جدول المحتويات
فرض الله سبحانه وتعالى قضاء الصوم على من أفطر في رمضان بعذر قهري، وذلك في قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ( البقرة: 185)، وإن تعذر عليه الصوم فعليه الفدية أو الكفارة كما جاء في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (البقرة: 184)، وهنا يمكن ملاحظة أن الكفارة يجب أن تكون على شكل طعام، فهل يجوز دفع كفارة الصيام نقداً؟
كفارة الصيام
ذكر الله سبحانه وتعالى لفظ الطعام أو الإطعام في ما يتعلق بالكفارة، وقد وجب أن يكون طعاماً وذلك لكونه سبحانه وتعالى أعلم بحاجات الناس، ورتب ذلك على قسمات عادلة من كل صنف من الأموال وأجناسها وذلك لسد جميع الاحتياجات، وعلى ذلك فإن الأصل هو إخراج الكفارة سواءً كانت الفدية وهي إطعام مسكين واحد عن كل يوم إفطار، أو كانت الكفارة الكبرى التي تختص بالجماع في نهار رمضان وهي إطعام ستين مسكيناً في حال لم يتمكن من قضاء الصوم.
ما هي أقوال الفقهاء فيما يتعلق بدفع كفارة الصيام نقداً؟
اختلفت أقوال الفقهاء فيما يتعلق بدفع كفارة الصيام نقداً أو إخراج القيمة، وانقسمت إلى قولين أحدهما يفيد الجواز والآخر يفيد المنع، وقد كان منشأ الخلاف بينهما أن الكفارة والفدية لهما معنيان هما: أنها عبادة وتقرب من الله تعالى، وأنها حق للفقراء؛ حيث يرى الفريق الأول أن معنى العبادة هو الغالب ولذلك فقد التزم بإخراج الطعام ولم يجعل له قيمة جائزة، أما الفريق الثاني فيرى أن الفدية هي حق مالي لسد حاجة الفقراء وذلك بالطعام أو ما يعادله من نقد على حد سواء، وفيما يلي بيان آراء هذين الفريقين:
- الفريق الأول: يمنع إخراج زكاة الفطر نقداً ولا يجزئ فيها، وهذا رأي الجمهور من المالكية، والشافعية، والظاهرية، والحنابلة، حيث قال النووي: ” لا تُجزئُ القيمة في الفِطرة عندنا، وبه قال أحمد ومالك، وابن المُنذر”، كما قال ابن حزم: ” لا يُجزئ إخراج بعض الصاع شعيرًا وبعضه تمرًا، ولا تُجزئ قيمة أصلًا؛ لأن كل ذلك غير ما فرض رسول الله، والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراضٍ منهما، وليس للزكاة مالك بعينه فيجوز رضاه، أو إبراؤه.”
- الفريق الثاني: يجوز إخراج زكاة الفطر نقداً، وهو مذهب الأحناف، وعمر بن عبد العزيز، وأبو إسحق السبيعي، والحسن البصري، والقرطبي، والإمام الثوري في تفسيرهم، ومن المحدثين الحافظ بن أبي شيبة حيث ترجم في مصنفه بقوله: (باب إعطاء الدراهم في زكاة الدراهم في زكاة الفطر)، والبخاري ترجم أيضاً: (باب العرض في الزكاة).
دفع كفارة الصيام نقداً عند الحاجة والمصلحة
بعيداً عن الخلاف القائم على مسألة دفع كفارة الصيام نقداً، يوجد قول وسط بين هذين القولين ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية؛ حيث أبقى الأصل وهو الإطعام وأجاز في الوقت ذاته إخراج القيمة للحاجة والمصلحة، حيث قال: والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه… وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به”، وتبعه في هذا القول الإمام الشوكاني فقال: “الحق أن الزكاة واجبة من العين ولا يعدل عنها إلى القيمة إلا لعذر”، والكلام في الكفارة كالكلام في الزكاة.