جدول المحتويات
نَذْرُ الصوم هو ما أوجبه المكلف على نفسه من صيام ، وقد وعد الله تعالى الوفاء به من صفات الأبرار، فإذا نذر الإنسان صوم أيام معدودة لزمه أن يوفي بما نذر، قال الله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا}(الإنسان: 7)، وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من نذر أن يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر أن يعصي اللّه فلا يعصه.”
حكم نذر الصوم في الإسلام
- الإقدام على النذر مكروه لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه، قال ابن قدامة في المغني: ولا يستحب؛ لأن ابن عمر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النذر وقال: “إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل”(متفق عليه)، وهذا نهي كراهة لا نهي تحريم، لأنه لو كان حراماً؛ لما مدح الموفين لأن ذنبهم في ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه، ولأن النذر لو كان مستحباً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأفاضل أصحابه.
- قال النووي في المجموع: يكره ابتداء النذر، فإن نذر وجب الوفاء به ودليل الكراهة عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- “أنه نهى عن النذر، وقال: إنّ النَّذْرَ لا يأتي بخير، وإنما يُسْتَخْرَجُ به من البخيل”(رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذا اللفظ).
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تنذروا فإن النذر لا يغني من القدر شيئاً وإنما يستخرج به من البخيل”(رواه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح)، قال الترمذي: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم كرهوا النذر، قال ابن المبارك: الكراهة في النذر في الطاعة والمعصية، قال: فإن نذر طاعة ووفى به فله أجر الوفاء ويكره له النذر.
- عند المالكية يستحب النذر المطلق الذي ليس بمعلق على شيء، واختلفوا هل يكره النذر المعلق أم لا، قال خليل في مختصره: وندب المطلق وكره المكرر وفي كره المعلق تردد
من نذر طاعة وجب عليه الوفاء بها لقوله صلى الله عليه وسلم: “من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه”(رواه البخاري)، وفي سنن أبي داود عن ابنِ عَبّاسٍ قال: “بَيْنَمَا النّبيّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ في الشّمْسِ، فَسَألَ عَنْهُ، فَقَالُوا: هَذَا أبُو إسْرَائِيلَ، نَذَرَ أنْ يَقُومَ وَلاَ يَقْعُدَ وَلاَ يَسْتَظِلّ وَلاَ يَتَكَلّمَ وَيَصُومَ، قالَ: مُرُوهُ فَلْيَتَكَلّمْ وَلْيَسْتَظِلّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمّ صَوْمَهُ.”
قال شمس الحق آبادي في عون المعبود: ” قال القرطبي في قصة أبى إسرائيل: هذا أعظم حجة للجمهور في عدم وجوب الكفارة على من نذر معصية أو ما لا طاقة فيه. قال مالك: لم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بكفارة”.
تقديم صوم النذر على النافلة
صوم النذر هو واجب فريضة؛ فالواجب عليك أن تبدأ بالفريضة قبل النافل مثال صوم الستة من شوال مستحب وليس بواجب، فيقدم صوم النذر عليها أيضاً يجب على المرأة التي نذرت صيام ثلاثة أيام من كل شهر أن تصومها؛ لأنه نذر طاعة، وإن تعذّر عليها الصيام في شهر بسبب العادة الشهرية أو وضع ونحوه فإنها تقضيها؛ لأنّه صيام واجب بالنذر.
قضاء صيام النذر عن الميت
إذا نذر الميت صوم ثم فرط في ذلك الصيام حتى مات فمن أهل العلم من قال إنه يجب على وليه أن يصوم عنه، مستدلين بما في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه، فالصوم عن الميت عند من يقول به من أهل العلم لا يختلف في كيفيته وأحكامه عن صوم الإنسان عن نفسه.
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، أفأقضيه عنها؟ فقال: لو كان على أمِّك دَين أكنت قاضيه عنها؟ قال: نعم. قال: فَدَيْن الله أحق أن يُقضى”، وفي رواية: “جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال: أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه، أكان يؤدّي ذلك عنها؟ قالت: نعم. قال: فصومي عن أمك.”(متفق عليه)ز
ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن سعد بن عبادة الأنصاري استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه، فتوفيت قبل أن تقضيه، فأفتاه أن يقضيه عنها، فكانت سنة بعد، وفي رواية للبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما “أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها. أرأيت لو كان على أمك دين، أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء”. وبوّب عليه الإمام البخاري فقال: باب من شبّه أصلا معلوماً بأصل مُبيَّن وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حكمهما ليفهم السائل مشروعية القضاء عن الميت، وإبراء ذمّته، سواء كان ذلك نذراً أو كان مما لزمه.
حُكم مَن نذر صيامًا ثم عجز عن الوفاء به
ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب إطعام مسكين لكل يوم لم يتم صيامه بعد نذر، وقيل في كشاف القناع: “وإن نذر صياماً، فعجز عنه لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أو نذره أي الصيام في حال عجزه أطعم لكل يوم مسكيناً، وكفر كفارة يمين، لأن سبب الكفارة عدم الوفاء بالنذر، والإطعام للعجز عن واجب الصوم، فقد اختلف السببان واجتمعا فلم يسقط واحد منهما، لعدم ما يسقطه، وإن عجز الناذر عن الصوم لعارض يرجى برؤه انتظر زواله كالواجب بأصل الشرع، ولا يلزمه كفارة ولا غيرها إذا لم يكن النذر معيناً، فإن كان معيناً وفات محله، فعليه الكفارة كما تقدم، وإن صار المرض غير مرجو الزوال صار الناذر إلى الكفارة والفدية في الإطعام لكل يوم مسكيناً كما لو كان ابتدأ بذلك.”