جدول المحتويات
على المسلم أن يعلم أنّ فوات العبادة الواجبة عليه ليس بالأمر الهَيِّن؛ وذلك بسبب ما يترتّب عليه بعد ذلك من الإثم إذا كان فواتها بغير عُذر، فهي مُتعلّقةٌ في ذمّته، وقضاؤها واجب باتِّفاق العلماء جميعهم؛ سواءً كان فواتها خطأً، أو سَهواً، أو عَمداً بعُذرٍ، أو بغيره، وفي هذا المقال سنتحدث عن صيام القضاء وحكم تأخير قضاء رمضان وهل يجوز التصدق بدل القضاء وغيرها من المواضيع المتعلقة في صيام القضاء.
ما هو صيام القضاء؟
يعرف القضاء لغةً بأنه الأداء والحكم، أما اصطلاحاً يعني أن يفعل المرء الأمر الواجب عليه بعد فوات الوقت، وقضاء الصيام يعني أن يصوم المسلم الأيام التي أفطرها في شهر رمضان الكريم وذلك بعد انتهائه، وهو واجب على كل مسلم فاته صوم من رمضان، فعليه أن يقضيه فهو معلق في ذمته، كما يجب القضاء في الوقت الذي يُباح فيه التطوُّع بالصيام؛ فكلّ وقتٍ أُبيح فيه الصيام تطوُّعاً، أُبيح صيام القضاء فيه، ومن ذلك جواز القضاء يوم الشكّ؛ لصحّة التطوُّع فيه، وعلى ذلك لا يصحّ قضاء الصيام في الأيّام المَنهيّ عن صيامها، كأيّام العيد.
هل يجوز التصدق بدل صيام القضاء؟
أجمع أهل العلم على أنه يجب على كل مسلم أفطر يوماً أو أياماً بسبب أي عذر أو امرأة أفطرت بسبب حيضها قضاء هذه الأيام، فهو قضاء واجب عليه تنشغل به ذمته، ولا يجوز إخراج الفدية بدل من الصيام إلا إذا كان الشخص الذي أفطر مصاب بمرض مزمن فيمكنه إخراج كفارة بإطعامه مسكين عن كل يوم، حيث قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(التباغن: 16).
اختلفت المسألة في إخراج الفدية عند بعض الفقهاء، فقد أجمع جمهور العلماء من الشافعية، والمالكية، والحنابلة، بوجوب الفدية مع القضاء، متبعين بعض الصحابة، مثل عبد الله بن عباس، وأبي هريرة رضي الله عنهما، وتكون الفدية بإطعام مسكين لكل يوم أفطره مداً من دقيق، أو قمح، أو نصف صاع من الشعير، أو التمر، والمد هو 57 جرام تقريباً، ويجوز إخراج الفدية قبل الصيام أو بعدها، ويجوز له أن يطعم المساكين بعدد الأيام التي أفطرها في يوم واحد، وأوجب الفقهاء بعدم جواز إخراج هذه الفدية نقداً، وإنما بتقديم الطعام، لكن الإمام أبو حنيفة أوجز بعدم لزوم الفدية مع القضاء، لقول الله عز وجل: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(البقرة: 184)، كما أوجز إخراج قيمة الفدية نقداً إن لم يستطع أن يصوم، لأن الغاية من الإطعام هو كفاية حاجة المسكين، كما قال الإمام أبو حنيفة أيضاً أنه يتم تحديد قيمة المبلغ الذي يتم دفعه كفدية بقيمة الكمية التي يجب إخراجها.
حكم تأخير قضاء رمضان
اتفق علماء الفقه الأربعة على وجوب القضاء قبل قدوم رمضان الذي يليه، لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “كانَ يَكونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِن رَمَضَانَ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أقْضِيَ إلَّا في شَعْبَانَ”، بالتالي فإن التأخير بدون عذر أو ظروف تتطلب التأخير من قبل الشخص الذي عليه أيام يعتبر تهاوناً وتساهلاً ويتطلب التوبة إلى الله وطلب المغفرة، كما يجب القضاء على من يقدر أن يقضيه، فإن كان الشخص مريضاً ولم يشفى ومات وعليه رمضان فلا شيء عليه. وإن أوصى أن يطعم فيتم تنفيذ وصيته من ثلث ماله، والإطعام في حالته غير واجبة، وإن كان مريضاً وشفي وكان له القدرة على الصيام ولم يصم ثم مات، فيجب عليه أن يوصى بالفدية، لأن القضاء في حالته واجبة، ولكنه قصر وتهاون فيها.
الفورية في القضاء
اتفق علماء الفقه الأربعة على أنه لا يجب على المسلم قضاء الصيام فور انتهاء رمضان، إذ يجوز التراخي فيه، فيمكن القضاء في أي وقت قبل قدوم رمضان الذي يليه، ولكن الأفضل التعجيل في القضاء وذلك إبراءً للذمة، وسقوط الواجب، لقول الله عز وجل {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُم}(آل عمران: 133).
حكم التتابع في قضاء الصيام
تتابع الصيام يدل على حدوث الشيء وراء بعضه دون قطع بمعنى أن يقوم الشخص بالصيام يوماً تلو الآخر دون الفطر، ولكن هل هو واجب أم يمكن للشخص أن يصوم أيام متفرقة حسب قدرته؟0 قال العلماء أنه يجوز صيام القضاء بأي شكل سواء كان متتابع أو متفرق، ولكن الأفضل هو أن يقوم الشخص بالتتابع لقول محمد بن المنكدر: “سُئِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن تقطيعِ قضاءِ رمضانَ، فقال: ذلك إليكَ، أرأيتَ لو كان على أحدِكم دَينٌ قضَى الدِّرهمَ والدِّرهمَينِ، ألَم يكُنْ ذلك قضاءً؟ فاللهُ أحقُّ أنْ يعفُوَ ويغفِرَ”
تضاعف الكفارة في القضاء
هناك اختلاف بين العلماء وخاصةً المذاهب الأربعة في موضوع تأخير قضاء الصيام لأكثر من عام، فكان رأيهم كالتالي: المالكية والحنابلة كان رأيهم أن الفدية لا تتضاعف، لأنهم يرون أن الواجب لا يزداد إذا تأخر الشخص عن القيام به، بالتالي فلا يجب عليه إلا فدية واحدة، أما بالنسبة للشافعية فكان رأيهم أن الفدية تتضاعف بتأخير القضاء، بالتالي يجب على الشخص الإطعام عن كل يوم أفطره، أما الحنفية فأشار إلى أنه لا يوجد فدية في الأساس على الشخص بل يجب عليه قضاء الأيام التي أفطرها فقط.
وقت قضاء الصيام
يباح للمسلم أن يقضي ما فاته من رمضان في أي وقت، بما فيه يوم الشك وهو اليوم الأخير من شهر شعبان، ورغم ذلك لا يجوز له الصيام في الأيام المنهي عنها الصيام مثل أيام العيد.
متى تجب الفدية مع القضاء؟
هناك بعض الأشخاص يؤخرون صيام الأيام التي أفطروها في رمضان إلى رمضان الذي يليه، ولكن منهم من يجب عليه القضاء فقط، ومنهم من يجب عليه القضاء والفدية معاً، وتتمثل هذه الحالات كما اتفق عليها العلماء كالتالي:
- الحالة الأولى: إذا كان التأخير بعُذر، كمَن مرض في رمضان واستمر المرض معه إلى قدوم رمضان الذي يليه، فلا إثم عليه، وفي هذه الحالة يجب عليه القضاء فقط، بالإضافة إلى من كان صحيحاً لا يشكو المرض، أو صار مُقيماً بعد أن كان مسافراً بعد انقضاء رمضان إلى أن دخل شعبان، ثمّ مَرِضه كُلّه، أو سافر فيه، في هذه الحالة يجب عليه القضاء فقط فهو لم يكن يعلم ما سيحصل له وآخر الصيام إلى شعبان.
- الحالة الثانية: إذا كان يكون التأخير بلا عُذر، كمن يكون قادراً على القضاء، ولكنه فرط في صيامه إلى أن أتى رمضان الذي يليه، فهو يأثم بتأخيره، ويجب عليه القضاء والفدية معاً.
كيفية قضاء الحامل ما فاتها من صيام؟
أجاب أمين الفتوى بدار الإفتاء الشيخ عويضة عثمان على سيدة تسأل كيف تقضي الحامل ما فاتها من الصيام؟ وهل يجب عليها فدية أم لا؟، بأنه يجب على المرأة قضاء ما فاتها من أيام ولا يوجد تعويض آخر أو فدية عليها، كما ذكر أنه هذا المعتمد في دار الإفتاء من الفتوى، وأنه يجب عليها القضاء فقط ولا تقوم بدفع فدية، والقضاء يكون في أي وقت لكن عليها أن تسارع لأن ذلك أفضل عند الله.