون كافراً من أهل النار.
  • أهل الكتابين التوراة والانجيل (اليهود والنصارى بكافة فرقهم وطوائفهم) من أدرك منهم بعثة محمد ﷺ فإن آمن به واتبعه صار من المؤمنين المسلمين، ومن لم يؤمن به ويتبعه كان كافرا من أهل النار,     
  • ولا يخرجه ذلك من مسمى “أهل الكتاب” كما لا ينفي عنهم أن يكونوا كفاراً ومشركين وهذا ينطبق على كافة اليهود والنصارى بكافة فرقهم وطوائفهم منذ مبعث محمد ﷺ إلى قيام الساعة ما لم يؤمنوا بمحمد ﷺ ويدخلوا في الإسلام.
  •  إنما يدخلهم هذا الاسم “أهل الكتاب” بأحكام خاصة ينفردون بها عن غيرهم من الكفار والمشركين (تقدمت الإشارة إليها).

مقالات مشابهة

سورة ق وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة ق وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة الفرقان وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة الفرقان وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

حكم أخذ القرض الربوي للحاجة الماسة

حكم أخذ القرض الربوي للحاجة الماسة

حكم الإفطار في رمضان

حكم الإفطار في رمضان

هل يجوز الصيام بعد ممارسة العادة في الليل؟

هل يجوز الصيام بعد ممارسة العادة في الليل؟

حكم التسويق الإلكتروني

حكم التسويق الإلكتروني

سورة التغابن وسبب نزولها وفضلها مع التفسير

سورة التغابن وسبب نزولها وفضلها مع التفسير